كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 2)

وَلَا بُدَّ مِنْ الْهَدْيِ وَعَلَيْهِ حِينَئِذٍ فِدْيَةٌ أَيْضًا.

(ثُمَّ) يَلِي الْقِرَانَ فِي النَّدْبِ (تَمَتُّعٌ) وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ (بِأَنْ) يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ يُحِلَّ مِنْهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ (يَحُجَّ بَعْدَهَا) بِإِفْرَادٍ بَلْ (وَإِنْ بِقِرَانٍ) فَيَصِيرَ مُتَمَتِّعًا قَارِنًا وَلَزِمَهُ هَدْيَانِ لِتَمَتُّعِهِ وَقِرَانِهِ وَسُمِّيَ الْمُتَمَتِّعُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ تَمَتَّعَ بِإِسْقَاطِ أَحَدِ سَفَرَيْنِ أَوْ لِأَنَّهُ تَمَتَّعَ مِنْ عُمْرَتِهِ بِالنِّسَاءِ وَالطِّيبِ.

(وَشَرْطُ) وُجُوبِ (دَمِهِمَا) أَيْ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ (عَدَمُ إقَامَةٍ) لِلْمُتَمَتِّعِ، أَوْ الْقَارِنِ (بِمَكَّةَ، أَوْ ذِي طُوًى) مُثَلَّثُ الطَّاءِ مَكَانٌ مَعْرُوفٌ ثَمَّ (وَقْتَ فِعْلِهِمَا) أَيْ وَقْتَ إحْرَامِهِ بِهِمَا فَالْمُقِيمُ لَا دَمَ عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ إقَامَتُهُ أَصْلِيًّا بَلْ (وَإِنْ) كَانَتْ (بِانْقِطَاعٍ) أَيْ بِسَبَبِ انْقِطَاعٍ (بِهَا) أَيْ بِمَكَّةَ، أَوْ ذِي طُوًى وَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ بِأَنْ انْتَقَلَ إلَيْهَا وَسَكَنَهَا بِنِيَّةِ عَدَمِ الِانْتِقَالِ مِنْهَا وَأَمَّا الْمُجَاوِرُ بِهَا الَّذِي نِيَّتُهُ الِانْتِقَالُ مِنْهَا، أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ (أَوْ) كَانَ مُتَوَطِّنًا بِهَا وَ (خَرَجَ) مِنْهَا (لِحَاجَةٍ) مِنْ غَزْوٍ، أَوْ تِجَارَةٍ وَنِيَّتُهُ الرُّجُوعُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ إنْ رَجَعَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ، أَوْ أَحْرَمَ بِهِمَا مَعًا قَارِنًا (لَا) إنْ (انْقَطَعَ بِغَيْرِهَا) أَيْ بِغَيْرِ مَكَّةَ وَمَا فِي حُكْمِهَا رَافِضًا سُكْنَاهَا (أَوْ قَدِمَ بِهَا) " أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاوِ أَيْ وَقَدِمَ بِالْعُمْرَةِ (يَنْوِي الْإِقَامَةَ) بِمَكَّةَ وَمَا فِي حُكْمِهَا، وَأَوْلَى إنْ لَمْ يَنْوِهَا فَعَلَيْهِ الدَّمُ إنْ تَمَتَّعَ، أَوْ قَرَنَ.

(وَنُدِبَ) دَمُ التَّمَتُّعِ (لِذِي أَهْلَيْنِ) أَهْلٍ بِمَكَّةَ وَأَهْلٍ بِغَيْرِهَا مِمَّا لَيْسَ فِي حُكْمِهَا (وَهَلْ) نَدْبُهُ مُطْلَقًا، أَوْ (إلَّا أَنْ يُقِيمَ بِأَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ الْمَكَانَيْنِ (أَكْثَرَ) مِنْ إقَامَتِهِ بِالْآخَرِ (فَيُعْتَبَرُ) الْأَكْثَرُ فَيَجِبَ إنْ كَانَ الْأَكْثَرُ بِغَيْرِ مَكَّةَ وَمَا فِي حُكْمِهَا، وَلَا يَجِبُ إنْ كَانَ الْأَكْثَرُ بِمَكَّةَ (تَأْوِيلَانِ) الْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ (وَ) شَرْطُ دَمِهِمَا (حَجَّ مِنْ عَامِهِ) فِيهِمَا.

