كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 2)

مَسَحَ الشَّافِعِيُّ جَمِيعَ رَأْسِهِ، وَلَا يَضُرُّ اعْتِقَادُ سُنِّيَّتِهِ بِخِلَافِ لَوْ أَمَّ فِي الْفَرِيضَةِ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ أَوْ مَسَحَ رِجْلَيْهِ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْعَوْفِيُّ ضَابِطًا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ وَهُوَ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ صَلَاةِ الْمُؤْتَمِّ مَطْلُوبًا بِهَا فِي نَفْسِهِ فَلَا يَنْفَعُهُ فِيهَا صِحَّةُ صَلَاةِ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ مُتَنَفِّلًا فَلَا يَأْتَمَّ بِهِ مُفْتَرِضٌ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يَعْتَقِدُ صِحَّةَ هَذَا كَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ فِي الِاقْتِدَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الشَّرَائِطُ مُعْتَبَرَةً فِي حَقِّ الْإِمَامِ مِثْلَ الْمُتَدَلِّكِ بِمَنْ لَا يَرَاهُ أَوْ لَا يَرَى الْوُضُوءَ مِنْ الْقُبْلَةِ أَوْ اللَّمْسِ فَإِنَّ هَذِهِ عِنْدَ الْمَأْمُومِ شُرُوطٌ فِي صِحَّةِ صَلَاةِ الْمُصَلِّي لَا فِي صِحَّةِ الِائْتِمَامِ بِهِ أَيْ: فَالْعِبْرَةُ بِاعْتِقَادِ الْإِمَامِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ كَلَامُ الْعَوْفِيِّ مُقَابِلًا لِلْمَذْهَبِ. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ " فِي الْفُرُوعِ " عَنْ الْمُخَالِفِ فِي الْأُصُولِ فَإِنَّ الِاقْتِدَاءَ بِهِ صَحِيحٌ وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ " وَأَعَادَ بِوَقْتٍ فِي كَحَرُورِيٍّ مَا لَمْ يَكْفُرْ بِبِدْعَتِهِ

". (ص) وَأَلْكَنَ. (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِأَلْكَنَ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ لُكْنَتُهُ فِي الْفَاتِحَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إخْرَاجَ بَعْضِ الْحُرُوفِ مِنْ مَخَارِجِهَا سَوَاءٌ كَانَ لَا يَنْطِقُ بِالْحَرْفِ أَلْبَتَّةَ أَوْ يَنْطِقُ بِهِ مُغَيَّرًا فَيَشْمَلُ التَّمْتَامَ وَهُوَ الَّذِي يَنْطِقُ أَوَّلَ كَلَامِهِ بِتَاءٍ مُكَرَّرَةٍ، وَالْأَرَتَّ وَهُوَ الَّذِي يَجْعَلُ اللَّامَ تَاءً أَوْ مَنْ يُدْغِمُ حَرْفًا فِي حَرْفٍ وَالْأَلْثَغَ بِالْمُثَلَّثَةِ وَهُوَ مَنْ يُحَوِّلُ اللِّسَانَ مِنْ السِّينِ إلَى الثَّاءِ أَوْ مِنْ الرَّاءِ إلَى الْغَيْنِ أَوْ اللَّامِ أَوْ الْيَاءِ أَوْ مِنْ حَرْفٍ إلَى حَرْفٍ أَوْ مَنْ لَا يُتِمُّ رَفْعَ لِسَانِهِ لِثِقَلٍ فِيهِ وَالطِّمْطَامَ مَنْ يُشْبِهُ كَلَامُهُ كَلَامَ الْعَجَمِ وَالْغِمْغَامَ مَنْ لَا يَكَادُ صَوْتُهُ يَنْقَطِعُ بِالْحُرُوفِ وَالْأَخَنَّ وَهُوَ الَّذِي يَشُوبُ صَوْتَ خَيَاشِيمِهِ شَيْءٌ مِنْ الْحَلْقِ وَغَيْرُ ذَلِكَ.
