كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 2)

(وَالْقِيَاسُ) صَرْفُهُ (لِقِرَانٍ) لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى النُّسُكَيْنِ.

(وَإِنْ) عَيَّنَ وَ (نَسِيَ) مَا أَحْرَمَ بِهِ أَهُوَ إفْرَادٌ أَوْ عُمْرَةٌ، أَوْ قِرَانٌ (فَقِرَانٌ) أَيْ يَعْمَلُ عَمَلَهُ وَيُهْدِي لَهُ، لَا أَنَّهُ يَنْوِيهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (وَنَوَى الْحَجَّ) فَقَطْ وُجُوبًا أَيْ يُحْدِثُ نِيَّتَهُ وَيَعْمَلُ عَمَلَ الْقِرَانِ احْتِيَاطًا فَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ أَوَّلًا بِحَجٍّ، أَوْ قِرَانٍ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بِعُمْرَةٍ فَقَدْ أَرْدَفَ الْحَجَّ عَلَيْهَا (وَبَرِئَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْحَجِّ (فَقَطْ) لَا مِنْ الْعُمْرَةِ فَيَأْتِي بِهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ الْأَوَّلُ بِإِفْرَادٍ وَشَبَّهَ فِي قَوْلِهِ وَنَوَى الْحَجَّ وَبَرِئَ مِنْهُ فَقَطْ قَوْلَهُ (كَشَكِّهِ أَفْرَدَ، أَوْ تَمَتَّعَ) أَيْ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ، ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَانَ أَحْرَمَ بِإِفْرَادٍ، أَوْ عُمْرَةٍ وَهُوَ مُرَادُهُ بِالتَّمَتُّعِ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْعُمْرَةِ كَانَ أَحْسَنَ فَإِنَّهُ يَنْوِي الْحَجَّ وَيَبْرَأُ مِنْهُ فَقَطْ وَيَأْتِي بِعُمْرَةٍ لِمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا تَشْبِيهًا لَا تَمْثِيلًا؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى نَسِيَ مَا أَحْرَمَ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَفِي هَذِهِ جَزَمَ بِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ قِرَانًا.

(وَلَغَا عُمْرَةٌ) لَغَا بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ كَرَمَى فِعْلٌ لَازِمٌ بِمَعْنَى بَطَلَ وَعُمْرَةٌ فَاعِلُهُ أَيْ وَبَطَلَتْ عُمْرَةٌ أُرْدِفَتْ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْحَجِّ لِضَعْفِهَا وَقُوَّتِهِ (كَالثَّانِي فِي حِجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ) لِأَنَّ الثَّانِيَ حَاصِلٌ بِالْأَوَّلِ وَأَمَّا إرْدَافُ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ فَيَصِحُّ لِقُوَّتِهِ وَضَعْفِهَا (وَ) لَغَا (رَفْضُهُ) أَيْ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، أَوْ الْعُمْرَةِ وَلَوْ حَصَلَ الرَّفْضُ فِي الْأَثْنَاءِ.

(وَفِي) جَوَازِ إحْرَامِ شَخْصٍ (كَإِحْرَامِ زَيْدٍ) وَيَلْزَمُ مِنْ الْجَوَازِ الصِّحَّةُ وَمِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ الصِّحَّةِ لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ (تَرَدُّدٌ) حَقُّهُ قَوْلَانِ فَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يُحْرِمْ لَزِمَهُ هُوَ الْإِحْرَامُ وَيَكُونُ مُطْلَقًا يُخَيَّرُ فِي صَرْفِهِ فِيمَا شَاءَ وَكَذَا لَوْ مَاتَ زَيْدٌ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ مَا أَحْرَمَ بِهِ، أَوْ وَجَدَهُ مُحْرِمًا بِالْإِطْلَاقِ عَلَى مَا اُسْتُظْهِرَ.

