كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 2)

كَسْرُ إنَّ عَلَى فَتْحِهَا مِنْ أَنَّ الْحَمْدَ؛ لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ وَإِخْبَارٌ مُسْتَأْنَفٌ، وَالْفَتْحُ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ وَمَعْنَى لَبَّيْكَ الْإِجَابَةُ أَيْ: إجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ، أَوْ اللُّزُومُ وَالْإِقَامَةُ عَلَى الطَّاعَةِ مِنْ لَبَّ بِالْمَكَانِ أَقَامَ بِهِ.

(ص) وَدُخُولُ مَكَّةَ نَهَارًا (ش) قَالَ سَيِّدِي زَرُّوقٌ يُسْتَحَبُّ لِلْآتِي مَكَّةَ أَرْبَعٌ: نُزُولُهُ بِذِي طَوًى، وَهُوَ الْوَادِي الَّذِي تَحْتَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَيُسَمَّى الزَّاهِرُ، وَاغْتِسَالُهُ فِيهِ، وَنُزُولُهُ مَكَّةَ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا، وَمَبِيتُهُ بِالْوَادِي الْمَذْكُورِ فَيَأْتِي مَكَّةَ ضُحًى (ص) وَالْبَيْتُ (ش) مَعْطُوفٌ عَلَى مَكَّةَ أَيْ: وَيُسْتَحَبُّ دُخُولُ الْبَيْتِ لَا وَأَنْ يَأْتِيَ الْبَيْتَ كَمَا فَهِمَهُ الْمَوَّاقُ، وَظَاهِرُهُ جَوَازُ دُخُولِهِ وَلَوْ لَيْلًا، وَإِقْرَارُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمَفَاتِيحَ بِيَدِ مَنْ هِيَ مَعَهُ حَيْثُ اعْتَذَرَ لِلنَّبِيِّ بِقَوْلِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَفْتَحْهَا لَيْلًا لَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَا فِي الْإِسْلَامِ إلَخْ جَبْرٌ وَتَطْيِيبٌ لِخَاطِرِهِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهَةِ دُخُولِهِ لَيْلًا (ص) وَمِنْ كَدَاءٍ لِمَدَنِيٍّ (ش) أَيْ: وَيُسْتَحَبُّ دُخُولُ مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ لِمَنْ أَتَى مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا أَمْ لَا، وَهُوَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: لِمَدَنِيٍّ لَا الْمَدَنِيُّ فَقَطْ وَكَدَاءُ هِيَ الثَّنِيَّةُ أَيْ: الطَّرِيقُ الصُّغْرَى الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ الَّتِي يَهْبِطُ مِنْهَا إلَى الْأَبْطَحِ وَالْمَقْبَرَةُ تَحْتَهَا عَنْ يَسَارِك وَأَنْتَ نَازِلٌ مِنْهَا فَإِذَا نَزَلَتْ أَخَذْت كَمَا أَنْتَ إلَى الْمَسْجِدِ قَالَهُ فِي تَوْضِيحِهِ وَالْمَقْبَرَةُ عَنْ يَسَارِك لَعَلَّهُ فِي الزَّمَنِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَمَّا الْيَوْمُ فَبَعْضُهَا عَلَى الْيَسَارِ وَبَعْضُهَا عَلَى الْيَمِينِ، وَكَدَاءُ بِالْمَدِّ وَفَتْحِ الْكَافِ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ لِمَنْ أَتَى مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ كَدَاءٍ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي دَعَا فِيهِ إبْرَاهِيمُ رَبَّهُ بِأَنْ يَجْعَلَ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ فَقِيلَ لَهُ {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا} [الحج: 27] الْآيَةُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: يَأْتُوك وَلَمْ يَقُلْ يَأْتُونِي (ص) وَالْمَسْجِدُ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ (ش) أَيْ: وَمِمَّا يُسْتَحَبُّ دُخُولُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْآنَ بِبَابِ السَّلَامِ، وَيُسْتَحَبُّ الْخُرُوجُ مِنْهُ مِنْ بَابِ بَنِي سَهْمٍ (ص) وَخُرُوجُهُ مِنْ كُدًى (ش) كُدًى بِضَمِّ الْكَافِ وَالْقَصْرِ وَهِيَ الثَّنِيَّةُ الَّتِي بِأَسْفَلَ مَكَّةَ أَيْ: وَمِمَّا يُسْتَحَبُّ الْخُرُوجُ لِلْمَدَنِيِّ مِنْ مَكَّةَ مِنْ كُدًى فَقَدْ خَرَجَ مِنْهَا النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى الْمَدِينَةِ وَيُعْرَفُ بِبَابِ بَنِي سَهْمٍ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى، وَخُرُوجُهُ يَعْنِي: الْمَدَنِيَّ أَيْضًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَيْضًا مِنْ كُدًى وَهِيَ الثَّنِيَّةُ الْوُسْطَى الَّتِي بِأَسْفَلَ مَكَّةَ مَضْمُومُ الْكَافِ مَنُونٌ مَقْصُورٌ كَمَا ضَبَطَهُ الْجُمْهُورُ.