(وَ) يُشْتَرَطُ (لِلتَّمَتُّعِ) زِيَادَةً عَلَى الشَّرْطَيْنِ السَّابِقَيْنِ الْمُشْتَرَكَيْنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِرَانِ (عَدَمُ عَوْدِهِ لِبَلَدِهِ، أَوْ مِثْلِهِ) فِي الْبُعْدِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَامَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ رَجَعَ فَجَلَسَ أَنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ بِرُجُوعِهِ مَا كَانَ لَازِمًا لَهُ مِنْ السُّجُودِ الْقَبْلِيِّ وَقَوْلُهُ: بِأَنْ قَدَّمَ الْحَلْقَ أَيْ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ. (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ الْهَدْيِ) أَيْ لِتَرْكِ الْأَمْرِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَهُوَ تَأْخِيرُ الْحِلَاقِ وَقَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ أَيْ لِحَلْقِهِ الَّذِي فَعَلَهُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَاجِبَ أَصَالَةً تَرْكُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ حَتَّى يَحْلِقَ لِلْعُمْرَةِ فَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ الْوَاجِبَ وَأَحْرَمَ بِهِ قَبْلَ حِلَاقِهَا لَزِمَهُ تَأْخِيرُ الْحَلْقِ لِلْفَرَاغِ مِنْ الْحَجِّ وَأَهْدَى، لِتَرْكِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ فَإِنْ قَدَّمَ الْحَلْقَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَجِّ لَزِمَهُ هَدْيٌ لِتَرْكِ التَّأْخِيرِ الْوَاجِبِ وَالْفِدْيَةُ لِإِزَالَةِ الْأَذَى.

(قَوْلُهُ: بِأَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ يُحِلَّ مِنْهَا إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْعُمْرَةُ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً. (قَوْلُهُ: فَيَصِيرَ مُتَمَتِّعًا قَارِنًا) أَيْ وَلَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُ فِعْلُ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَهَدْيٌ وَاحِدٌ يُجْزِئُهُ قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَمَتَّعَ) أَيْ انْتَفَعَ وَقَوْلُهُ: مِنْ عُمْرَتِهِ أَيْ بَعْدَ عُمْرَتِهِ وَفِيهِ أَنَّ كُلَّ مُعْتَمِرٍ يَتَمَتَّعُ بَعْدَ عُمْرَتِهِ بِالنِّسَاءِ وَالطِّيبِ سَوَاءٌ حَجَّ بَعْدَهَا، أَوْ لَمْ يَحُجَّ بَعْدَهَا تَحَلَّلَ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، أَوْ لَا مَعَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُتَمَتِّعًا إلَّا أَنْ يُقَالَ عِلَّةُ التَّسْمِيَةِ لَا تَقْتَضِي التَّسْمِيَةَ.

