كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 2)

وَأَمَّا الْخُرُوجُ عَنْ الْحِجْرِ فَمِنْ تَمَامِ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ الْخُرُوجُ عَنْ الْبَيْتِ وَأَشَارَ لِلسَّابِعِ بِقَوْلِهِ (وَ) حَالَ كَوْنِهِ (وِلَاءً) فَهُوَ مَنْصُوبٌ وَيَصِحُّ جَرُّهُ عَطْفًا عَلَى الْمَجْرُورِ أَيْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ أَجْزَائِهِ، وَإِلَّا ابْتَدَأَ إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّفْرِيقُ يَسِيرًا فَلَا يَضُرُّ وَلَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ، أَوْ كَثِير الْعُذْرُ وَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ.

(وَابْتَدَأَ) طَوَافَهُ لِبُطْلَانِهِ وَاجِبًا كَانَ، أَوْ تَطَوُّعًا (إنْ قَطَعَ لِجِنَازَةٍ) وَلَوْ قَلَّ الْفَصْلُ لِأَنَّهَا فِعْلٌ آخَرُ غَيْرُ مَا هُوَ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ لَهَا اتِّفَاقًا مَا لَمْ تَتَعَيَّنْ فَإِنْ تَعَيَّنَتْ وَجَبَ الْقَطْعُ إنْ خَشِيَ تَغَيُّرَهَا، وَإِلَّا فَلَا يَقْطَعُ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْقَطْعِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَبْنِي كَالْفَرِيضَةِ كَذَا قَالُوا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (أَوْ) قَطَعَ لِأَجْلِ (نَفَقَةٍ) نَسِيَهَا أَوْ سَقَطَتْ مِنْهُ وَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ لَهَا وَاسْتَظْهَرَ الْمُصَنِّفُ الْجَوَازَ أَيْ إنْ خَافَ ضَيَاعَهَا إنْ لَمْ يَقْطَعْ وَمَحَلُّ ابْتِدَائِهِ إنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَإِلَّا بَنَى (أَوْ نَسِيَ بَعْضَهُ) وَلَوْ بَعْضَ شَوْطٍ (إنْ فَرَغَ سَعْيُهُ) وَطَالَ الزَّمَنُ بَعْدَ فَرَاغِهِ بِالْعُرْفِ، وَإِلَّا بَنَى فَإِنْ كَانَ الطَّوَافُ لَا سَعْيَ بَعْدَهُ كَالْإِفَاضَةِ وَالْوَدَاعِ وَالتَّطَوُّعِ فَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ بَطَلَ، وَإِلَّا بَنَى فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ فِي الْبُطْلَانِ وَعَدَمِهِ الطُّولُ وَعَدَمُهُ فَلَوْ قَالَ بَدَلَ قَوْلِهِ " إنْ فَرَغَ سَعْيُهُ ": إنْ طَالَ الزَّمَنُ كَانَ أَجْوَدَ (وَقَطَعَهُ) أَيْ الطَّوَافَ وُجُوبًا وَلَوْ رُكْنًا (لِلْفَرِيضَةِ) أَيْ لِإِقَامَتِهَا لِلرَّاتِبِ وَدَخَلَ مَعَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا، أَوْ صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا، وَالْمُرَادُ بِالرَّاتِبِ إمَامُ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ عَلَى الرَّاجِحِ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يَقْطَعُ لَهُ لِأَنَّهُ كَجَمَاعَةِ غَيْرِ الرَّاتِبِ (وَنُدِبَ) لَهُ (كَمَالُ الشَّوْطِ) إنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ أَثْنَاءَهُ بِأَنْ يَخْرُجَ مِنْ عِنْدِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ لِيَبْنِيَ مِنْ أَوَّلِ الشَّوْطِ فَإِنْ لَمْ يُكْمِلْهُ ابْتَدَأَ مِنْ مَوْضِعٍ خَرَجَ وَنُدِبَ أَنْ يَبْتَدِئَ ذَلِكَ الشَّوْطَ كَمَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ.