(ص) وَمَحْدُودٍ. (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمَحْدُودَ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ إذَا تَابَ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ بِدَلِيلِ مَا تَقَدَّمَ. (ص) وَعِنِّينٍ. (ش) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَالَةٍ ظَاهِرَةٍ تَقْرُبُ مِنْ الْأُنُوثَةِ بِخِلَافِ الْخِصَاءِ ثُمَّ إنَّ بَعْضَهُمْ فَسَّرَهُ بِالْمُعْتَرَضِ وَهُوَ الَّذِي لَا يَنْتَشِرُ ذَكَرُهُ وَبَعْضُهُمْ بِمَنْ لَهُ ذَكَرٌ صَغِيرٌ وَلَا مَانِعَ مِنْ تَفْسِيرِهِ بِهِمَا. (ص) وَمُجَذَّمٍ إلَّا أَنْ يَشْتَدَّ فَلْيُنَحَّ. (ش) الْجُذَامُ دَاءٌ مَعْرُوفٌ يَأْكُلُ اللَّحْمَ وَقَالَ الْمَوَّاقُ ابْنُ رُشْدٍ إمَامَةُ الْمَجْذُومِ جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ إلَّا أَنْ يَتَفَاحَشَ جُذَامُهُ وَعَلِمَ مِنْ جِيرَانِهِ أَنَّهُمْ يَتَأَذَّوْنَ بِهِ فِي مُخَالَطَتِهِ لَهُمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ الْإِمَامَةِ انْتَهَى. فَقَوْلُهُ " فَيَنْبَغِي إلَخْ " يُفِيدُ عَدَمَ وُجُوبِ تَنَحِّيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بِخِلَافِ لَوْ أَمَّ فِي الْفَرِيضَةِ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ) أَيْ: أَمَّ فِي صَلَاتِنَا خَلْفَهُ الْفَرِيضَةَ وَالْحَالُ أَنَّهُ نَاوٍ النَّافِلَةَ أَيْ: بِأَنْ يَكُونَ مُعِيدًا أَيْ: فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِلْعَوْفِيِّ فِي أَنَّ مَا كَانَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ فَالْعِبْرَةُ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ. (قَوْلُهُ: أَوْ مَسَحَ رِجْلَيْهِ) أَيْ: فِيمَنْ يَرَى أَنَّ مَسْحَ الرِّجْلَيْنِ كَافٍ عَنْ غَسْلِهِمَا وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَثَابَةِ مَسْحِ الشَّافِعِيِّ بَعْضَ رَأْسِهِ فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِلْعَوْفِيِّ فِيمَا يَرْجِعُ لِصِحَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَوْفِيَّ يَقُولُ: مَا يَرْجِعُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ فَالْعِبْرَةُ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ فَإِذَا رَآهُ يَمْسَحُ بَعْضَ رَأْسِهِ فَالصَّلَاةُ خَلْفَهُ صَحِيحَةٌ بِخِلَافِ سَنَدٍ فَإِنَّ الْعِبْرَةَ فِيهِ أَيْضًا بِمَذْهَبِ الْمَأْمُومِ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ لَا مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ أَيْ: فَالشَّافِعِيُّ لَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ لَصَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ مَسْحَ الْكُلِّ سُنَّةٌ.
(قَوْلُهُ: الْعَوْفِيُّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ نِسْبَةٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. (قَوْلُهُ: مِثْلُ الْمُتَدَلِّكِ بِمَنْ لَا يَرَاهُ) أَوْ صَلَّى الْمَالِكِيُّ خَلْفَ الْحَنَفِيِّ الَّذِي لَا يَرْفَعُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ طَرِيقَةَ الْعَوْفِيِّ التَّفْصِيلُ وَقَدْ عَلِمْتهَا. وَطَرِيقَةُ سَنَدٍ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَذْهَبِ الْمَأْمُومِ مُطْلَقًا أَيْ: فِيمَا يَرْجِعُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَمَا يَرْجِعُ لِصِحَّةِ صَلَاةِ الْمُؤْتَمِّ إلَّا أَنَّهُ فِيمَا يَرْجِعُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ فَالْعِبْرَةُ بِالْفِعْلِ دُونَ الِاعْتِقَادِ فَعِنْدَهُ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُنْتَفِلِ وَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِالشَّافِعِيِّ الَّذِي يَمْسَحُ بَعْضَ رَأْسِهِ فَطَرِيقَةُ ابْنِ نَاجِي وَالْقَرَافِيِّ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ مُطْلَقًا أَيْ: فِيمَا يَرْجِعُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَمَا يَرْجِعُ لِصِحَّةِ الِائْتِمَامِ.