(ص) وَرُكُوعُهُ لِلطَّوَافِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ قَبْلَ تَنَفُّلِهِ (ش) أَيْ: وَنُدِبَ لِمَنْ طَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ أَنْ يُؤَخِّرَ الرُّكُوعَ لِحِلِّ النَّافِلَةِ بِالْغُرُوبِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ قَبْلَ تَنَفُّلِهِ لِلْمَغْرِبِ فَالِاسْتِحْبَابُ مُنَصَّبٌ عَلَى كَوْنِ الرُّكُوعِ لِلطَّوَافِ قَبْلَ التَّنَفُّلِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَاسْتِحْبَابُهُ مَعْلُومٌ مِنْ كَرَاهَةِ النَّافِلَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ الطَّوَافَ لِلْغُرُوبِ، وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْأَحَبَّ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَ الْعَصْرِ أَنْ يُقِيمَ بِذِي طَوًى حَتَّى يُمْسِي لِيَصِلَ بَيْنَ طَوَافِهِ وَرُكُوعِهِ وَسَعْيِهِ، فَإِنْ دَخَلَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَخِّرَ الطَّوَافَ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَيْ: وَيُصَلِّي الْمَغْرِبَ فَيَرْكَعُ وَيَسْعَى إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَدُخُولُ مَكَّةَ نَهَارًا إلَخْ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ يَشْمَلُ مَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ) فَالْمَعْنَى: أَنَّ الْحَمْدَ لَك عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَمَّا عَلَى الْفَتْحِ فَالْمَعْنَى لَبَّيْكَ لِهَذَا الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: أَيْ إجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ) أَيْ: بَعْدَ إجَابَةٍ هَذَا عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّهَا مُثَنَّاةٌ لَفْظًا وَقَوْلُهُ: أَيْ: إجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ قَالَ عب فَالْإِجَابَةُ الْأُولَى إشَارَةٌ إلَى قَوْله تَعَالَى {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] وَالثَّانِيَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ} [الحج: 27] انْتَهَى. وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَعْنَى أَجَبْنَاك إجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ إنْ كَانَ حَجَّ مَرَّةً وَاحِدَةً وَإِنْ كَانَ حَجَّ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ فِي ثَانِيَتِهِمَا فَمَعْنَاهُ أَجَبْنَاك إجَابَةً وَهِيَ الْآنَ بَعْدَ إجَابَةٍ أَيْ: فِي الْحَجَّةِ الْأُولَى بَعْدَ إجَابَةٍ فِي إجَابَةِ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ بَعْدَ إجَابَةٍ أَيْ: حِينَ قِيلَ {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172] (قَوْلُهُ: اللُّزُومُ) فَمَعْنَى لَبَّيْكَ لَزِمْنَا طَاعَتُك لُزُومًا وَقَوْلُهُ: وَالْإِقَامَةُ فَمَعْنَى لَبَّيْكَ أَقَمْنَا عَلَى طَاعَتِك.

