كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 2)

بِدُخُولِهَا يُسْتَحَبُّ إيقَاعُهُ بِطَوًى أَنْ مَرَّ بِهَا وَإِلَّا فَمِنْ مِقْدَارِ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَمَّا كَانَ الْغُسْلُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلطَّوَافِ عَلَى الْمَشْهُورِ فَلَا يُؤْمَرُ بِهِ إلَّا مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ الطَّوَافُ لَا حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ وَيُنْدَبُ أَيْضًا الْغُسْلُ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مُتَّصِلًا بِوُقُوفِهِ، وَوَقْتُهُ بَعْدَ الزَّوَالِ مُقَدَّمًا عَلَى الصَّلَاةِ وَيُطْلَبُ بِهِ كُلُّ وَاقِفٍ، وَلَوْ حَائِضًا وَنُفَسَاءَ سَنَدٌ، وَلَوْ اغْتَسَلَ أَوَّلَ النَّهَارِ لَمْ يُجْزِهِ، وَمَا قَرَّرْنَا بِهِ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْغُسْلِ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَلِلْوُقُوفِ مُسْتَحَبٌّ هُوَ الرَّاجِحُ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ح وَدَرَجَ عَلَيْهِ ز فِي تَقْرِيرِ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ وَقِيلَ: كُلٌّ مِنْهُمَا سُنَّةٌ وَدَرَج عَلَيْهِ الشَّارِحُ وتت، وَفِي كَلَامِهِمَا شَيْءٌ، ثُمَّ أَنَّهُ عَلَى كَلَامِهِمَا يَكُونُ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَلِدُخُولِ مَكَّةَ إلَخْ عَطْفًا عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ: وَالسُّنَّةُ غُسْلٌ مُتَّصِلٌ لِلْإِحْرَامِ وَلِدُخُولِ مَكَّةَ إلَخْ وَعَلَى الرَّاجِحِ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى بِالْمَدِينَةِ، هَذَا وَلَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ لِدُخُولِ مَكَّةَ مُسْتَحَبٌّ أَنَّ وُقُوعَهُ بِطَوًى مُسْتَحَبٌّ ثَانٍ فَلَوْ قَالَ وَبِطَوًى بِحَرْفِ الْعَطْفِ لَأَفَادَ هَذَا (ص) وَلُبْسُ إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ (ش) مَعْطُوفٌ عَلَى الْخَبَرِ فِي قَوْلِهِ: وَالسُّنَّةُ غُسْلٌ أَيْ: وَالْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ سُنَّةٌ فَلَا يُنَافِي أَنَّ التَّجَرُّدَ مِنْ الْمَخِيطِ وَاجِبٌ، وَالْإِزَارُ مَا يُشَدُّ بِالْوَسَطِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَرِدَاءٌ، لَا مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْقَامُوسِ الْإِزَارُ الْمِلْحَفَةُ وَيُؤَنَّثُ وَنَعْلَيْنِ عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ كَنِعَالِ التَّكْرُورِ الَّتِي لَهَا عَقِبٌ يَسْتُرُ بَعْضَ الْقَدَمِ وَقَالَ ز الْمُرَادُ بِالنَّعْلَيْنِ الْحَدْوَةُ وَالْمَدَاسُ، وَأَمَّا الزُّرْمُوجَةُ وَالصَّرَارَةُ قَالَ بَعْضُهُمْ وَهِيَ التَّاسُومَةُ فَلَا يَجُوزُ لُبْسُهُمَا إلَّا لِضَرُورَةٍ وَحِينَئِذٍ يَفْتَدِي اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا كَانَ عَرْضُ السَّاتِرِ فِيهَا كَالْقَبْقَابِ كَمَا يَأْتِي.

