كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 2)

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ بِالْمَسْجِدِ) إلَى أَنَّهُ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ، وَإِنْ كَانَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ مِنًى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكْثُرُ فِيهِمَا فَلَا يَلْزَمُ اشْتِهَارُ الْمُلَبِّي بِذَلِكَ وَأَهْلُ مَكَّةَ فِي التَّلْبِيَةِ كَغَيْرِهِمْ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَسَاجِدِ فَيُسْمِعُ نَفْسَهُ بِهَا، وَمَنْ يَلِيهِ لِئَلَّا يَشْتَهِرَ بِذَلِكَ (ص) لِرَوَاحِ مُصَلَّى عَرَفَةَ (ش) أَيْ:، وَلَا يَزَالُ يُلَبِّي بَعْدَ السَّعْيِ لِرَوَاحِ مُصَلَّى عَرَفَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَيَقْطَعُ، وَلَا يَعُودُ إلَيْهَا عَلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَثَبَتَ عَلَيْهِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: لِوُصُولِهِ أَيْ: لِوُصُولِ مُصَلَّى عَرَفَةَ وَلِلزَّوَالِ أَيْضًا، وَلَا بُدَّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ فَلَوْ وَصَلَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ لَبَّى لِلزَّوَالِ، أَوْ زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ قَبْلَ وُصُولِهِ لَبَّى لِوُصُولِهِ فَيَعْتَبِرُ الْأَقْصَى مِنْهُمَا، وَمُصَلَّى عَرَفَةَ هُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ مَسْجِدُ إبْرَاهِيمَ وَمَسْجِدُ عُرَنَةَ بِالنُّونِ وَمَسْجِدُ نَمِرَةَ فَهِيَ أَسْمَاءٌ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ وَهُوَ الَّذِي عَلَى يَمِينِ الذَّاهِبِ إلَى عَرَفَةَ.

وَلِمَا بَيْنَ مَبْدَأِ التَّلْبِيَةِ لِمُحْرِمِ الْمِيقَاتِ بِحَجٍّ وَمُنْتَهَاهُ بَيْنَ مَبْدَأِ الْمُحْرِمِ بِهِ مِنْ مَكَّةَ لِمُخَالَفَتِهِ لَهُ دُونَ مُنْتَهَاهُ لِمُوَافَقَتِهِ لَهُ فَقَالَ (وَمُحْرِمُ مَكَّةَ يُلَبِّي بِالْمَسْجِدِ) أَيْ: وَمُحْرِمُ مَكَّةَ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ مُقِيمًا بِهَا، وَلَا يَكُونُ إلَّا بِحَجٍّ مُفْرِدًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَمَكَانُهُ لِلْمُقِيمِ مَكَّةُ يُلَبِّي بِالْمَسْجِدِ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ، ثُمَّ هُوَ فِي انْتِهَائِهِ كَمَا سَبَقَ فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ رَوَاحُ مُصَلَّى عَرَفَةَ قَالَ فِيهَا: وَحُكْمُ مَنْ أَفْسَدَ الْحَجَّ فِي قَطْعِ التَّلْبِيَةِ وَغَيْرِهَا حُكْمُ مَنْ لَمْ يُفْسِدْهُ، وَلَمَّا نَوَّعَ مُحْرِمَ الْحَجِّ الْمُتَمَادِي عَلَيْهِ إلَى قِسْمَيْنِ نَوَّعَ مُحْرِمَ الْعُمْرَةِ إلَى قِسْمَيْنِ أَيْضًا بِحَسَبِ طُولِ الْمَسَافَةِ وَقِصَرِهَا فَقَالَ (ص) وَمُعْتَمِرُ الْمِيقَاتِ وَفَائِتُ الْحَجَّ لِلْحَرَمِ (ش) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ: وَمُعْتَمِرُ الْمِيقَاتِ مُدْرِكٌ الْحَجَّ، أَوْ فَائِتٌ الْحَجَّ يُلَبِّي لِلْحَرَمِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا إلَى رُؤْيَةِ الْبُيُوتِ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ، وَفِي هَذَا مِنْ التَّكَلُّفِ مَا لَا يَخْفَى فَلَوْ قَالَ: وَمُعْتَمِرُ الْمِيقَاتِ، وَإِنْ لِفَوَاتِ الْحَجِّ لِلْحَرَمِ لَسَلِمَ مِنْ هَذَا وَشَمِلَ، قَوْلُهُ: وَمُعْتَمِرُ الْمِيقَاتِ الْمُقِيمِ الَّذِي مَعَهُ نَفْسٌ حَيْثُ فَعَلَ مَا يُنْدَبُ لَهُ (ص) وَمِنْ الْجِعْرَانَةِ وَالتَّنْعِيمِ لِلْبُيُوتِ (ش) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَعْنَى أَيْ: وَالْمُعْتَمِرُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَمِنْ الْجِعْرَانَةِ وَالتَّنْعِيمِ فَإِنَّهُ يُلَبِّي إلَى دُخُولِ بُيُوتِ مَكَّةَ لِقُرْبِ الْمَسَافَةِ.

