كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 2)

وَفِي الثَّانِيَةِ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَفِي الْوِتْرِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ. وَمَحَلُّ اسْتِحْبَابِ الْقِرَاءَةِ بِهَذِهِ السُّوَرِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حِزْبٌ أَيْ: قَدْرٌ مُعَيَّنٌ مِنْ الْقُرْآنِ يَقْرَؤُهُ فِي نَافِلَةٍ يَفْعَلُهَا لَيْلًا فَإِنْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَالْمُسْتَحَبُّ حِينَئِذٍ أَنْ يَقْرَأَ مِنْ حِزْبِهِ فِي شَفْعِهِ وَوِتْرِهِ كَمَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَهُوَ تَابِعٌ لِبَحْثِ الْمَازِرِيِّ، وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ الْعُدُولُ عَنْ نُقُولِ الْأَئِمَّةِ مِنْ اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ السُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ فِي الشَّفْعِ وَالْوِتْرِ وَلَوْ لِمَنْ لَهُ حِزْبٌ إلَى بَحْثِ الْمَازِرِيِّ هَذَا حَاصِلُ مَا نَقَلَ ابْنُ غَازِيٍّ.
(ص) وَفِعْلُهُ لِمُنْتَبِهٍ آخِرَ اللَّيْلِ وَلَمْ يُعِدْهُ مُقَدَّمٌ ثُمَّ صَلَّى وَجَازَ. (ش) وَهَذَا وَقْتُ فَضِيلَةٍ لِلْوِتْرِ وَسَيَأْتِي وَقْتُهُ الِاخْتِيَارِيُّ وَالضَّرُورِيُّ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُنْدَبُ فِعْلُ الْوِتْرِ آخِرَ اللَّيْلِ لِمَنْ الْغَالِبُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ الْعَادَةِ مِنْ نَفْسِهِ الِانْتِبَاهُ آخِرَ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ آخِرِهِ مَشْهُودَةٌ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ الِانْتِبَاهِ أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ عِنْدَهُ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ لَهُ تَقْدِيمُهُ، هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِ. وَكَلَامُ الرِّسَالَةِ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ عِنْدَهُ يُؤَخِّرُ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا: وَمَنْ أَخَّرَ تَنَفُّلَهُ وَوِتْرَهُ إلَخْ فَذَلِكَ أَفْضَلُ لَهُ إلَّا مَنْ الْغَالِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْتَبِهَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيُقَدِّمْ وِتْرَهُ، وَنَحْوُ مَا فِي الرِّسَالَةِ لِابْنِ يُونُسَ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ وَإِذَا قَدَّمَ الْوِتْرَ ثُمَّ صَلَّى نَافِلَةً فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُ الْوِتْرَ لِخَبَرِ «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» تَقْدِيمًا لِخَبَرِ النَّهْيِ عَلَى خَبَرِ الْأَمْرِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ مِنْ اللَّيْلِ وِتْرًا» عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا. وَيَجُوزُ لَهُ التَّنَفُّلُ بَعْدَ الْوِتْرِ حَيْثُ حَدَثَتْ لَهُ نِيَّتُهُ، أَمَّا مَنْ نَوَى جَعْلَ الْوِتْرِ أَثْنَاءَ تَنَفُّلِهِ فَمُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ بَدَا لَهُ نِيَّةُ النَّفْلِ أَنْ يَفْصِلَ نَفْلَهُ عَنْ وِتْرِهِ لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ أَوْتَرَ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَنَفَّلَ بَعْدَهُ تَرَبَّصَ قَلِيلًا وَإِنْ انْصَرَفَ بَعْدَ وِتْرِهِ إلَى بَيْتِهِ تَنَفَّلَ مَا أَحَبَّ انْتَهَى. وَيُكْرَهُ بِلَا فَاصِلٍ عَادِيٍّ قَالَهُ سَيِّدِي زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ عَطْفُ الْمُؤَلِّفِ صَلَّى بِثُمَّ الْمُفِيدَةِ لِلْمُهْلَةِ عَلَى مُقَدَّمٍ وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْفِعْلِ عَلَى الِاسْمِ الْمُشْبِهِ لَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا} [العاديات: 