(قَوْلُهُ: وَدُخُولُ مَكَّةَ نَهَارًا) أَيْ: ضُحًى (قَوْلُهُ: مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا) أَيْ: الطَّرِيقِ الْعُلْيَا (قَوْلُهُ: وَالْبَيْتِ) ثُمَّ مُقْتَضَى كَوْنِهِ سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنْ الْحِجْرِ مِنْ الْبَيْتِ أَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ قَدْ أَتَى بِهَذَا الْمُسْتَحَبِّ قَالَهُ الْجِيزِيُّ (قَوْلُهُ: وَمِنْ كَدَاءٍ لِمَدَنِيٍّ) أَيْ: إنْ لَمْ يُؤَدِّ لِزَحْمَةٍ، أَوْ ضِيقٍ، أَوْ أَذِيَّةِ أَحَدٍ وَإِلَّا تَعَيَّنَ تَرْكُ الدُّخُولِ مِنْهُ كَمَا قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ (قَوْلُهُ: لِمَنْ أَتَى مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ) أَيْ: وَلَا يُنْدَبُ لِآتٍ مِنْ غَيْرِهَا، وَإِنْ مَدَنِيًّا (قَوْلُهُ: كَمَا أَنْتَ) أَيْ: عَلَى مَا أَنْتَ أَيْ: عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي) أَقُولُ: تِلْكَ الْعِلَّةُ تَقْتَضِي الدُّخُولَ لِكُلِّ حَاجٍّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ آتِيًا مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِكُلِّ حَاجٍّ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ كَدَاءٍ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ طَرِيقَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي دَعَا فِيهِ إبْرَاهِيمُ رَبَّهُ وَمُفَادُ عج اعْتِمَادُ مَا قَالَهُ الْفَاكِهَانِيُّ.
(فَقَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ يَأْتُوك) أَيْ: يَأْتُوا إلَى مَوْضِعِك وَلَمْ يَقُلْ يَأْتُونِي، فَلَوْ قَالَ يَأْتُونِي لَكَانَ الْمَدَارُ عَلَى الْوُصُولِ لِلْبَيْتِ مِنْ أَيِّ طَرِيقٍ كَانَتْ (قَوْلُهُ وَالْمَسْجِدُ) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي طَرِيقِ الدَّاخِلِ (قَوْلُهُ: وَيُعْرَفُ بِبَابِ بَنِي سَهْمٍ) اُنْظُرْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ نَسَبَهُ أَوَّلًا لِلْمَسْجِدِ ثُمَّ خَالَفَهُ هُنَا فَنَسَبَهُ إلَى بَابِ الْحَارَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ بَابَ بَنِي سَهْمٍ اسْمٌ لِبَابِ الْحَارَّةِ فَقَطْ وَهُوَ بَابُ شُبَيْكَةَ وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ عَلَى قَوْلِهِ: بَابُ بَنِي سَهْمٍ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِبَابِ شُبَيْكَةَ (قَوْلُهُ: وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَيْضًا) أَيْ:؛ لِأَنَّهَا طَرِيقُهُ فَكَأَنَّهَا مِنْ جِهَةِ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَيْضًا (قَوْلُهُ: كَمَا ضَبَطَهُ الْجُمْهُورُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَدَاءَ الْأَوَّلُ مَفْتُوحُ الْكَافِ مَمْدُودٌ مَهْمُوزٌ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِأَنَّهُ عَلَمٌ وَالثَّانِي مَضْمُومُ الْكَافِ مُنَوَّنٌ مَقْصُورُ كَذَا ضَبَطَهُ الْجُمْهُورُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ بَعْضٌ الْعَكْسَ انْتَهَى.
وَفِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ أَنَّ الْأَوَّلَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمَدِّ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مُنَوَّنٌ وَالثَّانِي بِضَمِّ الْكَافِ مُنَوَّنٌ مَقْصُورٌ

(قَوْلُهُ: وَرُكُوعُهُ لِلطَّوَافِ) بَعْدَ الْعَصْرِ حِينَ دُخُولِ مَكَّةَ مُخَالِفٌ الْأَوْلَى مِنْ إقَامَتِهِ لِلْغُرُوبِ بِذِي طَوًى

الصفحة 329