كتاب المغني لابن قدامة ط مكتبة القاهرة (اسم الجزء: 2)
وَدُخُولُ الْوَقْتِ، وَالنِّيَّةُ. فَمَتَى أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ. وَتَخْتَصُّ النِّيَّةُ بِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَ عَدَمِهَا بِحَالٍ لَا فِي حَقِّ مَعْذُورٍ وَلَا غَيْرِهِ. وَيَخْتَصُّ الْوَقْتُ بِبَعْضِ الصَّلَوَاتِ. وَكُلُّ مَا اُعْتُبِرَ لَهُ وَقْتٌ فَلَا يَصِحُّ قَبْلَ وَقْتِهِ، إلَّا الثَّانِيَةَ مِنْ الْمَجْمُوعَتَيْنِ، تُفْعَلُ فِي وَقْتِ الْأُولَى حَالَ الْعُذْرِ، إذَا جُمِعَ بَيْنَهُمَا. وَبَقِيَّةُ الشُّرُوطِ تَسْقُطُ بِالْعُذْرِ، عَلَى تَفْصِيلٍ ذُكِرَ فِي مَوَاضِعِهِ، فِيمَا مَضَى.
[فَصْلٌ يُسْتَحَبّ لِلْمُصَلَّيْ أَنْ يَنْظُر إلَى مَوْضِع سُجُوده]
فَصْلٌ: يُسْتَحَبُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَجْعَلَ نَظَرَهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: الْخُشُوعُ فِي الصَّلَاةِ: أَنْ يَجْعَلَ نَظَرَهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، وَقَتَادَةَ، وَحُكِيَ عَنْ شَرِيكٍ، أَنَّهُ قَالَ: يَنْظُرُ فِي حَالِ قِيَامِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، وَفِي رُكُوعِهِ إلَى قَدَمَيْهِ، وَفِي حَالِ سُجُودِهِ إلَى أَنْفِهِ، وَفِي حَالِ التَّشَهُّدِ إلَى حِجْرِهِ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو طَالِبٍ الْعُشَارِيُّ، فِي الْأَفْرَادِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، قَالَ: «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ أَجْعَلُ بَصَرِي فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: مَوْضِعَ سُجُودِكَ. قَالَ: قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ ذَلِكَ لَشَدِيدٌ، إنَّ ذَلِكَ لَا أَسْتَطِيعُ. قَالَ: فَفِي الْمَكْتُوبَةِ إذًا» . وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُفَرِّجَ بَيْنَ قَدَمَيْهِ، وَيُرَاوِحَ بَيْنَهُمَا إذَا طَالَ جُلُوسُهُ، يَعْتَمِدُ عَلَى هَذِهِ مَرَّةً، وَعَلَى هَذِهِ مَرَّةً، وَلَا يُكْثِرُ ذَلِكَ، لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: رَأَى عَبْدُ اللَّهِ رَجُلًا يُصَلِّي صَافًّا بَيْنَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: لَوْ رَاوَحَ هَذَا بَيْنَ قَدَمَيْهِ كَانَ أَفْضَلَ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَلَفْظُهُ: فَقَالَ أَخْطَأَ السُّنَّةَ، وَلَوْ رَاوَحَ بَيْنَهُمَا كَانَ أَعْجَبَ إلَيَّ.
قَالَ الْأَثْرَمُ: رَأَيْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُفَرِّجُ بَيْنَ قَدَمَيْهِ، وَرَأَيْته يُرَاوِحُ بَيْنَهُمَا. وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، وَالْحَسَنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عِنْدَ طُولِ الْقِيَامِ كَمَا قَالَ عَطَاءٌ، قَالَ: إنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يُقِلَّ فِيهِ التَّحْرِيكَ، وَأَنْ يَعْتَدِلَ قَائِمًا عَلَى قَدَمَيْهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ إنْسَانًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَإِنَّهُ يَطُولُ عَلَى الْإِنْسَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوَكُّؤِ عَلَى هَذِهِ مَرَّةً وَعَلَى هَذِهِ مَرَّةً.
[فَصْلٌ تَرَكَ شَيِّئْ مِنْ سُنَن الصَّلَاة]
(٨٩٠) فَصْلٌ: يُكْرَهُ أَنْ يَتْرُكَ شَيْئًا مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَلْتَفِتَ فِي الصَّلَاةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ؛ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْتِفَاتِ الرَّجُلِ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ.» مِنْ الصِّحَاحِ، رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. وَفِي الْمُسْنَدِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَزَالُ اللَّهُ مُقْبِلًا عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ، مَا لَمْ يَلْتَفِتْ، فَإِذَا الْتَفَتَ انْصَرَفَ عَنْهُ» . رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّهُ يَشْغَلُ عَنْ الصَّلَاةِ، فَكَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى. فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ لَمْ يُكْرَهْ؛ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد، عَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ، قَالَ: «ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إلَى الشِّعْبِ.» قَالَ أَبُو دَاوُد وَكَانَ أَرْسَلَ فَارِسًا إلَى الشِّعْبِ يَحْرُسُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَعَنْ
الصفحة 7
532