كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 2)

أَرْجَحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَنْ عَجَزَ عَنْ تَعَلُّمِ الصَّوَابِ لِضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ لِعَدَمِ مَنْ يُعَلِّمُهُ مَعَ قَبُولِ التَّعْلِيمِ وَائْتَمَّ بِهِ مَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ غَيْرِهِ وَأَمَّا مَنْ تَعَمَّدَ اللَّحْنَ فَصَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَنْ اقْتَدَى بِهِ بَاطِلَةٌ بِلَا نِزَاعٍ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِكَلِمَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ فِي صَلَاتِهِ وَمَنْ فَعَلَهُ سَاهِيًا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَلَا صَلَاةُ مَنْ اقْتَدَى بِهِ قَطْعًا بِمَنْزِلَةِ مَنْ سَهَا عَنْ كَلِمَةٍ فَأَكْثَرَ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَجْزًا بِأَنْ لَا يَقْبَلَ التَّعْلِيمَ فَصَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَنْ اقْتَدَى بِهِ صَحِيحَةٌ أَيْضًا قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَلْكَنِ كَمَا يَأْتِي، وَسَوَاءٌ وَجَدَ مَنْ يَأْتَمُّ بِهِ أَمْ لَا وَإِنْ كَانَ عَجْزُهُ لِضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ لِعَدَمِ مَنْ يُعَلِّمُهُ مَعَ قَبُولِهِ التَّعْلِيمَ فَإِنْ كَانَ مَعَ وُجُودِ مَنْ يَأْتَمُّ بِهِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ وَصَلَاةَ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ بَاطِلَةٌ سَوَاءٌ كَانَ مِثْلَ الْإِمَامِ فِي اللَّحْنِ أَمْ لَا. وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَأْتَمُّ بِهِ فَصَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَنْ اقْتَدَى بِهِ صَحِيحَةٌ إنْ كَانَ مِثْلَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُ بِأَنْ كَانَ يَنْطِقُ بِالصَّوَابِ فِي كُلِّ قِرَاءَتِهِ أَوْ صَوَابُهُ أَكْثَرُ مِنْ صَوَابِ إمَامِهِ فَإِنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ.
(ص) وَبِغَيْرِ مُمَيِّزٍ بَيْنَ ضَادٍ وَظَاءٍ. (ش) أَيْ: وَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي بِغَيْرِ مُمَيِّزٍ بَيْنَ ضَادٍ وَظَاءٍ مَا لَمْ تَسْتَوِ حَالَتُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَالْقَابِسِيِّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ وَعَبْدُ الْحَقِّ؟ وَأَمَّا صَلَاتُهُ هُوَ فَصَحِيحَةٌ إلَّا أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ عَمْدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ أَوْ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَهُوَ الَّذِي حَكَى ابْنُ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ. (خِلَافٌ) وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَأْتَمُّ بِهِ وَهُوَ يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُعَلِّمُهُ أَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ التَّعْلِيمِ وَائْتَمَّ بِهِ مَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ أَيْ: ائْتَمَّ بِهِ مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ الضَّادِ وَالظَّاءِ لِعَدَمِ وُجُودِ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، هَذَا وَظَاهِرُهُ جَرَيَانُ هَذَا الْخِلَافِ فِيمَنْ لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الضَّادِ وَالظَّاءِ فِي الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الْمَوَّاقِ تَقْيِيدُهُ بِمَنْ لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَهُمَا فِي الْفَاتِحَةِ. وَذَكَرَ الْحَطَّابُ وَالنَّاصِرُ اللَّقَانِيِّ مَا يُفِيدُ أَنَّ الرَّاجِحَ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ بِمَنْ لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الضَّادِ وَالظَّاءِ. وَحَكَى الْمَوَّاقُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ. وَحُكْمُ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الصَّادِ وَالسِّينِ كَمَنْ لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الضَّادِ وَالظَّاءِ كَمَا نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَأَلْكَنُ وَكَذَا بَيْنَ الزَّايِ وَالسِّينِ "