وَلَمَّا كَانَتْ أَوْجُهُ الْإِحْرَامِ ثَلَاثَةً إفْرَادٌ وَقِرَانٌ وَتَمَتُّعٌ بَيَّنَ الْأَفْضَلَ مِنْهَا بِقَوْلِهِ (وَنُدِبَ إفْرَادٌ) أَيْ فُضِّلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ صَرْفُهُ لِقِرَانٍ) أَيْ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي صَرْفَهُ لِقِرَانٍ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلنَّصِّ؛ لِأَنَّ النَّصَّ صَرَفَهُ لِإِفْرَادٍ إذَا أَبْهَمَ.

(قَوْلُهُ: وَنَوَى الْحَجَّ فَقَطْ وُجُوبًا) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ مَنْ نَسِيَ مَا أَحْرَمَ بِهِ لَزِمَهُ عَمَلُ الْقِرَانِ سَوَاءٌ نَوَى الْحَجَّ أَيْ أَحْدَثَ نِيَّتَهُ أَمْ لَا وَبَرَاءَتُهُ مِنْ الْحَجِّ إنَّمَا تَكُونُ إذَا أَحْدَثَ نِيَّتَهُ فَإِذَا أَرَادَ الْبَرَاءَةَ مِنْهُ أَحْدَثَ نِيَّتَهُ فَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ مِنْ عُهْدَةِ الْحَجِّ وَلَا مِنْ الْعُمْرَةِ أَيْضًا إذْ لَيْسَ مُحَقَّقًا عِنْدَهُ حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ اُنْظُرْ ابْنَ غَازِيٍّ وَحِّ اهـ بْن وَمَحَلُّ إحْدَاثِهِ لِنِيَّةِ الْحَجِّ إذَا شَكَّ فِيمَا أَحْرَمَ بِهِ حَيْثُ حَصَلَ شَكُّهُ فِي وَقْتٍ يَصِحُّ فِيهِ الْإِرْدَافُ كَمَا لَوْ وَقَعَ قَبْلَ الطَّوَافِ، أَوْ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ وَأَمَّا لَوْ حَصَلَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، أَوْ فِي أَثْنَاءِ السَّعْيِ فَلَا يَنْوِي الْحَجَّ إذْ لَا يَصِحُّ إرْدَافُهُ عَلَى الْعُمْرَةِ إذْ ذَاكَ بَلْ يَلْزَمُهُ عُمْرَةٌ فَيَسْتَمِرُّ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ السَّعْيِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَكَانَ مُتَمَتِّعًا إنْ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) وَهُوَ قَوْلُهُ " لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَوَّلًا إلَخْ " وَالْأَوْلَى لِنَظِيرِ مَا مَرَّ لِأَنَّهُ يُقَالُ هُنَا: لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَوَّلًا أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَقَدْ أَرْدَفَ الْحَجَّ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ أَوَّلًا بِالْحَجِّ لَمْ يَضُرَّهُ إحْدَاثُ نِيَّةِ الْحَجِّ.

(قَوْلُهُ: وَلَغَا عُمْرَةٌ عَلَيْهِ كَالثَّانِي فِي حَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ) الْمُرَادُ بِلَغْوِهِ عَدَمُ انْعِقَادِهِ فَلَا يَلْزَمُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ أَصْلًا خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ تَفْسِيرُ الشَّارِحِ بِالْبُطْلَانِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَصَلَ الرَّفْضُ فِي الْأَثْنَاءِ) أَيْ فِي أَثْنَاءِ أَفْعَالِ الْحَجِّ فَإِذَا رَفَضَ إحْرَامَهُ فِي أَثْنَائِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِبَقِيَّةِ أَفْعَالِ الْحَجِّ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ كَالسَّعْيِ وَالطَّوَافِ، ثُمَّ أَتَى بِهَا لَمْ يُرْتَفَضْ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا أَتَى بِهَا بِنِيَّتِهِ، أَوْ بِغَيْرِ نِيَّتِهِ وَأَمَّا إذَا وَقَعَ الرَّفْضُ فِي أَثْنَاءِ الْأَفْعَالِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ كَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ اُرْتُفِضَ ذَلِكَ الْفِعْلُ فَقَطْ وَيَكُونُ كَالتَّارِكِ لَهُ فَيُطَالَبُ بِغَيْرِهِ وَأَصْلُ الْإِحْرَامِ لَمْ يُرْتَفَضْ وَنَصَّ عَبْدُ الْحَقِّ فَإِذَا رَفَضَ إحْرَامَهُ، ثُمَّ عَادَ لِلْمَوَاضِعِ الَّتِي يُخَاطَبُ بِهَا فَفَعَلَهَا لَمْ يَحْصُلْ لِرَفْضِهِ حُكْمٌ وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي حِينِ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَجِبُ عَلَيْهِ نَوَى الرَّفْضَ وَفَعَلَهَا بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَالطَّوَافِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يُعَدُّ كَالتَّارِكِ لِذَلِكَ اُنْظُرْ بْن.