(وَبَنَى إنْ) (رَعَفَ) بَعْدَ غَسْلِ الدَّمِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَعَدَّى مَوْضِعًا قَرِيبًا كَالصَّلَاةِ وَأَنْ لَا يَبْعُدَ الْمَكَانُ جِدًّا وَأَنْ لَا يَطَأَ نَجَاسَةً وَلَوْ قَالَ وَبَنَى كَإِنْ رَعَفَ بِزِيَادَةِ الْكَافِ كَانَ أَوْلَى لِيُفِيدَ الْبِنَاءَ فِي الْقَطْعِ لِلْفَرِيضَةِ وَيَكُونَ التَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ وَبَنَى لَا فِي اسْتِحْبَابِ كَمَالِ الشَّوْطِ لِأَنَّ الْبَانِيَ فِي الرُّعَافِ يَخْرُجُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِهِ وَيَبْنِي قَبْلَ تَنَفُّلِهِ فَإِنْ تَنَفَّلَ أَعَادَ طَوَافَهُ وَكَذَا إنْ جَلَسَ طَوِيلًا بَعْدَ الصَّلَاةِ (أَوْ عَلِمَ) فِي أَثْنَائِهِ (بِنَجَسٍ) فِي بَدَنِهِ، أَوْ ثَوْبِهِ فَطَرَحَهَا، أَوْ غَسَلَهَا فَإِنَّهُ يَبْنِي إنْ لَمْ يَطُلْ، وَإِلَّا بَطَلَ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَبْنِي بَلْ يَبْطُلُ وَيَبْتَدِئُ (وَ) إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالنَّجَسِ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الطَّوَافِ وَرَكْعَتِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ قَالَ الْأَزْرَقِيُّ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ كَانَ الْحِجْرُ زَرْبًا لِغَنَمِ إسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ثُمَّ إنَّ قُرَيْشًا أَدْخَلَتْ فِيهِ أَذْرُعًا مِنْ الْكَعْبَةِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْخُرُوجُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ وُقُوعَهُ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ شَرْطٌ سَابِعٌ لَا سَادِسٌ إذْ السَّادِسُ خُرُوجُهُ عَنْ الْحَجِّ.
وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ خُرُوجَهُ عَنْ الْحِجْرِ مِنْ تَمَامِ الْخَامِسِ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ مُسْتَقِلٌّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ حَاصِلَهُ) أَيْ حَاصِلَ الشَّرْطِ الَّذِي قَبْلَهُ الْخُرُوجُ عَنْ الْبَيْتِ وَمِنْ جُمْلَةِ الْبَيْتِ الْحِجْرُ.