. (ص) وَأَعَادَ بِوَقْتٍ فِي كَحَرُورِيٍّ. (ش) يُرِيدُ أَنَّ مَنْ صَلَّى خَلْفَ مُبْتَدِعٍ كَحَرُورِيٍّ أَوْ قَدَرِيٍّ فَإِنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ. وَحَرُورِيٌّ وَاحِدُ الْحَرُورِيَّةِ وَهُمْ قَوْمٌ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ بِحَرُورَاءَ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْكُوفَةِ نَقَمُوا عَلَيْهِ فِي التَّحْكِيمِ وَكَفَّرُوا
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالضَّعِيفُ مِنْهَا السَّادِسُ وَبَقِيَّتُهَا مُرَجَّحَةٌ وَأَرْجَحُهَا قَوْلُ مَنْ قَالَ الصِّحَّةَ مُطْلَقًا وَهُوَ الرَّابِعُ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَالْخَامِسُ الَّذِي اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ ذِكْرُهُ، ثُمَّ إنَّ مَنْ قَالَ بِالصِّحَّةِ وَهُوَ ابْنُ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيُّ عَلَّلَ مَا قَالَهُ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ الْقَارِئَ لَا يَقْصِدُ مَا يَقْتَضِيهِ اللَّحْنُ بَلْ يَعْتَقِدُ بِقِرَاءَتِهِ مَا يَعْتَقِدُ بِهَا مَنْ لَا يَلْحَنُ فِيهَا.
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَلَا يُخْرِجُهُ لَحْنُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ قُرْآنًا وَلَمْ يَقْصِدْ مُوجِبَ اللَّحْنِ.
(قَوْلُهُ: فِيمَنْ عَجَزَ) أَيْ: فَمَحَلُّ الْخِلَافِ مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ أَرْبَعَةٍ: عَجْزٌ عَنْ تَعَلُّمِ الصَّوَابِ لِضِيقِ وَقْتٍ أَوْ لِعَدَمِ مُعَلِّمٍ وَقَوْلُهُ: مَعَ قَبُولِ التَّعْلِيمِ ثَانٍ وَقَوْلُهُ: وَائْتَمَّ بِهِ مَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ ثَالِثٌ وَقَوْلُهُ: لِعَدَمِ وُجُودِ غَيْرِهِ رَابِعٌ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَنْ تَعَمَّدَ اللَّحْنَ) مُحْتَرَزُ عَجَزَ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَتَى بِكَلِمَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ فِي صَلَاتِهِ) هَذَا مَوْجُودٌ فِي حَالَةِ الْعَجْزِ فَنَقُولُ: أَتَى بِكَلِمَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ مُتَعَمِّدًا فَكَانَ يُعَلَّلُ بِتَلَاعُبِهِ، وَقَوْلُهُ: وَمَنْ فَعَلَهُ سَاهِيًا هُوَ مُحْتَرَزُ عَاجِزٍ، فَمَفْهُومُ عَاجِزٍ فِيهِ تَفْصِيلٌ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يَقْبَلَ) أَيْ: بِسَبَبِ عَدَمِ قَبُولِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ مَعَ وُجُودِ مَنْ يَأْتَمُّ بِهِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ لِعَدَمِ وُجُودِ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ مِثْلَهُ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَائْتَمَّ بِهِ مَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ) هَذَا الْكَلَامُ لعج وَالْخِلَافُ الْمَعْلُومُ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِقَيْدٍ. وَإِنَّ الْقَوْلَ بِالصِّحَّةِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ اللَّحْنَ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ) أَيْ: التَّمْيِيزَ الْمَأْخُوذَ مِنْ مُمَيِّزٍ عَمْدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَرْكَ التَّمْيِيزِ عَمْدًا يَسْتَلْزِمُ الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ، فَقَوْلُهُ: مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا. (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ) أَيْ: فَالْخِلَافُ مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ أَرْبَعَةٍ الْأَوَّلُ: هُوَ قَوْلُهُ: مَنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَأْتَمُّ بِهِ الثَّانِي: هُوَ قَوْلُهُ: وَهُوَ يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ الثَّالِثُ: هُوَ قَوْلُهُ: وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُعَلِّمُهُ أَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ إلَخْ وَالرَّابِعُ: هُوَ قَوْلُهُ: وَائْتَمَّ بِهِ مَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ فَإِنْ قُلْت: قَوْلُكُمْ عَجَزَ لِعَدَمِ مَنْ يُعَلِّمُهُ مَعَ وُجُودِ مَنْ يَأْتَمُّ بِهِ مُشْكِلٌ؛ إذْ هَذَا الَّذِي ائْتَمَّ بِهِ يُعَلِّمُهُ هَكَذَا تَوَقَّفَ فِيهِ بَعْضُ شُيُوخِنَا مَعَ مَشَايِخِهِ. (أَقُولُ) يُفْرَضُ فِيمَا إذَا كَانَ لَك الْإِمَامُ يَتَعَذَّرُ مِنْهُ التَّعْلِيمُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ. (قَوْلُهُ: وَحَكَى الْمَوَّاقُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ) فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ أَيْ: فَالصِّحَّةُ مُطْلَقًا وَجَدَ غَيْرَهُ أَمْ لَا اتَّسَعَ الْوَقْتُ أَمْ لَا قَبِلَ التَّعْلِيمَ أَمْ لَا

. (قَوْلُهُ: نَقَمُوا عَلَيْهِ فِي التَّحْكِيمِ) هُوَ بِالْمِيمِ بَعْدَ الْقَافِ أَيْ: عَابُوا عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا نَقَمُوا} [التوبة: 74] وَمَنْ قَرَأَهُ بِالضَّادِ فَقَدْ صَحَّفَ وَذَلِكَ لَمَّا طَالَ الْحَرْبُ بِصِفِّينَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ اتَّفَقَ الْفَرِيقَانِ عَلَى التَّحْكِيمِ فَرَضِيَ جَيْشُ عَلِيٍّ بِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَجَيْشُ مُعَاوِيَةَ بِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْمَصِيرُ بِمَا حَكَمَا بِهِ فَعَابَ الْخَوَارِجُ عَلَى عَلِيٍّ فِي التَّحْكِيمِ وَكَفَّرُوهُ قَائِلِينَ: أَنْتَ عَلَى الْحَقِّ فَلِمَ تُحَكِّمُ. لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَنْبًا كَفَرَ فَقَوْلُهُ: كَفَّرُوا بِالذَّنْبِ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ مُشَدَّدُ الْفَاءِ وَحَاصِلُهَا كَمَا ذَكَرُوا أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى تَحْكِيمِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ جِهَةِ عَلِيٍّ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ جِهَةِ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ عَمْرُو لِأَبِي مُوسَى قُمْ فَأَعْلِمْ النَّاسَ بِمَا اتَّفَقْنَا عَلَيْهِ فَخَطَبَ أَبُو مُوسَى فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا قَدْ نَظَرْنَا فِي هَذِهِ فَلَمْ نَرَ أَمْرًا أَصْلَحَ لَهَا وَلَا أَلَمَّ شَعَثًا مِنْ رَأْيٍ اتَّفَقْت أَنَا وَعَمْرٌو عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّا نَخْلَعُ عَلِيًّا وَمُعَاوِيَةَ وَنَتْرُكُ الْأَمْرَ شُورَى وَتَسْتَقْبِلُ الْأُمَّةُ هَذَا الْأَمْرَ فَيُوَلُّونَ عَلَيْهِمْ مَنْ أَحَبُّوهُ، وَإِنِّي قَدْ خَلَعْت عَلِيًّا وَمُعَاوِيَةَ ثُمَّ تَنَحَّى فَجَاءَ عَمْرٌو فَقَامَ مَقَامَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إنَّ هَذَا قَدْ قَالَ مَا سَمِعْتُمْ وَإِنَّهُ قَدْ خَلَعَ صَاحِبَهُ وَإِنِّي قَدْ خَلَعْته كَمَا خَلَعَهُ وَأُثَبِّتُ صَاحِبِي مُعَاوِيَةَ فَإِنَّهُ وَلِيُّ عُثْمَانَ وَالْمَطَالِبُ بِدَمِهِ وَهُوَ أَحَقُّ النَّاسِ.
(فَائِدَةٌ)

الصفحة 26