(قَوْلُهُ: حَقُّهُ قَوْلَانِ) أَيْ لِأَنَّ الْجَوَازَ نَقَلَهُ سَنَدٌ وَالْقَرَافِيُّ عَنْ أَشْهَبَ وَالْمَنْعَ نَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ تَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي النَّقْلِ عَنْ وَاحِدٍ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ كَأَنْ يَنْقُلَ جَمَاعَةٌ عَنْهُ، أَوْ عَنْهُمْ الْجَوَازَ وَيَنْقُلَ آخَرُونَ عَنْهُ، أَوْ عَنْهُمْ الْمَنْعَ وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا نَقْلُ جَمَاعَةٍ عَنْ وَاحِدٍ الْجَوَازَ وَنَقَلَ آخَرُونَ عَنْ آخَرَ الْمَنْعَ، ثُمَّ إنَّ الْمُعْتَمَدَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ كَمَا فِي المج فَإِنْ قُلْتَ لِمَ جَرَى هُنَا خِلَافٌ دُونَ الصَّلَاةِ حَيْثُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَجَازَ لَهُ دُخُولٌ عَلَى مَا أَحْرَمَ بِهِ الْإِمَامُ قُلْتُ لِأَنَّ الْإِبْهَامَ هُنَا أَشَدُّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَا أَحْرَمَ بِهِ حَجًّا، أَوْ عُمْرَةً وَالْحَجُّ يَحْتَمِلُ الْإِفْرَادَ وَالْقِرَانَ وَالتَّمَتُّعَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَمَعْلُومٌ أَنَّهَا فَرْضٌ، وَإِنَّمَا الشَّكُّ فِي عَيْنِ الصَّلَاةِ فَخَفَّ الْإِبْهَامُ فِيهَا وَاشْتَدَّ فِي الْحَجِّ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ تَبَيَّنَ إلَخْ) هَذَا وَمَا بَعْدَهُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْإِحْرَامِ وَانْعِقَادِهِ وَقَوْلُهُ وَيَكُونُ مُطْلَقًا يُخَيَّرُ إلَخْ قِيلَ الْحَقُّ أَنَّهُ يَجْرِي عَلَى الْإِبْهَامِ السَّابِقِ فَيَصْرِفُهُ وُجُوبًا لِلْحَجِّ خَاصَّةً - وَإِنْ وَقَعَ الصَّرْفُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، أَوْ لَا - وَنَدْبًا إنْ كَانَ قَبْلَهُ وَوَقَعَ الْإِحْرَامُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِنْ وَقَعَ فِي غَيْرِهَا كُرِهَ صَرْفُهُ لِحَجٍّ وَنُدِبَ صَرْفُهُ لِعُمْرَةٍ كَمَا مَرَّ.

(قَوْلُهُ: أَيْ فُضِّلَ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ خِلَافًا لِمَا رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ مَنْ قَدِمَ مَكَّةَ مُرَاهَقًا فَالْإِفْرَادُ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ وَأَمَّا مَنْ قَدِمَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ طُولُ زَمَانٍ وَخَافَ قِلَّةَ الصَّبْرِ فَالتَّمَتُّعُ أَوْلَى لَهُ وَلِمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ وَلِمَا قَالَهُ أَشْهَبُ وَأَبُو حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ؛ لِأَنَّ.

الصفحة 27