كتاب الحملة الصليبية على العالم الإسلامي والعالم (اسم الجزء: 2)

إنها مجزرة أخطر من مجزرة الأرواح والأجساد والممتلكات والمؤسسات! إنها مجزرة رقبة الكبرياء العراقية، ومن ورائها العربية كلها، تحت مقصلة الحقد اليهودي الأمريكي، إنها تشويه وجه الشهيد وتمثيل بجثته، أوقفوا التمثيل بجثة العراقيين.
حرام، حرام! هذه بلاد سومر التي اعترف لها (كرومر) بأن التاريخ بدأ بها، وكل شيء بدأ فيها .. كلنا مدينون لما بين النهريين، ايه (نا) .. (نا) العرب، ام (نا) الإنسانية كلها، بل كلتاهما معاً. حرام! حرام! هذه بلاد آشور بانيبال، وسرجون، واسرحدون، ونبوخذ نصر، والرشيد، والمأمون والمعتصم وصلاح الدين. ولكن ألا يعني كل اسم من هؤلاء ثأراً مراً حاقداً لدى هؤلاء الغزاة الصهاينة؟ أو ليس هذا التشويه انتقاماً حارقاً من السبي, وعمورية, وحطين، وفيما هو أعمق: انتقام من مكتبة نينوى, وألواح آشور ومسلة حمورابي, وقصيدة أبى تمام ... من تمثال جواد سليم, وارث السياب .. بل من شهداء الجيش العراقي على تخوم وأرض فلسطين؟.
هذا هو العمق الحقيقي للحرب، أمر أبعد بكثير من نظام صدام حسين: كسر الكبرياء الوطنية، وتدمير وطنية الحضارة والثقافة، وإذلال الروح, وسحق كل شيء، لأجل بداية جديدة، لا مكان فيها إلا لما يرسمه (ريتشارد بيرل) و (بريمر) ولفيفه، من إسرائيل إلى الولايات المتحدة. إذلال لن تنعكس آثاره على العراقيين وحدهم، على مستقبلهم وحدهم، بل على هذه الأمة بكاملها، للقضاء على آخر بؤر الكرامة فيها, وتحويلها إلى جمع من الدلالين والسماسرة، من الباعة والمبيعين، أما البضاعة فكل شيء، ولا حرمة لشيء في غياب الكرامة (¬1).
نعم هذا هو البعد الحقيقي للحرب .. الانتقام والثأر من السبي, وآشور, وسرجون, وصلاح الدين, وكل الذين وقفوا في وجهه الشعب المختار وأحقاده وأحلامه في تأسيس مملكة الرب من النيل إلى الفرات ... من نبوخذ نصر وبابل (أم العاهرات) التي توعدتها التوراة الحاقدة بأشد أنواع الدمار ... "يا بنت بابل المخربة، طوبى لمن يجازيك جزاءك الذي جازيتنا. طوبى لمن يمسك أطفالك ويضرب بهم الصخرة ... سيبكي وينحب عليها ملوك الأرض الذين زنوا بها واترفوا معها، حين يرون دخان
¬_________
(¬1) مقصلة الكبرياء ـ حياة الحويك عطية ـ الخليج 18/ 4/2003

الصفحة 360