كتاب فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري (اسم الجزء: 2)

للنّبيّ - صلى الله عليه وسلم - طعاماً فإذا جيء به إليه - أي بعد أن يأكل النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - منه , سأل عن موضع أصابع النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فصنع ذلك مرّة فقيل له: لَم يأكل، وكان الطّعام فيه ثوم، فقال: أحرام هو يا رسولَ الله؟ قال: لا. ولكن أكرهه.
قوله: (كل فإنّي أناجي من لا تناجي) أي: الملائكة، وفي حديث أبي أيّوب عند ابن خزيمة وابن حبّان من وجه آخر , أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل إليه بطعامٍ من خضرة فيه بصل أو كرّاث , فلم ير فيه أثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبى أن يأكل، فقال له: ما منعك؟ قال: لَم أر أثر يدك , قال: أستحي من ملائكة الله , وليس بمحرّمٍ.
ولهما من حديث أمّ أيّوب , قالت: نزل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتكلَّفنا له طعاماً فيه بعض البقول، فذكر الحديث نحوه. وقال فيه: كُلوا، فإنّي لست كأحدٍ منكم، إنّي أخاف أوذي صاحبي.
وكان أبو أيّوب استدل بعموم قوله تعالى {لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ} على مشروعيّة متابعته في جميع أفعاله , فلمّا امتنع النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - من أكل تلك البقول تأسّى به , فبيّن له النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وجه تخصيصه فقال: إنّي أناجي من لا تناجي.
واختلف هل كان أكلُ ذلك حراماً على النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أو لا؟.
فقيل: كان محرماً عليه , والرّاجح الحلّ , لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: وليس بمحرّمٍ. كما تقدّم من حديث أبي أيّوب عند ابن خزيمة.
وحجّة الأوّل: أنّ العلة في المنع ملازمة الملك له - صلى الله عليه وسلم -، وأنّه ما من

الصفحة 537