كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (اسم الجزء: 2)

وَلَا وَجَدَ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا (اُعْتُبِرَ الْمَعْجُوزُ عَنْهُ) فِي جَانِبِ السُّقُوطِ (مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الزَّادِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَمِنْ الرَّاحِلَةِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا، فَأَيُّهُمَا عَجَزَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَطِيعًا، وَإِذَا أَمْكَنَ الْوُصُولُ وَجَبَ الْحَجُّ (وَإِنْ) كَانَ إمْكَانُهُ (بِثَمَنِ وَلَدِ زِنًا) مِنْ أَمَةٍ (أَوْ) كَانَ بِثَمَنِ (مَا يُبَاعُ عَلَى الْمُفَلَّسِ) مِنْ مَاشِيَةٍ وَعَقَارٍ وَكُتُبِ عِلْمٍ وَنَحْوِهَا (أَوْ) كَانَ (بِافْتِقَارِهِ) أَيْ مَعَ صَيْرُورَتِهِ فَقِيرًا بَعْدَ الْحَجِّ (أَوْ تَرْكِ وَلَدِهِ) وَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ (لِلصَّدَقَةِ) عَلَيْهِمْ مِنْ النَّاسِ (إنْ لَمْ يَخْشَ هَلَاكًا) أَوْ شَدِيدَ أَذًى وَهُوَ قَيْدٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَهُ.

