كتاب فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (اسم الجزء: 2)
"ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا" أي" قاعدًا، ولم يبين في الحديث كيف الجلوس، "ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا" السجدة الثانية.
"ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" "افعل ذلك" المشار إليه: القراءة، الركوع، الرفع منه، السجود، الرفع منه، السجود مرة ثانية، ثم الرفع، القيام، وقوله: "في صلاتك كلها" يحتمل أن المعنى: في كل الصلاة المعينة، ويحتمل: في كل الصلوات المقبلة، فأيهما أعم، فيكون المعنى: افعل هذا في جميع صلاتك كما فعلت في الركعة الأولى افعل في الركعة الثانية، وافعل في الصلاة المقبلة. ولابن ماجه بإسناد مسلم: "حتى تطمئن قائمًا" الإسناد صحيح، والمعنى لا ينافي قوله: "حتى تعتدل قائمًا" فنقول: نرجح ما اتفق عليه السبعة فلا منافاة.
في هذا الحديث الذي يترجم عنه بأنه حديث المسيء في صلاته هذه العبارة لم ترد عن الصحابة، فلا أحب أن يعبر بها؛ لأن الإساءة إنما تكون في الغالب عن قصد، وهذا الرجل لم يقصد، وعليه إذا لم تثبت عن الصحابة، فنقول: الأولى أن يعبر فيقال: حديث الجاهل في صلاته؛ لأنه جاهل هذا هو حقيقة الأمر.
في هذا الحديث فوائد: ملاحظة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه؛ يعني: ليس يجلس بين أصحابه يحدثهم ويغفل عن الناس الذين يدخلون، بل يراقب- عليه الصلاة والسلام؛ لأنه صلى الله عليه وسلم رسول إلى الخلق، فيراقب أفعالهم ليهديهم الصراط المستقيم، ولاشك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد راقب هذا الرجل.
ومن فوائد الحديث: مشروعية السلام وتكراره ولو لم يطل الفعل، وجهه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر هذا الرجل على تكرار السلام.
ومنها: أنه إذا سلم الإنسان ولو كرر السلام إذا كان تكراره مشروعًا فإنه يرد عليه، أما إذا كان سلامه غير مشروع فهل يرد عليه أو لا؟ الجواب: لا، لا يجب الرد؛ ولهذا قال الفقهاء- رحمهم الله-: من سلم على شخص في حال لا يسن فيها السلام فإنه لا يجب رد السلام عليه، كالمشتغل بالقراءة وما أشبه ذلك، ويدل لهذا أن الصحابة إذا أرادوا أن يسألوا الرسول- عليه الصلاة والسلام- ليسوا يسلمون عليه ما داموا معه فلا حاجة أن يلقى السؤال فيسلم، السلام للقادم أو ما كان في حكم القادم.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز إقرار الإنسان على عمل فاسد من أجل إصلاح العمل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الرجل على الصلاة في المرة الثالثة، وهو يعلم أنه لو كان عنده علم لاطمئن في صلاته لكن بشرط- يعني: إذا أقررناه على العمل الفاسد- أن نبين الصحيح، ويدل لهذا قصة عائشة رضي الله عنها في بريرة. وكانت أمة لقوم من الأنصار كاتبوها- يعني: باعوا نفسها عليها- على تسع أواٍق
الصفحة 8
640