كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 2)

بِخِلَافِ الْأَوَّلِ (إلَّا كَمِصْرِيٍّ) وَمَغْرِبِيٍّ وَشَامِيٍّ (يَمُرُّ بِالْحُلَيْفَةِ) قَاصِدًا الْمُرُورَ بِالْجُحْفَةِ، أَوْ مُحَاذَاتَهَا (فَهُوَ) أَيْ إحْرَامُهُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ (أَوْلَى) فَقَطْ لَا وَاجِبٌ لِأَنَّ مِيقَاتَهُ أَمَامَهُ.

(وَإِنْ لِحَيْضٍ) أَيْ أَوْلَى، وَإِنْ لِذَاتِ حَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ (رُجِيَ رَفْعُهُ) قَبْلَ الْجُحْفَةِ فَالْأَوْلَى لَهَا الْإِحْرَامُ مِنْ الْحُلَيْفَةِ، وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى إحْرَامِهَا الْآنَ بِلَا صَلَاةٍ؛ لِأَنَّهَا تُقِيمُ فِي الْعِبَادَةِ أَيَّامًا قَبْلَ أَنْ تَصِلَ لِلْجُحْفَةِ فَلَا يَفِي رُكُوعُهَا لِلْإِحْرَامِ الْمُتَأَخِّرِ بِفَضْلِ تَقْدِيمِ الْإِحْرَامِ مَعَ كَوْنِ إحْرَامِهَا الْمُتَقَدِّمِ مِنْ مِيقَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْمَارُّ بِالْحُلَيْفَةِ الْمُرُورَ بِالْجُحْفَةِ وَلَا مُحَاذَاتِهَا وَجَبَ إحْرَامُهُ مِنْ الْحُلَيْفَةِ وَشُبِّهَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ قَوْلُهُ (كَإِحْرَامِهِ) أَيْ مُرِيدِ الْإِحْرَامِ مِنْ أَيِّ مِيقَاتٍ (أَوَّلَهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُبَادَرَةِ لِلطَّاعَةِ إلَّا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَالْأَفْضَلُ الْإِحْرَامُ مِنْ مَسْجِدِهَا، أَوْ فِنَائِهِ لَا مِنْ أَوَّلِهِ (وَ) كَ (إزَالَةِ شَعَثِهِ) مِنْ تَقْلِيمِ ظُفُرٍ وَقَصِّ شَارِبٍ وَحَلْقِ عَانَةٍ وَنَتْفِ إبِطٍ وَإِزَالَةِ شَعْرِ بَدَنِهِ إلَّا شَعْرَ رَأْسِهِ فَالْأَفْضَلُ إبْقَاؤُهُ طَلَبًا لِلشَّعْثِ فِي الْحَجِّ وَالشَّعَثُ الدَّرَنُ وَالْوَسَخُ وَالْقَشَفُ (وَتَرْكِ اللَّفْظِ بِهِ) أَيْ بِالْإِحْرَامِ بِأَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى النِّيَّةِ أَوْلَى كَالصَّلَاةِ.

وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْمِيقَاتِ وَأَهْلِهِ شَرَعَ فِي تَقْسِيمِ الْمَارِّ بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِوُجُوبِ إحْرَامِهِ وَعَدَمِهِ إلَى سِتَّةِ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مُرِيدٌ لِمَكَّةَ، أَوْ لَا، وَالْمُرِيدُ إمَّا أَنْ يَتَرَدَّدَ، أَوْ لَا فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُخَاطَبًا بِالْحَجِّ، أَوْ لَا فَقَالَ:
(وَالْمَارُّ بِهِ) أَيْ بِالْمِيقَاتِ (إنْ لَمْ يُرِدْ مَكَّةَ) بِأَنْ كَانَتْ حَاجَتُهُ دُونَهَا، أَوْ فِي جِهَةٍ أُخْرَى كَانَ مِمَّنْ يُخَاطَبُ بِالْحَجِّ، أَوْ لَا (أَوْ) يُرِيدُهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يُخَاطَبُ بِالْحَجِّ (كَعَبْدٍ) وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ، أَوْ يُخَاطَبُ بِهِ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ كَكَافِرٍ (فَلَا إحْرَامَ عَلَيْهِ وَلَا دَمَ) فِي مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ حَلَالًا (وَإِنْ) بَدَا لَهُ دُخُولُهَا بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ، أَوْ أَذِنَ الْوَلِيُّ لِلْعَبْدِ، أَوْ الصَّبِيِّ، أَوْ أُعْتِقَ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ، أَوْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ أَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَ (أَحْرَمَ) وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِفَرْضٍ، أَوْ نَفْلٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُمْ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُمْ جَاوَزُوا الْمِيقَاتَ قَبْلَ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ الْكَافِرِ، وَالْكَافِرُ جَاوَزَهُ فِي وَقْتٍ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْإِحْرَامُ.

(إلَّا الصَّرُورَةَ الْمُسْتَطِيعَ) الَّذِي أَحْرَمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بَعْدَ تَعَدِّي الْمِيقَاتِ حَلَالًا وَكَانَ حَالَ مُرُورِهِ غَيْرَ مُخَاطَبٍ لِعَدَمِ إرَادَتِهِ الدُّخُولَ (فَتَأْوِيلَانِ) فِي لُزُومِ الدَّمِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ بِإِحْرَامِهِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ مُرِيدِ الْإِحْرَامِ حَالَ الْمُرُورِ، وَعَدَمُ لُزُومِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي لُجَّةِ الْبَحْرِ لَا مَعَ السَّاحِلِ فَإِذَا خَرَجَتْ عَلَيْهِ الرِّيحُ رَدَّتْهُ فَيَبْقَى مُحْرِمًا وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ لِلْبَرِّ وَلِذَا لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي حَاذَى فِيهِ الْمِيقَاتَ بَلْ يُؤَخِّرُ إحْرَامَهُ حَتَّى يَصِلَ لِلْبَرِّ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) أَيْ لِأَنَّ السَّيْرَ فِيهِ مَعَ السَّاحِلِ فَيُمْكِنُهُ إذَا خَرَجَتْ عَلَيْهِ الرِّيحُ النُّزُولُ إلَى الْبَرِّ فَلِذَا تَعَيَّنَ إحْرَامُهُ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي يُحَاذِي فِيهِ الْمِيقَاتَ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ النُّزُولُ لِلْبَرِّ لَكِنَّ فِيهِ مَضَرَّةً بِمُفَارَقَةِ رَحْلِهِ فَلِذَا قِيلَ: إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي حَاذَى فِيهِ الْمِيقَاتَ بَلْ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ إحْرَامَهُ حَتَّى يَصِلَ لِلْبَرِّ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إلَّا كَمِصْرِيٍّ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ مَرَّ بِهِ أَيْ أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ الْمَارِّ مِنْ الْمِيقَاتِ يَتَعَيَّنُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ مِيقَاتُهُ أَمَامَهُ كَمِصْرِيٍّ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: الْآنَ) أَيْ مِنْ الْحُلَيْفَةِ. (قَوْلُهُ: أَوَّلَهُ) أَيْ وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ لِآخِرِ الْمِيقَاتِ. (قَوْلُهُ: مِنْ مَسْجِدِهَا) أَيْ لِأَنَّهُ مَحَلُّ إحْرَامِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. (قَوْلُهُ: وَكَإِزَالَةِ شَعَثِهِ) أَيْ عِنْدَ التَّلَبُّسِ بِالْإِحْرَامِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى النِّيَّةِ) أَيْ نِيَّةِ الدُّخُولِ فِي حُرُمَاتِ الْحَجِّ، أَوْ الْعُمْرَةِ.

