كتاب المغني لابن قدامة ط مكتبة القاهرة (اسم الجزء: 2)
وَحُكْمُ هَذِهِ الْوَاجِبَاتِ - إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِهَا - أَنَّهُ إنْ تَرَكَهَا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَإِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا وَجَبَ عَلَيْهِ السُّجُودُ لِلسَّهْوِ؛ وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَامَ إلَى ثَالِثَةٍ وَتَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ، فَسَبَّحُوا بِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ، حَتَّى إذَا جَلَسَ لِلتَّسْلِيمِ، سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ سَلَّمَ. فِي حَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ. وَلَوْلَا أَنَّ التَّشَهُّدَ سَقَطَ بِالسَّهْوِ لَرَجَعَ إلَيْهِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ وَاجِبٌ لَمَا سَجَدَ جَبْرًا لِنِسْيَانِهِ، وَغَيْرُ التَّشَهُّدِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ مَقِيسٌ عَلَيْهِ، وَمُشَبَّهٌ بِهِ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لِلْعِبَادَةِ وَاجِبَاتٌ يَتَخَيَّرُ إذَا تَرَكَهَا، وَأَرْكَانٌ لَا تَصِحُّ الْعِبَادَةُ بِدُونِهَا، كَالْحَجِّ فِي وَاجِبَاتِهِ وَأَرْكَانِهِ.
(٨٨٧) فَصْلٌ: وَضَمَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى هَذِهِ الْوَاجِبَاتِ نِيَّةَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ فِي سَلَامِهِ، وَالتَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّهُمَا لَيْسَتَا بِوَاجِبَتَيْنِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ لِكَوْنِهِ لَمْ يَذْكُرْهُمَا فِي عَدَدِ الْوَاجِبَاتِ.
وَيَخْتَصُّ «رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» بِالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ، وَفِي الْمُنْفَرِدِ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَيَخْتَصُّ قَوْلُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، بِالْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْمَشْرُوعِ فِي الصَّلَاةِ: الْمَسْنُونُ وَهُوَ مَا عَدَا مَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ؛ رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، وَالرُّكُوعُ، وَالرَّفْعُ مِنْهُ، وَوَضْعُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَحَطُّهَا تَحْتَ السُّرَّةِ، وَالنَّظَرُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، وَالِاسْتِفْتَاحُ وَالتَّعَوُّذُ، وَقِرَاءَةُ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: ١] وَقَوْلُ " آمِينَ "، وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، وَالْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ فِي مَوَاضِعِهِمَا، وَوَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ فِي الرُّكُوعِ، وَمَدُّ الظَّهْرِ وَالِانْحِنَاءُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.
وَمَا زَادَ عَلَى التَّسْبِيحَةِ الْوَاحِدَةِ فِيهِمَا، وَمَا زَادَ عَلَى الْمَرَّةِ فِي سُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ، وَقَوْلُ (مِلْءَ السَّمَاءِ بَعْدَ التَّحْمِيدِ، وَالْبِدَايَةُ بِوَضْعِ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ فِي السُّجُودِ، وَرَفْعُهُمَا فِي الْقِيَامِ، وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ فِي السُّجُودِ، وَوَضْعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ أَوْ حَذْوَ أُذُنَيْهِ، وَفَتْحُ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ فِيهِ، وَفِي الْجُلُوسِ، وَالِافْتِرَاشُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَالتَّوَرُّكُ فِي الثَّانِي، وَوَضْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْفَخِذِ الْيُمْنَى مَقْبُوضَةً مُحَلَّقَةً، وَالْإِشَارَةُ بِالسَّبَّابَةِ، وَوَضْعُ الْيَدِ الْأُخْرَى عَلَى الْفَخِذِ الْأُخْرَى مَبْسُوطَةً، وَالِالْتِفَاتُ عَلَى الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ فِي التَّسْلِيمَتَيْنِ، وَالسُّجُودُ عَلَى أَنْفِهِ، وَجَلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ، وَالتَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ، وَنِيَّةُ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ فِي سَلَامِهِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِنَّ. وَحُكْمُ هَذِهِ السُّنَنِ جَمِيعِهَا أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ بِتَرْكِهَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا، وَفِي السُّجُودِ لَهَا عِنْدَ السَّهْوِ عَنْهَا تَفْصِيلٌ، نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
[فَصْلٌ شُرُوطُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ]
(٨٨٨) فَصْلٌ: وَيُشْتَرَطُ لِلصَّلَاةِ سِتَّةُ أَشْيَاءَ؛ الطَّهَارَةُ مِنْ الْحَدَثِ، وَالطَّهَارَةُ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَالسُّتْرَةُ، وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ،
الصفحة 6
532