كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 2)

التَّوْضِيحِ أَنَّ أَصْلَ السُّنَّةِ يَحْصُلُ بِالْإِحْرَامِ عَقِبَ الْفَرِيضَةِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ إثْرَ نَافِلَةٍ لِيَكُونَ لِلْإِحْرَامِ صَلَاةٌ تَخُصُّهُ، وَقَالَ: ز، ثُمَّ رَكْعَتَانِ هَذِهِ السُّنَّةُ الثَّالِثَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَمْ يُقَلِّدْ وَلَمْ يُشْعِرْ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ قَلَّدَ وَأَشْعَرَ فَهِيَ السُّنَّةُ الرَّابِعَةُ.

(ص) يُحْرِمُ الرَّاكِبُ إذَا اسْتَوَى وَالْمَاشِي إذَا مَشَى (ش) أَيْ: وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ يُحْرِمُ الرَّاكِبُ إذَا اسْتَوَى عَلَى دَابَّتِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَشْيِ رَاحِلَتِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْمَاشِي إذَا مَشَى وَلَا يَنْتَظِرُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْبَيْدَاءِ، ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ يُحْرِمُ إذَا اسْتَوَى بَيَانٌ لِلْوَقْتِ الَّذِي يُحْرِمُ فِيهِ وَمَا تَقَدَّمَ بَيَانٌ لِمَا يَنْعَقِدُ بِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ الرَّاكِبُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوِيَ وَأَحْرَمَ الْمَاشِي قَبْلَ مَشْيِهِ كَفَاهُ ذَلِكَ.
(ص) وَتَلْبِيَةٌ (ش) السُّنَّةُ مُقَارَنَتُهَا لِلْإِحْرَامِ أَيْ: وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فِي نَفْسِهَا، وَتَجْدِيدُهَا مُسْتَحَبٌّ وَمَعْنَى التَّلْبِيَةِ الْإِجَابَةُ أَيْ: إجَابَةٌ بَعْدَ إجَابَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] فَهَذِهِ إجَابَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالثَّانِيَةُ إجَابَةٌ قَوْله تَعَالَى {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] يُقَالُ: إنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا أَذَّنَ بِالْحَجِّ أَجَابَهُ النَّاسُ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ فَمَنْ أَجَابَهُ مَرَّةً حَجَّ مَرَّةً وَمَنْ زَادَ زَادَ فَالْمَعْنَى: أَجَبْتُك فِي هَذَا كَمَا أَجَبْتُك فِي ذَلِكَ، وَأَوَّلُ مَنْ لَبَّى الْمَلَائِكَةُ، وَكَذَلِكَ أَوَّلُ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ (ص) وَجُدِّدَتْ لِتَغَيُّرِ حَالٍ وَخَلْفَ صَلَاةً (ش) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ تَمَامِ السُّنَّةِ قَالَ بَعْضٌ: وَهُوَ الظَّاهِرُ، أَوْ السُّنَّةُ التَّلْبِيَةُ، وَلَوْ مَرَّةً، وَهُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ لِابْنِ فَرْحُونٍ أَيْ: فَيَكُونُ تَجْدِيدُهَا مُسْتَحَبًّا، بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ: وَيَكْفِي فِيهَا مَرَّةٌ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ، أَوْ التَّجْدِيدُ هُوَ سُنَّةٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ شَاسٍ، وَعَلَيْهِ تَكُونُ التَّلْبِيَةُ مِنْ أَصْلِهَا وَاجِبَةً، وَاللَّامُ فِي " لِتَغَيُّرِ " بِمَعْنَى عِنْدَ كَقِيَامٍ وَنُزُولٍ وَمُلَاقَاةِ رِفَاقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَنَكَّرَ الصَّلَاةَ لِيَشْمَلَ النَّافِلَةَ وَتُكْرَهُ الْإِجَابَةُ بِالتَّلْبِيَةِ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ، وَأَمَّا إجَابَةُ الصَّحَابَةِ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَمِنْ خَصَائِصِهِ.