(قَوْلُهُ: إنْ قَطَعَ الْجِنَازَةَ) أَيْ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا وَلَوْ صَلَّى عَلَيْهَا فِي الْمَسْجِدِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهَا إذْ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ قَطْعُ الطَّوَافِ لَهَا فَإِنْ قَطَعَهُ لَهَا ابْتَدَأَهُ وَلَا يَبْنِي عَلَى مَا فَعَلَ وَلَوْ كَانَ الطَّوَافُ تَطَوُّعًا وَكَذَا إنْ تَعَيَّنَتْ وَلَمْ يَخْشَ تَغَيُّرَهَا فَلَا يَقْطَعُ، وَإِذَا قَطَعَهُ لَهَا ابْتَدَأَهُ وَأَمَّا إنْ خَشِيَ تَغَيُّرَهَا قَطَعَ الطَّوَافَ لِأَجْلِهَا وُجُوبًا وَيَبْنِي عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ الْأَشْوَاطِ كَمَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَطْعُ الطَّوَافِ إذَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْفَرِيضَةُ وَبَعْدَ إتْمَامِهَا يَبْنِي عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنْ الْأَشْوَاطِ. (قَوْلُهُ: لِأَجْلِ نَفَقَةٍ) أَيْ لِأَجْلِ طَلَبِ نَفَقَةٍ. (قَوْلُهُ: إنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ) أَيْ لِأَجْلِ طَلَبِ النَّفَقَةِ (وَقَوْلُهُ وَإِلَّا بَنَى) أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ طَلَبَهَا فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ بَنَى. (قَوْلُهُ: بَعْدَ فَرَاغِهِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ السَّعْيَ لَا يُعَدُّ طُولًا. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا بَنَى) أَيْ وَإِلَّا يَطُلْ الزَّمَنُ بَنَى. (قَوْلُهُ: كَالْإِفَاضَةِ) أَيْ إذَا كَانَ قَدَّمَ السَّعْيَ عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ. (قَوْلُهُ: أَوْ صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا) أَيْ فِي بَيْتِهِ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ صَلَّاهَا جَمَاعَةً فِي بَيْتِهِ وَأَمَّا لَوْ صَلَّاهَا جَمَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ لِلرَّاتِبِ وَهُوَ فِي الطَّوَافِ فَهَلْ يَقْطَعُهُ وَيَخْرُجُ؛ لِأَنَّ فِي بَقَائِهِ طَعْنًا عَلَى الْإِمَامِ وَلَا يَقْطَعُهُ؛ لِأَنَّ تَلَبُّسَهُ بِالطَّوَافِ يَمْنَعُ مِنْ الطَّعْنِ قَالَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُ شُيُوخِنَا الثَّانِيَ. (قَوْلُهُ: مَقَامِ إبْرَاهِيمَ عَلَى الرَّاجِحِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرَّاتِبَ لَا يَتَعَدَّدُ وَعَلَى مُقَابِلِهِ فَالْمُرَادُ وَقَطَعَهُ لِإِقَامَةِ الْفَرِيضَةِ لِلرَّاتِبِ بِأَيِّ مَحَلٍّ كَانَ وَالْمُرَادُ بِمَقَامِ إبْرَاهِيمَ مَحَلٌّ هُنَاكَ يُصَلَّى فِيهِ بِإِمَامٍ رَاتِبٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْحِجْرَ الْمَعْلُومَ. (قَوْلُهُ: لِيَبْنِيَ) أَيْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْفَرِيضَةِ عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنْ أَوَّلِ الشَّوْطِ.

(قَوْلُهُ: وَبَنَى) أَيْ عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ الْأَشْوَاطِ إنْ رَعَفَ وَغَسَلَ الدَّمَ. (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَعَدَّى) أَيْ فِي غَسْلِ الدَّمِ وَقَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَبْعُدَ الْمَكَانُ أَيْ الَّذِي يَغْسِلُ فِيهِ الدَّمَ. (قَوْلُهُ: لِيُفِيدَ الْبِنَاءَ فِي الْقَطْعِ لِلْفَرِيضَةِ) أَيْ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُوَطَّإِ وَالْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقَ وَقَالَ لَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ فِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَيَبْنِي قَبْلَ تَنَفُّلِهِ) أَيْ وَيَبْنِي الشَّخْصُ الَّذِي قَطَعَ لِأَجْلِ إقَامَةِ الْفَرِيضَةِ قَبْلَ تَنَفُّلِهِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إنْ جَلَسَ طَوِيلًا بَعْدَ الصَّلَاةِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ جُلُوسُهُ لِذِكْرٍ. (قَوْلُهُ: وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَبْنِي) بَلْ يَبْطُلُ وَيَبْتَدِئُ أَيْ بَعْدَ طَرْحِهَا إنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ شَيْءٌ مِنْهَا وَبَعْدَ غَسْلِهَا إنْ تَعَلَّقَ بِهِ شَيْءٌ مِنْهَا سَوَاءٌ طَالَ، أَوْ لَمْ يَطُلْ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الرَّاجِحِ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ أَشْهَبَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ ذَكَرَهَا ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ أَحَدُهُمَا لِمَالِكٍ كَرَاهَةُ الطَّوَافِ بِالثَّوْبِ النَّجِسِ قَالَ -

الصفحة 32