كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 2)

وَكُرِهَ تَنَفُّلُ الْإِمَامِ بِمِحْرَابِ الْمَسْجِدِ وَكَذَا جُلُوسُهُ فِيهِ بَعْدَ سَلَامِهِ عَلَى هَيْئَتِهِ الْأُولَى إمَّا خَوْفَ الْإِلْبَاسِ عَلَى الدَّاخِلِ فَيَظُنُّهُ فِي الْفَرْضِ فَيَقْتَدِي بِهِ أَوْ خَوْفَ الرِّيَاءِ أَوْ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ الْمَكَانَ إلَّا فِي وَقْتِ الْإِمَامَةِ وَيَخْرُجُ مِنْ الْكَرَاهَةِ بِتَغْيِيرِ هَيْئَتِهِ لِخَبَرِ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ» قَالَ الثَّعَالِبِيُّ وَهَذَا هُوَ السُّنَّةُ وَنَحْوُهُ لِابْنِ أَبِي جَمْرَةَ وَصَاحِبِ الْمَدْخَلِ. لَا مَا يَرَاهُ بَعْضُ أَهْلِ التَّشْدِيدِ فِي الدِّينِ مِنْ قِيَامِهِ بِمُجَرَّدِ فَرَاغِهِ كَأَنَّمَا ضُرِبَ بِشَيْءٍ يُؤْلِمُهُ وَيَفُوتُهُ بِذَلِكَ خَبَرُ اسْتِغْفَارِ الْمَلَائِكَةِ لَهُ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ. وَمُخَالَفَتَهُ السُّنَّةَ انْتَهَى

. (ص) وَإِعَادَةُ جَمَاعَةٍ بَعْدَ الرَّاتِبِ وَإِنْ أَذِنَ. (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْجَمَاعَةِ أَنْ يَجْمَعُوا فِي مَسْجِدٍ وَمَا تَنَزَّلَ مَنْزِلَتَهُ مِنْ كُلِّ مَكَان جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْجَمْعِ فِيهِ كَسَفِينَةٍ أَوْ دَارٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ بَعْدَ صَلَاةِ إمَامِهِ وَلَوْ أَذِنَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لِلشَّرْعِ غَرَضًا فِي تَكْثِيرِ الْجَمَاعَاتِ لِيُصَلِّيَ الشَّخْصُ مَعَ مَغْفُورٍ لَهُ فَلِذَلِكَ أَمَرَ بِالْجَمَاعَاتِ وَحَضَّ عَلَيْهَا فَإِذَا عَلِمُوا بِأَنَّهَا لَا تُجْمَعُ فِي الْمَسْجِدِ مَرَّتَيْنِ تَأَهَّبُوا أَوَّلَ مَرَّةٍ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَمِنْ فَضْلِهِ شُرِعَ الْجُمُعَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ فِي الْجَمَاعَةِ مَغْفُورٌ لَهُ ثُمَّ شُرِعَ الْعِيدُ لِاجْتِمَاعِ أَهْلِ الْبُلْدَانِ الْمُتَقَارِبَةِ ثُمَّ شُرِعَ الْمَوْقِفُ الْأَعْظَمُ إذْ يَجْتَمِعُ فِيهِ أَهْلُ الْأَقْطَارِ وَفِيهِ اعْتِنَاءٌ بِالْعَبْدِ، وَاحْتَرَزَ بِالْجَمَاعَةِ مِنْ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ جَمْعِ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهُ مَا لَمْ يُعْلَمْ تَعَمُّدُهُ مُخَالَفَةَ الْإِمَامِ بِتَقْدِيمٍ أَوْ تَأْخِيرٍ فَيُمْنَعُ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ " إمَامٌ رَاتِبٌ " مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَنْ تُجْمَعَ فِيهِ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَالْمُرَادُ بِالْإِعَادَةِ الْفِعْلُ أَيْ: كُرِهَ صَلَاةُ جَمَاعَةٍ لَا فَذٍّ بَعْدَ الرَّاتِبِ وَلَوْ قَالَ: وَإِقَامَةُ. كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مُعِيدِينَ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَإِعَادَةُ أَيْ: بِاعْتِبَارِ الْإِمَامِ وَإِلَّا فَهُمْ لَيْسُوا مُعِيدِينَ.