(ص) ، وَهَلْ لِمَكَّةَ أَوْ لِلطَّوَافِ خِلَافٌ (ش) يَعْنِي: أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا هَلْ يَسْتَمِرُّ يُلَبِّي حَتَّى يَدْخُلَ بُيُوتَ مَكَّةَ فَيَقْطَعَ التَّلْبِيَةَ، فَإِذَا طَافَ وَسَعَى عَاوَدَهَا حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَرُوحُ إلَى مُصَلَّاهَا؟ هَذَا مَذْهَبُ الرِّسَالَةِ وَشَهَرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ أَوَّلًا، يَزَالُ يُلَبِّي حَتَّى يَبْتَدِئَ بِالطَّوَافِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافٌ وَحَمَلْنَا كَلَامَهُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِحَجٍّ احْتِرَازًا مِمَّنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَسَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ بَعْدُ بِقَوْلِهِ: وَمُعْتَمِرُ الْمِيقَاتِ إلَخْ.

(ص) ، وَإِنْ تَرَكْت أَوَّلَهُ فَدَمٌ إنْ طَالَ (ش) يَعْنِي: أَنَّ مَنْ تَرَكَ التَّلْبِيَةَ لَمَّا أَحْرَمَ قَلِيلًا نَاسِيًا لَهَا، ثُمَّ تَذَكَّرَ فَإِنَّهُ يُلَبِّي، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ لَزِمَهُ دَمٌ، وَلَوْ رَجَعَ وَلَبَّى لَا يَسْقُطُ عَنْهُ خِلَافًا لِابْنِ عَتَّابٍ وَابْنِ لُبَابَةَ وَمَفْهُومُ أَوَّلِهِ لَوْ أَتَى بِهَا أَوَّلَهُ، وَلَوْ مَرَّةً عَلَى مَا لِأَبِي الْحَسَنِ، ثُمَّ تَرَكَ لَا دَمَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ تَرَكَتْ أَيْ: عَمْدًا، أَوْ نِسْيَانًا وَمِثْلُ الطُّولِ مَا إذَا تَرَكَهَا جُمْلَةً.
(ص) وَتَوَسَّطَ فِي عُلُوِّ صَوْتِهِ وَفِيهَا (ش) يَعْنِي: أَنَّ الْمُلَبِّي يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَتَوَسَّطَ فِي عُلُوِّ صَوْتِهِ فَلَا يَرْفَعُهُ جِدًّا حَتَّى يَعْقِرَهُ، وَلَا يَخْفِضَهُ حَتَّى لَا يَسْمَعَهُ مَنْ يَلِيهِ، وَكَذَلِكَ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَتَوَسَّط فِي التَّلْبِيَةِ فَلَا يُكْثِرُهَا جِدًّا حَتَّى يَلْحَقَهُ الضَّجَرُ، وَلَا يَتْرُكُهَا جِدًّا حَتَّى يَفُوتَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا وَهُوَ الشَّعِيرَةُ وَهَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا تُسْمِعُ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ يُخَافُ مِنْهُ الْفِتْنَةُ (ص) وَعَاوَدَهَا بَعْدَ سَعْيٍ (ش) أَيْ: وَعَاوَدَ التَّلْبِيَةَ اسْتِحْبَابًا بَعْدَ فَرَاغِ سَعْيٍ أَيْ: وَطَوَافٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ قَلَّدَ وَأَشْعَرَ فَهِيَ السُّنَّةُ الرَّابِعَةُ) مُفَادُهُ أَنَّ التَّقْلِيدَ وَالْإِشْعَارَ كِلَاهُمَا سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ وَمِثْلُ ذَلِكَ عِبَارَةُ بَهْرَامَ حَيْثُ قَالَ: وَهَذِهِ هِيَ السُّنَّةُ الثَّالِثَةُ ثُمَّ مَحَلُّ سُنِّيَّةِ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ إنْ كَانَ وَقْتَ جَوَازٍ وَإِلَّا انْتَظَرَهُ بِالْإِحْرَامِ إلَّا الْخَائِفَ وَالْمُرَاهِقَ فَيَحْرُمُ وَلَا يَرْكَعُهُمَا، وَكَذَا غَيْرُ الْخَائِفِ وَالْمُرَاهِقِ لَا يَرْكَعُهُمَا بِوَقْتِ نَهْيٍ حَالَ إحْرَامِهِ بِهِ