(ص) وَتَقْلِيدُ هَدْيٍ ثُمَّ إشْعَارُهُ (ش) أَيْ: وَمِنْ السُّنَّةِ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ أَنْ يُقَلِّدَ الْهَدْيَ الَّذِي مَعَهُ تَطَوُّعًا، أَوْ لِمَا مَضَى، وَأَمَّا مَا يَجِبُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَلَا يُقَلَّدُ إلَّا بَعْدَهُ كَمَا قَالَ: وَدَمُ التَّمَتُّعِ يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ، ثُمَّ إشْعَارُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّجْلِيلَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ كَمَا يَأْتِي، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ سُنَنِ الْإِحْرَامِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ حَيْثُ جَعَلَهُ مِنْ سُنَنِهِ، وَقَالَ: إنَّ هَذِهِ سُنَّةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: تَقْلِيدٍ، وَإِشْعَارٍ وَرُكُوعٍ، بَلْ إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْمُؤَلِّفُ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ لِلْمُحْرِمِ تَقْدِيمُ التَّقْلِيدِ عَلَى الْإِشْعَارِ وَتَقْدِيمُهُمَا عَلَى الرُّكُوعِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لَمَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ تَأْخِيرِهِمَا عَنْهُ، قَوْلُهُ: وَتَقْلِيدُ هَدْيٍ أَيْ: مَا شَأْنُهُ التَّقْلِيدُ، وَهُوَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ لَا الْغَنَمُ كَمَا يَأْتِي فَيُحْمَلُ أَوَّلُ كَلَامِهِ عَلَى مَا يُطَابِقُ آخِرَهُ.

(ص) ثُمَّ رَكْعَتَانِ (ش) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ السُّنَّةَ الْإِحْرَامُ عَقِبَ نَفْلٍ وَلِذَا قَالَ (وَالْفَرْضُ مُجْزٍ) وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَلْزَمُهُ مِنْ إيقَاعِهِ بِطَوًى اتِّصَالُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَغْتَسِلَ بِطَوًى وَيَجْلِسَ فِيهَا وَيُجَابُ بِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مِنْ أَرْبَاضِ مَكَّةَ كَمَا فِي بَهْرَامَ أَمْ الْوَسَطِ أَيْ: الْبُيُوتِ الَّتِي خَلَفَ السُّورِ وَشَأْنُ مَنْ كَانَ فِيهَا الدُّخُولُ ظَهَرَ أَنَّ إيقَاعَهُ بِطَوًى يُفِيدُ اتِّصَالَهُ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ) وَمُقَابِلُهُ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُمَا يَغْتَسِلَانِ لِدُخُولِ مَكَّةَ (قَوْلُهُ وَرِدَاءً) يَجْعَلُ عَلَى كَتِفَيْهِ وَلَا يَضُرُّ الْمِئْزَرُ الْفِلْقَتَانِ الْمَخِيطُ سَوَاءٌ وَضَعَهُ عَلَى كَتِفِهِ، أَوْ وَسَطِهِ (قَوْلُهُ: الْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ) أَيْ: فَإِنْ فَعَلَ غَيْرَهَا كَالْتِحَافِهِ بِرِدَاءٍ، أَوْ كِسَاءٍ أَجْزَأَ إلَّا أَنَّهُ خَالَفَ السُّنَّةَ (قَوْلُهُ: فَلَا يُنَافِي أَنَّ التَّجَرُّدَ مِنْ الْمَخِيطِ وَاجِبٌ) فِيهِ أَنَّ الْمُنَاسِبَ لِقَوْلِهِ الْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ أَنْ يَقُولَ: فَلَا يُنَافِي أَنَّ بَعْضَهَا وَاجِبٌ لَكِنَّك لَا تَرَى بَعْضَهَا وَاجِبًا فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ أَيْ: أَنَّ السُّنَّةَ لَيْسَ مَا ذُكِرَ فَلَا يُنَافِي أَنَّ التَّجَرُّدَ وَاجِبٌ ثُمَّ إنَّهُ نَظَرَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ بِأَنَّهَا اصْطِلَاحَاتٌ إذْ يُعَبِّرُونَ عَنْ هَذِهِ الْخِصَالِ بِثَلَاثِ عِبَارَاتٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ وَاجِبَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ وُجُوبُ السُّنَنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ كَذَا فِي التَّوْضِيحِ وَقَوْلُهُ: وَالْمَدَاسُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ عَطْفٌ مُرَادِفٌ (قَوْلُهُ: كَالْقَبْقَابِ) أَيْ:؛ لِأَنَّ سَيْرَهُ عَرِيضٌ فَإِنْ رَقَّ جَازَ لُبْسُهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرَّقِيقَ مَا كَانَ قَدْرَ سَيْرِ النَّعْلِ، وَالْكَثِيرَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ سُنَنِ الْإِحْرَامِ) أَيْ: مُطْلَقًا بَلْ مِنْ سُنَنِ الْإِحْرَامِ لِمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّرْقَانِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَعْنَى خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ حَيْثُ جَعَلَهُ مِنْ سُنَنِهِ بَلْ هُمَا مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ: تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ لِلْمُحْرِمِ إلَخْ) لَيْسَ مُنَافِيًا لِصَدْرِ الْعِبَارَةِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ وَلِذَا قَالَ مُحَشِّي تت لَا خَفَاءَ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ إفَادَةَ حُكْمِ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ بِالنِّسْبَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَأْتِي فِي مَحَلِّهِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ كَيْفَ يَفْعَلُ مَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ وَكَيْفَ يُطْلَبُ فِي حَقِّهِ تَرْتِيبُ الْأُمُورِ الْكَائِنَةِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَمَعْنَى كَلَامِهِ كَمَا قَالَ الْحَطَّابُ يُسَنُّ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ وَكَانَ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يُقَلِّدَهُ بَعْدَ غُسْلِهِ وَتَجْرِيدِهِ ثُمَّ بِشَعْرِهِ ا. هـ.
فَالسُّنَّةُ مُنْصَبَّةٌ بِكَوْنِهِ بَعْدَ الْغُسْلِ وَالتَّجْرِيدِ وَبِكَوْنِ التَّقْلِيدِ قَبْلَ الْإِشْعَارِ وَبِكَوْنِهِمَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ س لَكِنْ يَحْتَاجُ لِمَنْ نَصَّ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ الْمَذْكُورَ سُنَّةٌ كَمَا فَعَلَ الْمُؤَلِّفُ وَقَبِلَهُ شُرَّاحُهُ ا. هـ. الْمُرَادُ مِنْهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ التَّرْتِيبَ مُسْتَحَبٌّ وَأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِيهِ

(قَوْلُهُ وَلِذَا قَالَ وَالْفَرْضُ مُجْزٍ) أَيْ: وَلِأَجْلِ كَوْنِ السُّنَّةِ إيقَاعَهُ عَقِبَ نَفْلٍ، قَالَ: وَالْفَرْضُ مُجْزِئٌ فِي تَحْصِيلِ الْمَطْلُوبِ لَكِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَطْلُوبَ، بَلْ الْمُرَادُ مِنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّ السُّنَّةَ إيقَاعُهُ عَقِبَ مُطْلَقِ صَلَاةٍ وَلَكِنَّ إيقَاعَهُ عَقِبَ نَفْلٍ أَفْضَلُ وَالْفَرْضُ كَافٍ فِي تَحْصِيلِ السُّنَّةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِحْرَامَ بَعْدَ صَلَاةِ النَّفْلِ يَحْصُلُ بِهِ سُنَّةٌ وَفَضِيلَةٌ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْفَرْضِ يَحْصُلُ بِهِ السُّنَّةُ دُونَ الْفَضِيلَةِ، وَانْظُرْ هَلْ الْمُرَادُ بِالْفَرْضِ الْعَيْنِيُّ أَوْ وَلَوْ بِالْعُرُوضِ كَجِنَازَةٍ تَعَيَّنَتْ وَنَذْرِ نَفْلٍ، وَانْظُرْ السُّنَنَ الْمُؤَكَّدَةَ كَالْفَرْضِ الْأَصْلِيِّ أَمْ لَا وَقَوْلُهُ رَكْعَتَانِ أَيْ: فَأَكْثَرُ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ رَكْعَتَانِ وَإِلَّا، فَظَاهِرُهُ أَنَّ السُّنَّةَ رَكْعَتَانِ فَقَطْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ اقْتِصَارٌ عَلَى الْأَقَلِّ وَإِلَّا فَلَيْسَ لِلْإِحْرَامِ صَلَاةٌ تَخُصُّهُ كَمَا قَالَ سَنَدٌ وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ مَشَى عَلَى مَا فَهِمَهُ فِي تَوْضِيحِهِ، وَالنَّصُّ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ مُقَدَّمَتَانِ عَلَى التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ

الصفحة 323