3] {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} [العاديات: 4] وَقَوْلُهُ " آخِرَ اللَّيْلِ " يَتَنَازَعُهُ كُلٌّ مِنْ الْمَصْدَرِ وَاسْمِ الْفَاعِلِ وَهُوَ فِعْلُهُ وَمُنْتَبِهٌ، وَأَعْمَلَ الثَّانِيَ أَيْ: وَفِعْلُهُ آخِرَ اللَّيْلِ لِمُنْتَبِهٍ آخِرَ اللَّيْلِ. فَقَوْلُهُ " وَلَمْ يُعِدْهُ مُقَدَّمٌ " أَيْ: يُكْرَهُ. وَقَوْلُهُ " ثُمَّ صَلَّى " أَيْ: حَيْثُ حَدَثَتْ لَهُ نِيَّةُ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الْوِتْرِ وَهَذَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ ثُمَّ، وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ مَنْ قَدَّمَ الْوِتْرَ ثُمَّ أَوْقَعَ نَافِلَةً لَا يُعِيدُ الْوِتْرَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ ذَلِكَ هَلْ حُكْمُ إيقَاعِ النَّافِلَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْجَوَازُ أَمْ لَا. أَشَارَ إلَى أَنَّ الْحُكْمَ الْجَوَازُ بِقَوْلِهِ (وَجَازَ) أَيْ: هَذَا الْفِعْلُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْمُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الطَّرَفُ الرَّاجِحُ أَيْ: يُسْتَحَبُّ، وَمَحَلُّهُ إذَا طَرَأَتْ لَهُ نِيَّةُ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الْوِتْرِ أَوْ فِيهِ فَإِنْ طَرَأَتْ قَبْلَهُ لَمْ يَكُنْ تَنَفُّلُهُ بَعْدَهُ جَائِزًا بِهَذَا الْمَعْنَى بَلْ مَكْرُوهًا، وَمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا طَرَأَتْ لَهُ فِي أَثْنَاءِ الْوِتْرِ فَهِيَ كَطُرُوئِهَا بَعْدَهُ ذَكَرَهُ الْمَوَّاقُ وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ جَعْلُ الْوِتْرِ آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ الْمَغْرِبَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَهِيَ وِتْرٌ فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ آخِرُهُ وِتْرًا أَيْضًا.
(ص) وَعَقِيبَ شَفْعٍ. (ش) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ " آخِرَ اللَّيْلِ " أَيْ: نُدِبَ فِعْلُ الْوِتْرِ عَقِيبَ شَفْعٍ عَلَى مَا صَدَّرَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَيُسْتَحَبُّ اتِّصَالُهُ بِهِ فَلَوْ طَالَ الْفَصْلُ اُسْتُحِبَّ إعَادَةُ الشَّفْعِ، وَشَهَرَ الْبَاجِيُّ أَنَّ كَوْنَهُ عَقِيبَ شَفْعٍ شَرْطُ صِحَّةٍ وَعَلَيْهِ فَفِي شَرْطِ اتِّصَالِهِ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ: لَيْسَ بِشَرْطٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالرَّفْعِ عَلَى الْحِكَايَةِ. (قَوْلُهُ: إلَى بَحْثِ الْمَازِرِيِّ) أَيْ: إلَى مَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ فَلَمْ يُرِدْ بِالْبَحْثِ الْمُنَاقَشَةَ فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ مُوَافِقًا لتت وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا ابْنَ الْعَرَبِيِّ، خِلَافُ مَا قَالَهُ شَارِحُنَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ غَيْرُ شَارِحِنَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَازِرِيَّ قَدْ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْبَحْثِ، وَنَصُّ الْمَوَّاقِ الْمَازِرِيِّ: وَقَعَ فِي نَفْسِي عَدَمُ تَعَيُّنِ قِرَاءَةٍ إثْرَ تَهَجُّدٍ فَأَمَرْت بِهِ إمَامَ تَرَاوِيحِ رَمَضَانَ ثُمَّ خِفْت انْدِرَاسَ الشَّفْعِ عِنْدَ الْعَوَامّ إنْ لَمْ يَخْتَصَّ بِقِرَاءَةٍ فَرَجَعْت لِلْمَأْلُوفِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعِدْهُ مُقَدَّمٌ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ مَا حَصَلَ مِنْهُ مِنْ التَّنَفُّلِ مَكْرُوهًا أَمْ لَا. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ صَلَاةَ آخِرِهِ مَشْهُودَةٌ) أَيْ: مَحْضُورَةٌ تَحْضُرُهَا الْمَلَائِكَةُ.