(ص) وَلِلطَّوَافِ الْمَشْيُ وَإِلَّا فَدَمٌ لِقَادِرٍ لَمْ يُعِدْهُ (ش) أَيْ: وَمِنْ سُنَنِ الطَّوَافِ الْمَشْيُ فَلَوْ رَكِبَ، أَوْ حَمَلَ فِي الطَّوَافِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمَشْيِ وَلَمْ يُعِدْهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ دَمًا، وَأَمَّا الْعَاجِزُ لَا دَمَ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ إلَّا أَنْ يُطِيقَ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ بِخِلَافِ الْمُصَلِّي جَالِسًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ فَرْضَهُ بِنَفْسِهِ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ، وَالطَّائِفُ مَحْمُولًا إنَّمَا طَافَ حَامِلُهُ وَلَكِنْ اكْتَفَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ غَايَةُ مَقْدُورِهِ وَالسَّعْيُ كَالطَّوَافِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَ فَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَلِلطَّوَافِ وَالسَّعْيِ الْمَشْيُ إلَخْ لَوَفَّى بِالْمَسْأَلَتَيْنِ قَالَ مَالِكٌ: وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ سَعَى رَاكِبًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَعَادَ سَعْيَهُ إنْ كَانَ قَرِيبًا، وَإِنْ تَبَاعَدَ وَطَالَ أَجْزَأَهُ وَأَهْدَى نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَنَقَلَهُ الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ.

(ص) وَتَقْبِيلُ حَجَرٍ بِفَمٍ أَوَّلَهُ (ش) هَذِهِ هِيَ السُّنَّةُ الثَّانِيَةُ مِنْ سُنَنِ الطَّوَافِ، وَهُوَ تَقْبِيلُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ بِالْفَمِ فِي الشَّوْطِ الْأَوَّلِ وَتَقْبِيلُهُ فِيمَا عَدَاهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكْثُرُ فِيهِمَا) أَيْ: لِكَوْنِهِمَا مَوْضِعَهَا.
(تَنْبِيهٌ) : إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ عَرَفَةَ لَبَّى حَتَّى يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَالَهُ ابْنُ الْجَلَّابِ أَيْ: إذَا أَحْرَمَ مِنْهَا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَأَمَّا مَنْ أَحْرَمَ مِنْهَا قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ يُلَبِّي لِلزَّوَالِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ غَيْرِهَا (قَوْلُهُ: عَلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ) أَيْ: رَجَعَ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ إلَخْ وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ قَبْلَ ذَلِكَ: يَقْطَعُ إذَا رَاحَ إلَى الْمَوْقِفِ وَكَانَ يَقُولُ: يَقْطَعُ إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ

(قَوْلُهُ: وَمُعْتَمِرُ الْمِيقَاتِ مُدْرِكُ الْحَجِّ) حَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ مَنْ كَانَ أَحْرَمَ بِحَجٍّ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْمِيقَاتِ، أَوْ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ فَاتَهُ الْحَجُّ لِمَرَضٍ، أَوْ عَدُوٍّ فَإِنَّهُ يُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ مِنْ الْمِيقَاتِ يُلَبِّي لِلْحَرَمِ، وَلَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ يَخْرُجُ لِلْحِلِّ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ وَيُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ، وَفِي بَعْضِ الْحَوَاشِي قَوْلُهُ وَفَائِتُ الْحَجِّ الْمَعْطُوفُ مَحْذُوفٌ، وَفَائِتٌ بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لَهُ أَيْ: وَمُعْتَمِرٌ فَائِتُ الْحَجِّ وَسَمَّاهُ مُعْتَمِرًا؛ لِأَنَّهُ تَحَلَّلَ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ وَفَائِتُ عَلَى هَذَا صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ، وَأَمَّا جَرُّهُ عَلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمِيقَاتِ فَيَتِمُّ عَلَى أَنَّ الْإِضَافَةَ بَيَانِيَّةٌ وَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ لِمَرَضٍ، أَوْ نَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ أَوَائِلَ الْحَرَمِ.
(قَوْلُهُ:، وَإِنْ لِفَوَاتِ الْحَجِّ) يَقْتَضِي أَنَّ فَوَاتَ الْحَجِّ عِلَّةٌ لِلْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ وَشَمِلَ قَوْلُهُ: إلَخْ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ كَخُرُوجٍ إلَخْ فِي الْمُحَرَّمِ مُطْلَقًا كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ، أَوْ بِعُمْرَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ فَقَطْ (قَوْلُهُ: لِلْبُيُوتِ) الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ يَقْطَعُ إذَا دَخَلَ بُيُوتَ مَكَّةَ، أَوْ الْمَسْجِدَ كُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ (قَوْلُهُ: مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَعْنَى أَيْ: وَالْمُعْتَمِرُ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ مَعْطُوفٍ عَلَى مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ أَيْ: وَالْمُعْتَمِرُ مِنْ الْمِيقَاتِ يُلَبِّي لِلْحَرَمِ، وَالْمُعْتَمِرُ مِنْ الْجِعْرَانَةِ، أَوْ التَّنْعِيمِ يُلَبِّي لِلْحَرَمِ

(قَوْلُهُ: أَيْ: مِنْ سُنَنِ الطَّوَافِ) الرَّاجِحُ أَنَّهُ وَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعِدْهُ) أَيْ: فَإِنْ أَعَادَهُ مَاشِيًا بَعْدَ رُجُوعِهِ لِبَلَدِهِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَيُطْلَبُ بِإِعَادَتِهِ مَاشِيًا، وَلَوْ مَعَ الْبُعْدِ وَلَا يُجْزِئُهُ الدَّمُ وَقَوْلُهُ: وَلِلطَّوَافِ شَامِلٌ لِلْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِلشَّيْخِ أَحْمَدَ فِي تَخْصِيصِ ذَلِكَ بِالْوَاجِبِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَدَمٌ فَخَاصٌّ بِالْوَاجِبِ (قَوْلُهُ: لَوَفَّى بِالْمَسْأَلَتَيْنِ) ، فَلَوْ رَكِبَ فِي السَّعْيِ وَالطَّوَافِ مَعًا فَالظَّاهِرُ أَنَّ عَلَيْهِ هَدْيًا وَاحِدًا لِلتَّدَاخُلِ وَيُحْتَمَلُ هَدْيَانِ قَالَهُ الْحَطَّابُ

(قَوْلُهُ: وَتَقْبِيلُ حَجَرٍ بِفَمٍ أَوَّلَهُ) مِنْ سُنَّتِهِ الطَّهَارَةُ لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْ الطَّوَافِ الْمُشْتَرَطِ فِيهِ الطَّهَارَةُ وَيُسَنُّ اسْتِلَامُ الْيَمَانِيِّ بِيَدِهِ أَوَّلَهُ وَيَضَعُهَا عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ وَيُنْدَبُ تَقْبِيلُ الْحَجَرِ فِيمَا بَعْدَ الْأَوَّلِ، وَلَمْسُ الْيَمَانِيِّ بِيَدِهِ بَعْدَ الْأَوَّلِ وَالْمَسُّ بِالْعُودِ خَاصٌّ بِالْحَجَرِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِلَامِ الْيَمَانِيِّ بِيَدِهِ كَبَّرَ فَقَطْ

الصفحة 325