كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 2)

تُسْتَحَبُّ فِي رَكْعَتَيْ كُلِّ طَوَافٍ بِسُورَةِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ مَعَ الْفَاتِحَةِ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا تُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ بِذَلِكَ فِي رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّتْ الْقِرَاءَةُ بِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى التَّوْحِيدَيْنِ: الْعَمَلِيِّ وَالْعِلْمِيِّ فَإِنَّ السُّورَةَ الْأُولَى اعْتِقَادٌ عَمَلِيٌّ فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: لَا أَعْبُدُ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَالْإِخْلَاصُ اعْتِقَادٌ عِلْمِيٌّ، فَقَوْلُهُ: كَالْإِحْرَامِ تَشْبِيهٌ فِي الْقِرَاءَةِ بِالْكَافِرُونَ فِي الْأُولَى وَبِالْإِخْلَاصِ فِي الثَّانِيَةِ لَا فِي مُطْلَقِ الْقِرَاءَةِ وَذَكَرَ الْكَافِرُونَ بِالْوَاوِ عَلَى الْحِكَايَةِ (ص) وَبِالْمَقَامِ (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إيقَاعُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فِي الْمَقَامِ، وَظَاهِرُهُ دَاخِلُهُ أَيْ: الْبِنَاءُ الْمُحِيطُ بِهِ وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ خَلْفَ الْبِنَاءِ الَّذِي عَلَى الْمَقَامِ، فَإِنَّ الْمَقَامَ هُوَ الْحَجَرُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْجِيمِ أَيْ: الْحَجَرُ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ سَيِّدُنَا إبْرَاهِيمُ حِينَ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلنَّاسِ بِالْحَجِّ وَقَالَ فِي التَّنْبِيهِ، وَفِي سَبَبِ وُقُوفِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الْحَجَرِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَقَفَ عَلَيْهِ حِينَ غَسَلَتْ لَهُ زَوْجَةُ ابْنِهِ رَأْسَهُ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ قَامَ عَلَيْهِ لِبِنَاءِ الْبَيْتِ وَكَانَ إسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ (ص) وَدُعَاءٌ بِالْمُلْتَزِمِ (ش) أَيْ: وَنُدِبَ دُعَاءٌ بِلَا حَدٍّ بِالْمُلْتَزَمِ بَعْدَ الطَّوَافِ وَرَكْعَتَيْهِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْبَابِ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَفِي الْمُوَطَّأِ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ فَيَلْتَزِمُهُ وَيَعْتَنِقُهُ وَاضِعًا صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ عَلَيْهِ بَاسِطًا كَفَّيْهِ كَمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ وَيَقُولُ: رَأَيْت الْمُصْطَفَى يَفْعَلُ كَذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ سَمِعْت مَالِكًا يَسْتَحِبُّ ذَلِكَ مَالِكٌ، وَهُوَ الْمُتَعَوَّذُ أَيْضًا ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ الْمُلْتَزِمُ وَالْمُدَّعَى وَالْمُتَعَوَّذُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَيُسَمَّى الْحَطِيمَ؛ لِأَنَّهُ يُدْعَى فِيهِ عَلَى الظَّالِمِ فَيُحْطَمُ.

(ص) وَاسْتِلَامُ الْحَجَرِ وَالْيَمَانِيِّ بَعْدَ الْأَوَّلِ (ش) أَيْ: وَنُدِبَ فِي كُلِّ طَوَافٍ وَاجِبٍ، أَوْ تَطَوُّعٍ اسْتِلَامُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ أَيْ: تَقْبِيلُهُ وَلَمْسُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ الَّذِي يَتَوَسَّطُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجَرِ - بِفَتْحِ الْحَاءِ - رُكْنَانِ فِي آخِرِ كُلِّ شَوْطٍ بَعْدَ الشَّوْطِ الْأَوَّلِ وَهِيَ الْأَطْوَافُ السِّتَّةُ وَاسْتِلَامُهُمَا فِي الشَّوْطِ الْأَوَّلِ سُنَّةٌ كَمَا تَقَدَّمَ لِلْمُؤَلِّفِ، لَكِنْ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَيُؤْخَذُ الْحُكْمُ فِي الْيَمَانِيِّ مِنْ هُنَا لِنَفْيِهِ عَنْهُ الِاسْتِحْبَابَ فَيَتَعَيَّنُ السُّنِّيَّةُ إذْ لَا يُتَوَهَّمُ الْوُجُوبُ، وَمِنْ اقْتِصَارِهِ عَلَى الرُّكْنَيْنِ يُفْهَمُ عَدَمُ اسْتِلَامِ الشَّامِيِّينَ، وَالتَّكْبِيرُ عِنْدَهُمَا وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ يُكَبِّرُ إذَا حَاذَاهُمَا أَنْكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ بَعْضٌ، لَكِنْ نَقَلَهُ أَبُو الْفَرَجِ فِي حَاوِيهِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى يُقَدَّرُ لِقَوْلِهِ وَاسْتِلَامُ الْحَجَرِ عَامِلٌ أَيْ: وَتَقْبِيلُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَاسْتِلَامُ الْيَمَانِيِّ فِيمَا عَدَا الْأَوَّلَ مُسْتَحَبٌّ وَفِي الشَّوْطِ الْأَوَّلِ سُنَّةٌ.
(ص) وَاقْتِصَارٌ عَلَى تَلْبِيَةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى تَلْبِيَةِ الْمُصْطَفَى وَهِيَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك.
قَالَ مَالِكٌ وَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا أَفْضَلُ وَعَنْهُ كَرَاهَةُ الزِّيَادَةِ وَعَنْهُ إبَاحَتُهَا فَقَدْ زَادَ عُمَرُ لَبَّيْكَ ذَا النَّعْمَاءِ وَالْفَضْلِ الْحَسَنِ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ مَرْهُوبًا مِنْك وَمَرْغُوبًا إلَيْك وَابْنُ عُمَرَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدَيْك لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك.
وَلَبَّيْكَ وَأَخَوَاتُهُ مَصَادِرُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ مُثَنَّاةٌ لَفْظًا مَعْنَاهَا التَّكْثِيرُ وَالتَّكْرِيرُ الدَّائِمُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 4] أَيْ: ارْجِعْهُ دَائِمًا فَلَا تَرَى فِي السَّمَاءِ مَشْقُوقًا؛ لِأَنَّ التَّثْنِيَةَ أَوَّلُ مَرَاتِبِ التَّكْرَارِ فَدَلَّ بِهَا عَلَيْهِ، وَمَذْهَبُ يُونُسَ أَنَّهُ اسْمٌ مُفْرَدٌ قُلِبَتْ أَلْفُهُ يَاءً كَعَلَيْك وَلَدَيْك، وَالْمُخْتَارُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الصفحة 328