(لَا) يَجِبُ الْحَجُّ بِاسْتِطَاعَةٍ (بِدَيْنٍ) وَلَوْ مِنْ وَلَدِهِ إذَا لَمْ يَرْجُ الْوَفَاءَ (أَوْ عَطِيَّةٍ) مِنْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ بِغَيْرِ سُؤَالٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِلَّا سَقَطَ كَانَ أَخْصَرَ وَأَوْضَحَ. قَوْلُهُ: (وَلَا وَجَدَ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا) أَيْ مِنْ الصَّنْعَةِ وَالْقُوَّةِ عَلَى الْمَشْيِ. (قَوْلُهُ: فَأَيُّهُمَا عَجَزَ عَنْهُ إلَخْ) فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الزَّادِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الصَّنْعَةِ سَقَطَ عَنْهُ الْحَجُّ وَلَوْ وَجَدَ الرَّاحِلَةَ، أَوْ كَانَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْمَشْيِ وَكَذَا إذَا عَدِمَ الرَّاحِلَةَ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَشْيِ سَقَطَ عَنْهُ وَلَوْ وَجَدَ الزَّادَ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الصَّنْعَةِ وَأَوْلَى إذَا عَجَزَ عَنْ الزَّادِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَعَنْ الرَّاحِلَةِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا فَقَوْلُهُ: اُعْتُبِرَ الْمَعْجُوزُ عَنْهُ مِنْهُمَا أَيْ انْفِرَادًا أَوْ اجْتِمَاعًا، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِي جَانِبِ السُّقُوطِ الْمَعْجُوزُ عَنْهُ مِنْهُمَا لِأَنَّ مَا كَانَ وُجُودُهُ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ كَانَ فَقْدُهُ مَانِعًا مِنْ الْوُجُوبِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ بِثَمَنِ وَلَدِ زِنًا) مُرْتَبِطٌ بِإِمْكَانِ الْوُصُولِ كَمَا يُشِيرُ لِذَلِكَ حَلُّ الشَّارِحِ قَالَ ح ثَمَنُ وَلَدِ الزِّنَا لَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَإِثْمُ وَلَدِ الزِّنَا عَلَى أَبَوَيْهِ وَإِنَّمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ كَوْنَهُ نَاشِئًا عَنْ الزِّنَا مَانِعٌ مِنْ الْحَجِّ بِثَمَنِهِ وَلِأَنَّ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ لَا يَحُجَّ بِهِ مَنْ يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ وَبِهِ يُرَدُّ قَوْلُ الْبِسَاطِيِّ لَوْ تَرَكَ الْمُصَنِّفُ خُشُونَةَ هَذَا اللَّفْظِ فِي مِثْلِ الْحَجِّ كَانَ أَحْسَنَ.
(قَوْلُهُ: أَوْ مَا يُبَاعُ عَلَى الْمُفَلَّسِ) فِيهِ أَنَّ وَلَدَ الزِّنَا مِنْ جُمْلَةِ مَا يُبَاعُ عَلَى الْمُفَلَّسِ وَحِينَئِذٍ فَفِيهِ عَطْفُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ بِأَوْ وَهُوَ مَمْنُوعٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ، أَوْ مَا يُبَاعُ عَلَى الْمُفَلَّسِ غَيْرِ وَلَدِ الزِّنَا وَحِينَئِذٍ فَهُوَ عَطْفٌ مُغَايِرٌ عَلَى أَنَّ الدَّمَامِينِيَّ أَجَازَ عَطْفَ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَعَكْسَهُ بِأَوْ خِلَافًا لِابْنِ مَالِكٍ اهـ تَقْرِيرُ عَدَوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ بِافْتِقَارِهِ) أَيْ أَوْ كَانَ إمْكَانُ الْوُصُولِ مُصَاحِبًا أَوْ مُلْتَبِسًا بِافْتِقَارِهِ أَيْ بِصَيْرُورَتِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَقِيرًا، أَوْ تَرْكِ وَلَدِهِ لِلصَّدَقَةِ فَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ أَوْ الْمُلَابَسَةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ إلَّا مِقْدَارُ مَا يُوصِلُهُ فَقَطْ وَلَا يُرَاعِي مَا يَئُولُ أَمْرُهُ وَأَمْرُ أَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ إلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرُهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْحَجَّ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي فَلَا إشْكَالَ فِي تَبْدِيَةِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ وَالْأَبَوَيْنِ عَلَى الْحَجِّ وَمِثْلُ نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ وَالْأَبَوَيْنِ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ فَتُقَدَّمُ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي وَيُقَدَّمُ عَلَيْهَا الْحَجُّ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِيَّةِ وَلَوْ خَشِيَ التَّطْلِيقَ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ عَشَرَةُ رِيَالَاتٍ إذَا تَرَكَهَا لِلزَّوْجَةِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْحَجِّ، وَإِنْ حَجَّ بِهَا طَلُقَتْ عَلَيْهِ الزَّوْجَةُ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ فَإِنَّهُ يَحُجُّ بِهَا عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَوْرِ مَا لَمْ يَخْشَ عَلَى نَفْسِهِ عِنْدَ مُفَارَقَتِهَا الزِّنَا بِهَا أَوْ بِغَيْرِهَا. (قَوْلُهُ: قَيْدٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ) أَيْ وَهُمَا قَوْلُهُ: أَوْ بِافْتِقَارِهِ، أَوْ تَرْكِ وَلَدِهِ لِلصَّدَقَةِ وَحِينَئِذٍ فَالْمَعْنَى إنْ لَمْ يَخْشَ هَلَاكًا، أَوْ شَدِيدَ أَذًى عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَبَوَيْهِ.
إنْ قِيلَ لِمَ قَيَّدُوا هُنَا بِأَنْ لَا يَخْشَى هَلَاكًا عَلَيْهِمْ وَقَالُوا فِي الْفَلَسِ يُؤْخَذُ مَالُهُ وَلَا يُتْرَكُ لَهُ وَلَا لِأَوْلَادِهِ إلَّا مَا يَعِيشُونَ بِهِ الْأَيَّامَ، وَإِنْ خَشِيَ عَلَيْهِمْ الضَّيْعَةَ وَالْهَلَاكَ.
قُلْتُ: إنَّ الْمَالَ فِي الْفَلَسِ مَالُ الْغُرَمَاءِ وَالْغُرَمَاءُ لَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ نَفَقَةِ أَوْلَادِهِ إلَّا الْمُوَاسَاةُ كَبَقِيَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي الْحَجِّ الْمَالُ مَالُهُ وَهُوَ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ مِنْ مَالِهِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الشَّخْصَ التَّكَسُّبُ وَجَمْعُ الْمَالِ لِأَجْلِ أَنْ يُحَصِّلَ مَا يَحُجُّ بِهِ وَلَا أَنْ يَجْمَعَ مَا فَضَلَ مِنْ كَسْبِهِ مَثَلًا كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى يَصِيرَ مُسْتَطِيعًا بَلْ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ وَالْمُعْتَبَرُ الِاسْتِطَاعَةُ الْحَالِيَّةُ اهـ شَيْخُنَا عَدَوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: لَا يَجِبُ الْحَجُّ بِاسْتِطَاعَةٍ بِدَيْنٍ) أَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لَا بِدَيْنٍ عَطْفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ وَالْأَصْلُ وَوَجَبَ بِاسْتِطَاعَةٍ بِغَيْرِ دَيْنٍ وَلَا يَجِبُ بِاسْتِطَاعَةٍ بِدَيْنٍ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الشَّخْصِ أَنْ يَسْتَدِينَ مَالًا فِي ذِمَّتِهِ لِيَحُجَّ بِهِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ، أَوْ حَرَامٌ كَمَا فِي ح قَالَ تت وَظَاهِرُهُ كَانَتْ لَهُ جِهَةٌ وَفَّى مِنْهَا ذَلِكَ الدَّيْنَ أَوْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ فِي الثَّانِي وَعَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْأَوَّلِ قَالَ طفى وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّشْهِيرِ فِي عُهْدَتِهِ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَقَدْ قِيلَ فِي الشَّامِلِ بِكَوْنِ الدَّيْنِ لَا يُرْجَى وَفَاؤُهُ وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُ مَا يَقْضِيهِ بِهِ وَلَا جِهَةَ لَهُ يُوَفِّي مِنْهَا، وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِهِ وَعَلَى هَذَا حُمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَتَبِعَهُ عج وَشَارِحُنَا. (قَوْلُهُ: أَوْ عَطِيَّةٍ) أَيْ.

الصفحة 7