(قَوْلُهُ: وَشَرْطُ دَمِهِمَا إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ شُرُوطًا فِي التَّسْمِيَةِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ وَقِيلَ إنَّهَا شُرُوطٌ فِي التَّسْمِيَةِ وَالدَّمِ مَعًا وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ، أَوْ قَارِنٌ وَلَمْ يَسْتَوْفِ الشُّرُوطَ لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الْأَوَّلِ وَيَحْنَثُ عَلَى الثَّانِي. (قَوْلُهُ: عَدَمُ إقَامَةٍ) الْمُرَادُ بِهَا الِاسْتِيطَانُ وَهُوَ الْإِقَامَةُ بِنِيَّةِ عَدَمِ الِانْتِقَالِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ شَرْطَ دَمِهِمَا أَنْ لَا يَكُونَ مُقِيمًا وَقْتَ الْإِحْرَامِ بِهِمَا بِمَكَّةَ وَلَا بِمَا فِي حُكْمِهَا مِمَّا لَا يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ مِنْهَا حَتَّى يُجَاوِزَهُ. (قَوْلُهُ: مَكَانٌ مَعْرُوفٌ ثَمَّ) أَيْ هُنَاكَ وَهُوَ مَا بَيْنَ الثَّنِيَّةِ الَّتِي يَهْبِطُ مِنْهَا الْمُقْبِرَةُ مَكَّةَ وَالثَّنِيَّةِ الْأُخْرَى الَّتِي إلَى جِهَةِ الزَّاهِرِ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِذِي طُوًى بَلْ الْمُرَادُ كُلُّ مَكَان فِي حُكْمِ مَكَّةَ مِمَّا لَا يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ مِنْهَا حَتَّى يُجَاوِزَهُ. (قَوْلُهُ: أَيْ وَقْتَ إحْرَامِهِ بِهِمَا) أَيْ بِالْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْمُرَادُ وَقْتَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ مِنْهُ فَلَوْ قَدِمَ آفَاقِيٌّ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَنِيَّتُهُ السُّكْنَى بِمَكَّةَ أَوْ بِمَا فِي حُكْمِهَا، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ هَدْيُ التَّمَتُّعِ وَلَيْسَ كَالْمُقِيمِ. (قَوْلُهُ: بَلْ وَإِنْ كَانَتْ بِانْقِطَاعٍ) أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْمُبَالَغَةَ رَاجِعَةٌ لِلْمَفْهُومِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ انْتَقَلَ إلَخْ) تَصْوِيرٌ لِلِانْقِطَاعِ بِهَا. (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ مُتَوَطِّنًا بِهَا) أَيْ بِمَكَّةَ سَوَاءٌ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا اسْتَوْطَنَهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِأَهْلِهِ أَوْ بِغَيْرِهِمْ وَقَوْلُهُ: أَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ عَطْفٌ عَلَى مَا فِي حَيِّزِ إنْ. (قَوْلُهُ: لَا إنْ انْقَطَعَ) أَيْ الْمَكِّيُّ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا انْقَطَعَ بِغَيْرِ مَكَّةَ رَافِضًا سُكْنَاهَا فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَنْ قَدِمَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ فَيَلْزَمُهُ دَمُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَرْفُضْ سُكْنَاهَا فَهُوَ قَوْلُهُ: أَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ. (قَوْلُهُ: وَقَدِمَ بِالْعُمْرَةِ) أَيْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ ضَمِيرَ بِهَا لِأَشْهُرِ الْحَجِّ وَالْبَاءَ لِلْمُلَابَسَةِ عَلَى الْأَوَّلِ وَعَلَى الثَّانِي بِمَعْنَى فِي وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ قَدِمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا إلَّا إذَا كَانَ قُدُومُهُ بِعُمْرَةٍ لَا إنْ كَانَ بِحَجٍّ.

(قَوْلُهُ: وَنُدِبَ دَمُ التَّمَتُّعِ) أَيْ وَكَذَلِكَ الْقِرَانُ. (قَوْلُهُ: تَأْوِيلَانِ) الْإِطْلَاقُ لِلتُّونُسِيِّ وَالتَّقْيِيدُ لِلَّخْمِيِّ وَقَوْلُهُ الْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ اعْتَرَضَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْمِسْنَاوِيُّ قَائِلًا لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَذْهَبُ اهـ بْن. (قَوْلُهُ: وَشُرِطَ دَمُهُمَا) أَيْ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ. (قَوْلُهُ: وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ) أَيْ فَلَوْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ لَمْ يَحُجَّ إلَّا مِنْ قَابِلٍ، أَوْ فَاتَ الْمُتَمَتِّعَ الْحَجُّ، أَوْ الْقَارِنَ وَتَحَلَّلَا بِعُمْرَةٍ كَمَا هُوَ الْأَفْضَلُ فَلَا دَمَ فَلَوْ بَقِيَ الْقَارِنُ عَلَى إحْرَامِهِ لِقَابِلٍ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الدَّمُ.

(قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ لِلتَّمَتُّعِ) أَيْ لِدَمِهِ وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِتَقْدِيرِ يُشْتَرَطُ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ " وَلِلتَّمَتُّعِ إلَخْ ".

الصفحة 29