(ص) وَلَهُ الْجَمْعُ إنْ جَمَعَ غَيْرُهُ قَبْلَهُ إنْ لَمْ يُؤَخِّرْ كَثِيرًا. (ش) يَعْنِي أَنَّ الْإِمَامَ الرَّاتِبَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ ثَانِيًا فِي مَسْجِدِهِ إذَا جَمَعَ غَيْرُهُ مِنْ مُؤَذِّنٍ وَنَحْوِهِ قَبْلَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ إلَّا أَنْ يُؤَخِّرَ كَثِيرًا بِحَيْثُ يَضُرُّ بِهِمْ انْتِظَارُهُ وَمِثْلُهُ مَا إذَا أَذِنَ لَهُمْ فِي الْجَمْعِ فَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَجْمَعَ بَعْدَهُمْ أَيْ: يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِسُقُوطِ مُرَاعَاةِ حَقِّهِ وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ " وَإِعَادَةُ جَمَاعَةٍ بَعْدَ الرَّاتِبِ ". (ص) وَخَرَجُوا إلَّا بِالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ فَيُصَلُّونَ بِهَا أَفْذَاذًا إنْ دَخَلُوهَا. (ش) أَيْ: إذَا اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ فِي مَسْجِدٍ صَلَّى رَاتِبُهُ خَرَجُوا نَدْبًا مِنْهُ لِيَجْمَعُوا مَعَ رَاتِبٍ آخَرَ أَوْ فِي مَسْجِدٍ لَا رَاتِبَ لَهُ وَلَا يُصَلُّونَ بِهِ أَفْذَاذًا لِفَوَاتِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اجْتِمَاعُهُمْ بِأَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ فَيُصَلُّونَ بِهَا أَفْذَاذًا لِفَضْلِ فَذِّهَا عَلَى جَمَاعَةٍ غَيْرِهَا هَذَا إنْ دَخَلُوهَا فَوَجَدُوا إمَامَهَا صَلَّى وَإِلَّا صَلَّوْا جَمَاعَةً خَارِجَهَا وَلَا يُؤْمَرُونَ بِدُخُولِهَا. وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ قَائِلًا: إنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ خَوْفَ الرِّيَاءِ) أَيْ: كَأَنَّهُ يُظْهِرُ أَنَّهُ فِي عِبَادَةٍ. (قَوْلُهُ: أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ) أَيْ: وَلَا يَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ فَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: وَالْمَطْلُوبُ مِنْ الْإِمَامِ أَنْ يَنْحَرِفَ أَيْ: يُشَرِّقَ أَوْ يُغَرِّبَ وَلَا يَسْتَقْبِلَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَجْعَلَ وَجْهَهُ جِهَةَ الْمَغْرِبِ وَيَمِينَهُ جِهَةَ الْمُصَلِّينَ وَيَسَارَهُ جِهَةَ الْقِبْلَةِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْهَيْئَاتِ فَهُوَ خِلَافُ الْأَفْضَلِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِيمَنْ يُصَلِّي فِي غَيْرِ الرَّوْضَةِ الشَّرِيفَةِ أَمَّا الْمُصَلِّي بِهَا فَإِنَّهُ يَجْعَلُ وَجْهَهُ قُبَالَةَ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ وَيَسَارَهُ جِهَةَ الْمُصَلِّينَ وَيَمِينَهُ جِهَةَ الْقِبْلَةِ مِنْ خَطِّ الشَّيْخِ النَّفْرَاوِيِّ نَاقِلًا لَهُ عَنْ شَيْخِهِ عب. (قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ السُّنَّةُ) أَيْ: تَغْيِيرُ الْهَيْئَةِ. (قَوْلُهُ: خَبَرُ) هَكَذَا فِي خَطِّهِ بِكَبِيرِهِ بِنُقْطَةٍ فَوْقَ الْحَرْفِ الْأَوَّلِ وَنُقْطَةٍ تَحْتَ الْحَرْفِ الثَّانِي فَإِذًا يُقَدَّرُ مُضَافٌ أَيْ: مَدْلُولُ خَبَرٍ وَقَوْلُهُ: وَمُخَالَفَةُ السُّنَّةِ أَيْ: وَيَلْزَمُهُ مُخَالَفَةُ السُّنَّةِ وَفِي الْحَطَّابِ: خَيْرَانِ وَلَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ مُخَالَفَةَ السُّنَّةِ لَيْسَتْ خَيْرًا إلَّا أَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ أَيْ: عَدَمُ مُخَالَفَةٍ وَفِي عج بِخَطِّ بَعْضِ الشُّيُوخِ " خَيْرُ " بِخَاءٍ وَيَاءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ وَعَلَيْهِ فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ.