. (قَوْلُهُ يُحْرِمُ الرَّاكِبُ) أَيْ: مُرِيدُ الرُّكُوبِ (قَوْلُهُ: إذَا اسْتَوَى عَلَى دَابَّتِهِ) أَيْ: اسْتَوَى عَلَى دَابَّتِهِ قَائِمَةً لِلسَّيْرِ (قَوْلُهُ: وَالْمَاشِي) أَيْ: مُرِيدُ الْمَشْيِ وَالْمُرَادُ الرَّاجِلُ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ) وَقَالَ الْأَئِمَّةُ عَقِبَ سَلَامِهِ (قَوْلُهُ: إلَى الْبَيْدَاءِ) مَوْضِعٌ بَعْدَ الْحُلَيْفَةِ كَمَا فِي مُحَشِّي تت وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرَّاكِبِ وَالْمَاشِي أَنَّ الرَّاكِبَ لَا يَرْكَبُ دَابَّتَهُ إلَّا لِلسَّيْرِ بِخِلَافِ الرَّاجِلِ قَدْ يَقُومُ لِحَوَائِجِهِ فَشُرُوعُهُ فِي الْمَشْيِ كَاسْتِوَائِهِ عَلَى دَابَّتِهِ (قَوْلُهُ: بَيَانٌ لِلْوَقْتِ الَّذِي يُحْرِمُ فِيهِ) أَيْ: يَقَعُ الْإِحْرَامُ فِيهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْفِعْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَمَا تَقَدَّمَ بَيَانٌ لِمَا يَنْعَقِدُ بِهِ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِعْلِ التَّوَجُّهُ عَلَى الطَّرِيقِ.
(قَوْلُهُ: السُّنَّةُ مُقَارَنَتُهَا) أَيْ: اتِّصَالُهَا أَيْ: حَقِيقَةً فَإِنْ فَصَلَهَا لَمْ يَكُنْ آتِيًا بِالسُّنَّةِ ثُمَّ إنْ كَانَ الْفَصْلُ طَوِيلًا لَزِمَهُ الدَّمُ لِتَرْكِ السُّنَّةِ وَانْضِمَامِ الطُّولِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَلَا دَمَ إذْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ سِوَى تَرْكِ السُّنَّةِ وَيَسِيرِ الْفَصْلِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ دَمًا، وَإِذَا لَزِمَهُ الدَّمُ فِي فَصْلِهَا كَثِيرًا فَأَوْلَى فِي تَرْكِهَا بِالْكُلِّيَّةِ، فَالتَّلْبِيَةُ وَاجِبَةٌ كَمَا أَنَّ قِلَّةَ فَصْلِهَا وَاجِبٌ بِدَلِيلِ لُزُومِ الدَّمِ فِي تَرْكِهَا وَيُلَبِّي الْأَعْجَمِيُّ بِلِسَانِهِ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ (قَوْلُهُ: أَجَبْتُك فِي هَذَا) أَيْ: فِي هَذَا الْحَجِّ كَمَا أَجَبْتُك فِي ذَلِكَ الْمُشَارِ لَهُ الْإِجَابَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ (قَوْلُهُ فَمِنْ خَصَائِصِهِ) فِيهِ نَظَرٌ فَلَيْسَ مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ

. (قَوْلُهُ: وَهَلْ لِمَكَّةَ) قَالَ بَعْضٌ اُنْظُرْ لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ فَقَطَعَهُ لِلصَّلَاةِ وَصَلَّى هَلْ يُلَبِّي بَعْدَ تِلْكَ الصَّلَاةِ أَمْ لَا؟ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ السَّعْيَ وَهُوَ الظَّاهِرُ

(قَوْلُهُ: عَلَى مَا لِأَبِي الْحَسَنِ) وَمُقَابِلُهُ مَا شَهَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ وُجُوبِ الدَّمِ وَمُفَادُ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ اعْتِمَادُ مَا لِشَارِحِنَا، وَأَمَّا لَوْ تَرَكَهَا أَثْنَاءَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ، وَلَوْ أَتَى عِوَضَهَا بِتَسْبِيحٍ، أَوْ نَحْوِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَمٌ بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَهَا جُمْلَةً، أَمَّا لَوْ أَتَى عِوَضَهَا بِمَعْنَاهَا كَإِجَابَةٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ كَالْعَدَمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَا وَإِنَّمَا أَتَى بِلَفْظٍ أَجْنَبِيٍّ قَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِ الزَّرْقَانِيِّ (قَوْلُهُ يَعْنِي أَنَّ الْمُلَبِّي يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَتَوَسَّطَ) الْمُعْتَمَدُ الِاسْتِحْبَابُ كَمَا أَفَادَهُ مُحَشِّي تت (قَوْلُهُ: وَعَاوَدَهَا) اسْتِحْبَابًا الْمُعْتَمَدُ أَنَّ إعَادَتَهَا وَاجِبَةٌ

الصفحة 324