(قَوْلُهُ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِ) وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ قَوْلِهِ لِمُنْتَبِهٍ أَيْ: الْغَالِبُ عَلَيْهِ الِانْتِبَاهُ أَيْ: لِمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الِانْتِبَاهُ وَلَوْ كَانَ عَادَتُهُ عَدَمَ الِانْتِبَاهِ كَنَوْمٍ بِمَحَلٍّ يَكْثُرُ فِيهِ الْمُسَبِّحُونَ بِالصَّوْتِ الرَّفِيعِ بِحَيْثُ يَنْتَبِهُ لِذَلِكَ النَّائِمُ وَلَوْ ثَقُلَ نَوْمُهُ غَالِبًا فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ مَنْ الْغَالِبُ عَلَيْهِ عَدَمُ الِانْتِبَاهِ كَالْإِفْرَاطِ فِي الشِّبَعِ أَوْ شُرْبِ الْمَاءِ أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فَالْأَفْضَلُ التَّقَدُّمُ. (قَوْلُهُ: وَكَلَامُ الرِّسَالَةِ إلَخْ) كَلَامُ الرِّسَالَةِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. (قَوْلُهُ: أَمَّا مَنْ جَعَلَ الْوِتْرَ أَثْنَاءَ تَنَفُّلِهِ) أَيْ: وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْوِيَ أَنْ يُصَلِّيَ الشَّفْعَ وَالْوِتْرَ ثُمَّ يَتَنَفَّلَ بَعْدَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: فَمُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ) أَيْ: فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَاعْلَمْ أَنَّ مُحَشِّيَ تت نَقَلَ نُقُولًا اسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ أَعْنِي قَوْلَهُ " حَيْثُ حَدَثَتْ إلَخْ " غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: أَيْ: وَفَعَلَهُ آخِرَ اللَّيْلِ) بَيَانٌ لِوَجْهِ التَّنَازُعِ وَإِلَّا فَعِنْدَ إعْمَالِ الثَّانِي يَقُولُ: وَفَعَلَهُ فِيهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ يُصَلِّي الْوِتْرَ بِالْأَرْضِ وَأَمَّا الْمُسَافِرُ إذَا صَلَّى الْعِشَاءَ بِالْأَرْضِ وَنِيَّتُهُ الرَّحِيلُ وَالتَّنَفُّلُ عَلَى دَابَّتِهِ فَاسْتَحَبَّ لَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يُصَلِّيَ وِتْرَهُ بِالْأَرْضِ ثُمَّ يَتَنَفَّلَ عَلَى دَابَّتِهِ، وَيُلْغَزُ بِهَا فَيُقَالُ: رَجُلٌ صَلَّى الْعِشَاءَ وَنِيَّتُهُ التَّنَفُّلُ وَيُقَدِّمُ الْوِتْرَ قَبْلَ تَنَفُّلِهِ قَالَهُ الْحَطَّابُ فَيُقَدِّمُ الْوِتْرَ، وَيَجُوزُ لَهُ التَّنَفُّلُ وَلَوْ عَقِبَ الْوِتْرِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ بِالْأَرْضِ رَاكِعًا وَسَاجِدًا أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِهِ عَلَى الدَّابَّةِ إيمَاءً. (قَوْلُهُ: بَعْدَ الْوِتْرِ) أَيْ: أَوْ فِي الْوِتْرِ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعْلَمْ إلَخْ) أَقُولُ إذَا كَانَ الْحَالُ مَا ذُكِرَ فَيَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ صَلَّى إخْبَارٌ بِحَسَبِ مَا اتَّفَقَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا تُفِيدُ، ثُمَّ إنَّ الْمَطْلُوبَ تَأَخُّرُ صَلَاةِ النَّفْلِ عَنْ الْوِتْرِ. (قَوْلُهُ: نُدِبَ فِعْلُ الْوِتْرِ عَقِيبَ شَفْعٍ) وَالظَّاهِرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ الشَّفْعُ لِنِيَّةٍ خَاصَّةٍ بَلْ يَكْتَفِي بِأَيِّ رَكْعَتَيْنِ كَانَتَا. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا صَدَّرَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ نُدِبَ وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ شَرْطُ صِحَّةٍ. (قَوْلُهُ: وَشَهَرَ الْبَاجِيُّ إلَخْ) هَذَا مُقَابِلُ مَا صَدَّرَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ.

الصفحة 10