(تَنْبِيهٌ) : يُنْدَبُ لِلْمَأْمُومِ تَنَفُّلُهُ بِغَيْرِ مَوْضِعِ فَرِيضَتِهِ قَالَ الْحَطَّابُ: وَعَلَى قِيَاسِهِ يُنْدَبُ تَحْوِيلُهُ إلَى مَكَان آخَرَ كَمَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَيُكْرَهُ الْقِيَامُ لِلنَّافِلَةِ إثْرَ سَلَامِ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ أَيْ: بِالْمُعَقِّبَاتِ وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ أَيْ: يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَكَذَا يَنْبَغِي لِلْمُنْفَرِدِ

. (قَوْلُهُ: بَعْدَ الرَّاتِبِ) وَكَذَا قَبْلَهُ وَأَمَّا مَعَهُ فَحَرَامٌ. (قَوْلُهُ: مَعَ مَغْفُورٍ) أَيْ: ظَنًّا لَا تَحْقِيقًا أَيْ: وَالْمُصَلِّي مَعَ مَغْفُورٍ لَهُ مَغْفُورٌ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ فَضْلِهِ) أَيْ: الْجَمْعِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ فِي الْجَمَاعَةِ مَغْفُورٌ لَهُ) أَيْ: وَيَكُونُ فِي الْجَمْعِ فِي الْجُمُعَةِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ شُرِعَ الْعِيدُ) أَيْ: لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ فِي الْجُمُعَةِ مَغْفُورٌ لَهُ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ شُرِعَ الْمَوْقِفُ) أَيْ: لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ فِي الْعِيدِ مَغْفُورٌ لَهُ. (قَوْلُهُ: بِالْعَبْدِ) مِنْ الْعُبُودِيَّةِ لَا الْعِيدِ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ. (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ) أَيْ: وَمِثْلُ التَّأْخِيرِ كَثِيرًا.
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ عج تَرَدَّدَ بَعْضُ أَشْيَاخِي فِي حُصُولِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ لِمَنْ صَلَّى بَعْدَ الرَّاتِبِ أَوْ قَبْلَهُ وَلِبَعْضِهِمْ نَفْيُهُ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ تُنَافِيهِ وَلِبَعْضِهِمْ يَحْصُلُ وَالْكَرَاهَةُ لَا لِذَاتِ الْجَمَاعَةِ بَلْ لِأَمْرٍ خَارِجٍ وَهُوَ الْإِقْدَامُ اهـ. وَالظَّاهِرُ الثَّانِي وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ حُصُولِهَا فِي الْحَرَامِ كَالصَّلَاةِ مَعَهُ.
(قَوْلُهُ: اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَإِعَادَةُ جَمَاعَةٍ بَعْدَ الرَّاتِبِ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ غَيْرَ الْجَمَاعَةِ الْمَذْكُورِينَ مِنْ الرَّاتِبِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْجَمَاعَةِ فِي أَنَّهُ لَا يَجْمَعُ بَعْدَ غَيْرِهِ أَيْ: لِأَنَّ الْغَرَضَ تَكْثِيرُ الْجَمْعِ فَقَالَ: وَلَهُ الْجَمْعُ أَوْ أَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَفْهُومِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ أَنَّ لِلرَّاتِبِ الْجَمْعَ بَعْدَ غَيْرِهِ فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مُطْلَقًا مَعَ أَنَّهُ إذَا أَخَّرَ كَثِيرًا لَا يَجْمَعُ فَقَالَ: وَلَهُ الْجَمْعُ وَيَكُونُ الِاسْتِدْرَاكُ بِآخِرِ الْعِبَارَةِ لَا بِأَوَّلِهَا. (قَوْلُهُ: وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ) الْجَوَابُ أَنَّهُمْ إذَا دَخَلُوهَا تَقَوَّى جَانِبُهَا بِإِيقَاعِ الصَّلَاةِ فِيهَا فَنَاسَبَ أَنْ تُوقَعَ فِيهَا بَعْدَ حُصُولِ الْجَمْعِ فِيهَا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَدْخُلُوهَا فَلَمْ يَتَقَوَّ جَانِبُهَا بِذَلِكَ فَلِذَلِكَ لَمْ يُطْلَبُوا بِالدُّخُولِ مَعَ إرَادَةِ مَنْ فَاتَهُ الْجَمْعُ بِهَا الْجَمْعَ بِغَيْرِهَا وَلِذَلِكَ إنَّ فِي مَفْهُومِ دُخُولِهَا

الصفحة 30