(قَوْلُهُ: وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُخَاطَبًا بِالْحَجِّ إلَخْ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ السِّتَّةِ أَنَّ الْمَارَّ بِالْمِيقَاتِ إنْ لَمْ يُرِدْ مَكَّةَ سَوَاءٌ كَانَ مُخَاطَبًا بِالْحَجِّ، أَوْ لَا أَوْ أَرَادَهَا وَكَانَ غَيْرَ مُتَرَدِّدٍ وَهُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالْحَجِّ، أَوْ أَرَادَهَا وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ سَوَاءٌ كَانَ مُخَاطَبًا بِهِ أَوْ لَا فَفِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الْخَمْسَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ وَلَا دَمَ فِي مُجَاوَزَتِهِ حَلَالًا وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا إذَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ لِمَكَانٍ قَرِيبٍ عَازِمًا عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ لَهَا وَلَوْ أَقَامَ بِهِ كَثِيرًا، ثُمَّ عَادَ لِأَمْرٍ عَاقَهُ عَنْ السَّفَرِ، أَوْ خَرَجَ لِمَكَانٍ قَرِيبٍ وَهُوَ يُرِيدُ الْعَوْدَ وَلَمْ يَقُمْ بِهِ كَثِيرًا وَأَمَّا إذَا أَرَادَهَا وَهُوَ مِمَّنْ يُخَاطَبُ بِالْحَجِّ وَكَانَ غَيْرَ مُتَرَدِّدٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَأَثِمَ إنْ جَاوَزَهُ حَلَالًا وَلَا دَمَ عَلَيْهِ إنْ أَرَادَهَا لِغَيْرِ نُسُكٍ كَتِجَارَةٍ، أَوْ لِكَوْنِهَا بَلَدَهُ فَإِنْ كَانَ أَرَادَهَا لِنُسُكٍ لَزِمَهُ الدَّمُ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ حَلَالًا إذَا لَمْ يَرْجِعْ لَهُ، وَيُحْرِمُ مِنْهُ فَإِذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ حَلَالًا وَأَحْرَمَ بَعْدَهُ ثُمَّ رَجَعَ لِلْمِيقَاتِ فَلَا يَسْقُطُ الدَّمُ عَنْهُ وَلَا يَنْفَعُهُ رُجُوعُهُ لِلْمِيقَاتِ فِي سُقُوطِ الدَّمِ إلَّا إذَا رَجَعَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: كَانَ مِمَّنْ يُخَاطَبُ بِهِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ حُرًّا مُكَلَّفًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَدَا لَهُ دُخُولُهَا) هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي قَوْلِهِ وَلَا دَمَ وَهَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يُرِدْ مَكَّةَ، أَوْ " أَذِنَ إلَخْ " رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ، " أَوْ يُرِيدُهَا إلَخْ " فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَذِنَ الْوَلِيُّ لِلْعَبْدِ، أَوْ الصَّبِيِّ) أَيْ فِي الْإِحْرَامِ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ. (قَوْلُهُ: وَأَحْرَمَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِفَرْضٍ، أَوْ نَفْلٍ) أَيْ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ.

. (قَوْلُهُ: إلَّا الصَّرُورَةَ إلَخْ) هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ الْمُبَالَغِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا إذَا أَحْرَمَ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ لِلْمِيقَاتِ وَالتَّأْوِيلُ بِلُزُومِ الدَّمِ لِابْنِ شَبْلُونٍ وَالتَّأْوِيلُ بِعَدَمِ لُزُومِهِ لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ، وَمَحَلُّ التَّأْوِيلَيْنِ مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ أَرْبَعَةٍ: أَنْ يَحْصُلَ مِنْ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ حَلَالًا إحْرَامُهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَأَنْ يَكُونَ صَرُورَةً، وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَطِيعًا، وَأَنْ يَكُونَ حِينَ مُرُورِهِ غَيْرَ مُخَاطَبٍ -.

الصفحة 24