(قَوْلُهُ: مُقَابِلًا لِلْمَذْهَبِ) أَيْ: لِلرَّاجِحِ أَيْ: بَلْ هُوَ الْمَذْهَبُ أَيْ: الرَّاجِحُ

. (قَوْلُهُ: التَّمْتَامُ) بِفَتْحَةٍ عَلَى التَّاءِ الْأُولَى كَمَا رَأَيْتُهُ فِي الْقَامُوسِ فِي نُسْخَةٍ يُظَنُّ صِحَّتُهَا. (قَوْلُهُ: وَالْأَرَثَّ) رَأَيْت بِخَطِّهِ بِنُقَطٍ ثَلَاثٍ فَوْقَ الْحَرْفِ الْأَخِيرِ، وَقَوْلُهُ: وَهُوَ الَّذِي يَجْعَلُ اللَّامَ تَاءً وَجَدْت بِخَطِّهِ نُقْطَتَيْنِ فَقَطْ عَلَى قَوْلِهِ " تَاءً " وَكَذَا فِيمَا رَأَيْته فِي بَعْضِ نُسَخِ تت الْكَبِيرِ الَّتِي يُظَنُّ بِهَا الصِّحَّةُ وَرَأَيْت فِي خَطِّ بَعْضِ الشُّيُوخِ " وَالْأَرَتَّ " بِنُقْطَتَيْنِ فَوْقَ الْحَرْفِ الْأَخِيرِ وَكَذَا فِي قَوْلِهِ تَاءً. (قَوْلُهُ: أَوْ مَنْ يُدْغِمُ حَرْفًا فِي حَرْفٍ) إشَارَةٌ لِخِلَافٍ وَكَأَنَّهُ قَالَ: وَقِيلَ هُوَ مَنْ يُدْغِمُ حَرْفًا فِي حَرْفٍ. (قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ حَرْفٍ إلَخْ) مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ. (قَوْلُهُ: وَالطَّمْطَامَ مَنْ يُشْبِهُ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَهُوَ مَنْ يُشْبِهُ. وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ عِبَارَةُ تت؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ هَذِهِ كَلِمَاتٌ يَشْمَلُهَا الْأَلْكَنُ. (قَوْلُهُ: مَنْ يُشْبِهُ كَلَامُهُ كَلَامَ الْعَجَمِ) أَيْ: لِعَدَمِ تَبَيُّنِ الْحُرُوفِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَدَمَ تَمَامِ رَفْعِ اللِّسَانِ مِنْ لَازِمِهِ، شَبَّهَ كَلَامَهُ بِكَلَامِ الْعَجَمِ وَقَوْلُهُ: لَا يَكَادُ يَنْقَطِعُ بِالْحُرُوفِ. اللَّامُ فِي لَا يَكَادُ زَائِدَةٌ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ: مَنْ يَقْرَبُ صَوْتُهُ مِنْ الِانْقِطَاعِ. وَقَوْلُهُ: بِالْحُرُوفِ أَيْ: بِعَدَمِ تَتَابُعِ الْحُرُوفِ وَقَوْلُهُ: يَشُوبُ صَوْتَ خَيَاشِيمِهِ شَيْءٌ إلَخْ أَيْ: فَهُوَ مَنْسُوبٌ لِلْخَيَاشِيمِ وَالْحَلْقِ إلَّا أَنَّ جُلَّهُ مِنْ الْخَيَاشِيمِ وَالْخَيَاشِيمُ عُرُوقٌ فِي بَاطِنِ الْأَنْفِ كَمَا أَفَادَهُ الْقَامُوسُ. (قَوْلُهُ: وَغَيْرَ ذَلِكَ) وَهُوَ الْأَغَنُّ بِالْغَيْنِ وَالنُّونِ وَهُوَ الَّذِي يَشُوبُ صَوْتَهُ شَيْءٌ مِنْ الْخَيَاشِيمِ وَهُوَ سَابِعُهَا، وَالْفَأْفَاءُ وَهُوَ الَّذِي يُكَرِّرُ الْفَاءَ وَالْأَعْجَمِيُّ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَهُوَ الَّذِي لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الضَّادِ وَالظَّاءِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَاللُّكْنَةُ تَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ. (قَوْلُهُ: إنْ تَابَ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ) أَيْ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحُدُودَ لِلزَّجْرِ لَا لِلتَّكْفِيرِ مِنْ الذَّنْبِ فَيَجُوزُ مُطْلَقًا مَعَ أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ ضَعِيفٌ إذْ الرَّاجِحُ أَنَّ الْحُدُودَ جَوَابِرُ فَيَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ أَيْ: بِالْمَحْدُودِ مُطْلَقًا أَيْ: سَوَاءٌ تَابَ مِمَّا حُدَّ فِيهِ أَوْ لَا.

الصفحة 32