كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 2)

فَإِنْ ابْتَدَأَهُ مِنْ الرُّكْنِ الْيَمَانِي مَثَلًا لَغَا مَا قَبْلَ الْحَجَرِ وَأَتَمَّ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُتِمَّ إلَيْهِ أَعَادَهُ وَأَعَادَ سَعْيَهُ بَعْدَهُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دَمٌ ثَانِيهَا كَوْنُهُ مُتَلَبِّسًا (بِالطُّهْرَيْنِ) أَيْ طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ فَلَوْ قَالَ بِالطَّهَارَتَيْنِ كَانَ أَحْسَنَ فَإِنْ شَكَّ فِي الْأَثْنَاءِ، ثُمَّ بَانَ الطُّهْرُ لَمْ يُعِدْ كَمَا فِي الصَّلَاةِ (وَالسَّتْرِ) لِلْعَوْرَةِ عَطْفٌ عَلَى الطُّهْرَيْنِ فَهُوَ الشَّرْطُ الثَّالِثُ (وَبَطَلَ بِحَدَثٍ) حَصَلَ أَثْنَاءَهُ وَلَوْ سَهْوًا (بِنَاءٌ) فَاعِلُ " بَطَلَ "، وَإِذَا بَطَلَ الْبِنَاءُ وَجَبَ اسْتِئْنَافُ الطَّوَافِ إنْ كَانَ وَاجِبًا، أَوْ تَطَوُّعًا وَتَعَمَّدَ الْحَدَثَ فَلَوْ قَالَ وَبَطَلَ بِحَدَثٍ وَلَا بِنَاءَ لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ عِبَارَتِهِ أَنَّ هُنَا بِنَاءً بَطَلَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (وَجَعْلِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ) - بِالْجَرِّ - عَطْفٌ عَلَى الطُّهْرَيْنِ فَهُوَ الشَّرْطُ الرَّابِعُ فَلَوْ جَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ قُبَالَةَ وَجْهِهِ أَوْ وَرَاءَ ظَهْرِهِ لَمْ يَجْزِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ عَنْ يَسَارِهِ وَهُوَ مَاشٍ مُسْتَقِيمًا جِهَةَ أَمَامِهِ فَلَوْ جَعَلَهُ عَنْ يَسَارِهِ إلَّا أَنَّهُ رَجَعَ الْقَهْقَرَى مِنْ الْأَسْوَدِ الْيَمَانِي لَمْ يَجْزِهِ.
الْخَامِسُ أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (وَخُرُوجِ كُلِّ الْبَدَنِ عَنْ الشَّاذَرْوَانِ) ابْنُ فَرْحُونٍ بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ بِفَتْحِهَا وَسُكُونِ الرَّاءِ بِنَاءٌ لَطِيفٌ مُلْصَقٌ بِحَائِطِ الْكَعْبَةِ مُرْتَفِعٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ نَقَصَتْهُ قُرَيْشٌ مِنْ أَصْلِ الْجِدَارِ حِينَ بَنَوْا الْبَيْتَ فَهُوَ مِنْ أَصْلِ الْبَيْتِ فَلَوْ طَافَ خَارِجَهُ وَوَضَعَ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَيْهِ أَحْيَانًا لَمْ يَصِحَّ (وَ) خُرُوجِ كُلِّ الْبَدَنِ أَيْضًا عَنْ مِقْدَارِ (سِتَّةِ أَذْرُعٍ مِنْ الْحِجْرِ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ سُمِّيَ حِجْرًا لِاسْتِدَارَتِهِ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ جَمِيعِ الْحِجْرِ وَلَا يُعْتَدُّ بِالطَّوَافِ دَاخِلَهُ (وَنَصَبَ الْمُقَبِّلُ) لِلْحَجَرِ وُجُوبًا وَكَذَا مُسْتَلِمُ الْيَمَانِي (قَامَتَهُ) بِأَنْ يَعْتَدِلَ قَائِمًا عَلَى قَدَمَيْهِ ثُمَّ يَطُوفَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ مُطَأْطِئًا، وَرَأْسُهُ أَوْ يَدُهُ فِي هَوَاءِ الشَّاذَرْوَانِ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ (دَاخِلَ الْمَسْجِدِ) حَالٌ مِنْ الطَّوَافِ وَهُوَ الشَّرْطُ السَّادِسُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQسَهْوٌ، أَوْ بِمُطْلَقِ الزِّيَادَةِ عَمْدًا كَالصَّلَاةِ مُجَرَّدُ بَحْثٍ مُخَالِفٍ لِلنَّصِّ وَقِيَاسُهُمَا لَهُ عَلَى الصَّلَاةِ مَرْدُودٌ بِوُجُودِ الْفَارِقِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا يُخْرَجُ مِنْهَا إلَّا بِالسَّلَامِ بِخِلَافِ الطَّوَافِ فَيَظْهَرُ أَنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَ تَمَامِهِ لَغْوٌ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ ابْتَدَأَ مِنْ الرُّكْنِ الْيَمَانِي) أَيْ الَّذِي هُوَ قِبَلَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ. (قَوْلُهُ: وَأَتَمَّ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَقَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يُتِمَّ إلَيْهِ أَيْ لِلْحَجَرِ بَلْ أَتَمَّ لِلرُّكْنِ الْيَمَانِي الَّذِي ابْتَدَأَ مِنْهُ قَوْلُهُ: أَعَادَهُ أَيْ إنْ طَالَ الْأَمْرُ، أَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، وَإِلَّا بَنَى عَلَى مَا فَعَلَ وَهَذَا كُلُّهُ فِي النَّاسِي وَالْجَاهِلِ وَأَمَّا مَنْ بَدَأَ مِنْ الرُّكْنِ الْيَمَانِي عَمْدًا وَأَتَمَّ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُبْنَى إلَّا إذَا رَجَعَ بِالْقُرْبِ جِدًّا وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ اُنْظُرْ ح وَهَذَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ خِلَافًا لِمَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ رَجَعَ لِبَلَدِهِ أَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ أَيْ هَدْيٌ يُرْسِلُهُ لِمَكَّةَ. (قَوْلُهُ: كَانَ أَحْسَنَ) أَيْ لِأَنَّ الطُّهْرَ هُوَ الْفِعْلُ وَالطَّهَارَةُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ وَهِيَ الْمُرَادَةُ هُنَا؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُصَاحِبَةُ لِلطَّوَافِ لَا الطُّهْرُ الَّذِي هُوَ التَّطْهِيرُ. (قَوْلُهُ: وَالسَّتْرِ) أَيْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ قَالَ بَعْضٌ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ صِحَّةُ طَوَافِ الْحُرَّةِ إذَا كَانَتْ بَادِيَةَ الْأَطْرَافِ وَتُعِيدُ اسْتِحْبَابًا مَا دَامَتْ بِمَكَّةَ أَوْ حَيْثُ يُمْكِنُهَا الْإِعَادَةُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهَا الْإِعَادَةُ وَلَوْ كَانَتْ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْفَرَاغِ مِنْهُ يَخْرُجُ وَقْتُهُ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَهْوًا) أَيْ هَذَا إذَا حَصَلَ عَمْدًا، أَوْ غَلَبَةً بَلْ وَلَوْ حَصَلَ سَهْوًا أَيْ حَالَةَ كَوْنِهِ سَاهِيًا عَنْ كَوْنِهِ فِي الطَّوَافِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا بَطَلَ الْبِنَاءُ) يَعْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ الْأَشْوَاطِ وَجَبَ اسْتِئْنَافُ الطَّوَافِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ حَدَثَ فِي أَثْنَائِهِ فَلَا بِنَاءَ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ: إنَّهُ إذَا أَحْدَثَ تَطَهَّرَ وَبَنَى عَلَى مَا مَعَهُ مِنْ الْأَشْوَاطِ. (قَوْلُهُ: وَتَعَمَّدَ إلَخْ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ تَطَوُّعًا أَيْ فَالطَّوَافُ الْوَاجِبُ يَلْزَمُ اسْتِئْنَافُهُ مِنْ أَوَّلِهِ مُطْلَقًا وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَإِنْ أَحْدَثَ عَمْدًا لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهُ، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ قَالَ وَبَطَلَ بِحَدَثٍ) أَيْ سَوَاءٌ حَصَلَ فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا كَالْجُزْءِ مِنْهُ، أَوْ كَانَ الْحَدَثُ حَاصِلًا قَبْلَ شُرُوعِهِ فِيهِ وَقَوْلُهُ: وَلَا بِنَاءَ أَيْ إذَا حَصَلَ فِيهِ وَقَوْلُهُ: لَكَانَ أَحْسَنَ أَيْ وَأَشْمَلَ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَجَعْلِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ) قَالَ ح حِكْمَةُ جَعْلِ الطَّائِفِ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ لِيَكُونَ قَلْبُهُ إلَى وَجْهِ الْبَيْتِ إذْ بَابُ الْبَيْتِ هُوَ وَجْهُهُ فَلَوْ جَعَلَ الطَّائِفُ الْبَيْتَ يَمِينَهُ لَأَعْرَضَ عَنْ بَابِ الْبَيْتِ الَّذِي هُوَ وَجْهُهُ وَلَا يَلِيقُ بِالْأَدَبِ الْإِعْرَاضُ عَنْ وُجُوهِ الْأَمَاثِلِ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَجْزِهِ) أَيْ وَرَجَعَ لَهُ وَلَوْ مِنْ بَلَدِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إذَا رَجَعَ لِبَلَدِهِ لَا يَرْجِعُ لَهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَعَلَّ هَذَا الْقَائِلَ لَمْ يَرَ التَّيَاسُرَ شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ التَّيَاسُرَ عِنْدَهُ سُنَّةٌ، فِي تَرْكِهِ دَمٌ إنْ رَجَعَ لِبَلَدِهِ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ) أَيْ لِدُخُولِ بَعْضِ بَدَنِهِ فِي هَوَاءِ الْبَيْتِ وَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الشَّاذَرْوَانَ مِنْ الْبَيْتِ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ قَالَ ح وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ كَثُرَ الِاضْطِرَابُ فِي الشَّاذَرْوَانِ وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ بِأَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ فَيَجِبُ عَلَى الشَّخْصِ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فِي طَوَافِهِ ابْتِدَاءً وَأَنَّهُ إنْ طَافَ وَبَعْضُ بَدَنِهِ فِي هَوَائِهِ أَنَّهُ يُعِيدُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ حَتَّى بَعُدَ عَنْ مَكَّةَ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الرُّجُوعُ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ. (قَوْلُهُ: وَسِتَّةِ أَذْرُعٍ إلَخْ) تَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ اللَّخْمِيَّ قَالَ ح وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَعْتَدُّ بِالطَّوَافِ دَاخِلَ الْحِجْرِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ جَمِيعِ الْحِجْرِ السِّتَّةَ أَذْرُعٍ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِنَا وَجَعَلَهُ بَعْضُ أَشْيَاخِنَا.

الصفحة 31