كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 2)

وَيُكْرَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهَا قَبْلَ يَوْمِهَا وَإِلَى عَرَفَةَ قَبْلَ يَوْمِهَا، وَلَوْ بِتَقْدِيمِ الْأَثْقَالِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ بَعْدَ زَوَالِ الثَّامِنِ، وَمَنْ بِهِ أَوْ بِدَابَّتِهِ ضَعْفٌ بِحَيْثُ لَا يُدْرِكُ آخِرَ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ إذَا خَرَجَ بَعْدَ الزَّوَالِ يَخْرُجُ قَبْلَ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يُدْرِكُ بِهَا الظُّهْرَ فِي آخِرِ الْمُخْتَارِ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُهَا إلَى الضَّرُورِيِّ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: قَدْرَ مَا يُدْرِكُ بِهَا الظُّهْرَ وَلَوْ وَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَإِنَّهُ الْأَفْضَلُ لِلْمُسَافِرِينَ وَأَمَّا الْمُقِيمُونَ فَتَجِبُ عَلَيْهِمْ انْتَهَى ابْنُ الْحَاجِبِ فَيُصَلِّي الصَّلَوَاتِ لِوَقْتِهَا قَصْرًا وَيَبِيتُ بِهَا، وَلَا دَمَ فِي تَرْكِهِ، وَهُوَ مَعْنًى، قَوْلُهُ: (وَبَيَاتُهُ بِهَا) لَيْلَةَ عَرَفَةَ وَصَلَاةُ الصُّبْحِ بِهَا.

(ص) وَسَيْرُهُ لِعَرَفَةَ بَعْدَ الطُّلُوعِ وَنُزُولُهُ بِنَمِرَةَ (ش) أَيْ: وَنُدِبَ سَيْرُهُ لِعَرَفَةَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَا يُجَاوِزُ بَطْنَ مُحَسِّرٍ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ عَلَى ثَبِيرٍ؛ لِأَنَّ مُحَسِّرًا فِي حُكْمِ مِنًى، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَدَّمَ الضَّعِيفُ، وَمَنْ بِهِ عِلَّةٌ قَبْلَ الطُّلُوعِ، وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ وَغَيْرِهِ النُّزُولُ بِنَمِرَةَ وَهِيَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ، وَهُوَ مَكَانٌ بِعَرَفَةَ فَيَضْرِبُ الْإِمَامُ خِبَاءً بِهِ، أَوْ قُبَّةً كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(ص) وَخُطْبَتَانِ بَعْدَ الزَّوَالِ (ش) هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَنْدُوبِ قَبْلَهُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْخُطْبَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ خُطَبِ الْحَجِّ وَهِيَ الَّتِي تَقَعُ يَوْمَ عَرَفَةَ بِمَسْجِدِهَا تَكُونُ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا قَبْلَهُ يَجْلِسُ فِي وَسَطِهَا يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهَا صَلَاتَهُمْ بِعَرَفَةَ وَوُقُوفَهُمْ بِهَا وَمَبِيتَهُمْ بِمُزْدَلِفَةَ وَجَمْعَهُمْ بِهَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَوُقُوفَهُمْ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَإِسْرَاعَهُمْ بِوَادِي مُحَسِّرٍ وَرَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَالْحَلْقَ وَالتَّقْصِيرَ وَالنَّحْرَ وَالذَّبْحَ وَطَوَافَ الْإِفَاضَةِ فَلَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَصَلَّى بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ ابْنُ عَرَفَةَ.
لَوْ صَلَّى بِغَيْرِ خُطْبَةٍ أَجْزَأَ أَبُو عِمْرَانَ إجْمَاعًا فَقَوْلُهُ وَخُطْبَتَانِ أَيْ: خُطْبَتَانِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا - وَالْخُطْبَةُ الثَّالِثَةُ لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُؤَلِّفُ وَلَعَلَّهُ لِتَرْكِ النَّاسِ الْيَوْمَ لَهَا فِي الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ بَعْدَ الظُّهْرِ -: وَاحِدَةٌ يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا حُكْمَ مَبِيتِهِمْ بِمِنًى وَكَيْفِيَّةَ الرَّمْيِ وَمَا يَلْزَمُ بِتَرْكِهِ، أَوْ بَعْضِهِ، وَحُكْمَ التَّعْجِيلِ وَالتَّأْخِيرِ، وَتَعْجِيلَ الْإِفَاضَةِ وَالتَّوْسِعَةَ فِي تَأْخِيرِهِ، وَطَوَافَ الْوَدَاعِ وَنَحْوَ ذَلِكَ،
(ص) ثُمَّ أُذِّنَ (ش) أَيْ: ثُمَّ بَعْدَ الْخُطْبَتَيْنِ أُذِّنَ لَا عِنْدَ جُلُوسِهِ، وَلَا قَبْلَهَا، وَلَا فِيهَا، أَوْ بَعْدَهَا، وَلَا فِي آخِرِهَا بِحَيْثُ يَفْرُغُ مِنْهُ مَعَ فَرَاغِ الْخُطْبَةِ خِلَافًا لِزَاعِمِي ذَلِكَ وَيُقِيمُ وَالْإِمَامُ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ.

(ص) وَجَمْعٌ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ أَثَرَ الزَّوَالِ (ش) أَيْ: ثُمَّ إذَا أُذِّنَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ أَيْ: الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ جَمْعَ تَقْدِيمٍ بِأَذَانٍ ثَانٍ وَإِقَامَةٍ لِلْعَصْرِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي الْجَلَّابِ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ وَقِيلَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ الْمَوَّازِ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ تَرْكُ جَمْعِ الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ وَيُصَلِّي الظُّهْرَ، وَلَوْ وَافَقَ جُمُعَةً انْتَهَى.
قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ جَمَعَ الرَّشِيدُ مَالِكًا وَأَبَا يُوسُفَ فَسَأَلَهُ أَبُو يُوسُفَ عَنْ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ بِعَرَفَةَ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُصَلِّهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ قَدْ صَلَّاهَا؛ لِأَنَّهُ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ وَصَلَّى بَعْدَهُمَا رَكْعَتَيْنِ وَهَذِهِ جُمُعَةٌ فَقَالَ مَالِكٌ أَجَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ كَمَا يَجْهَرُ بِالْجُمُعَةِ؟ فَسَكَتَ أَبُو يُوسُفَ وَسَلَّمَ، وَفِي عِبَارَةٍ أُخْرَى، وَفِي تَغْيِيرِ الْمُؤَلِّفِ الْأُسْلُوبَ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ أُذِّنَ وَجَمَعَ إلَخْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ حُكْمَ الْأَذَانِ وَالْجَمْعِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ الْحُكْمُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا السُّنِّيَّةُ لَا الِاسْتِحْبَابُ (ص) وَدُعَاءٌ وَتَضَرُّعٌ لِلْغُرُوبِ (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ بِعَرَفَةَ فَإِنَّهُ يَقِفُ لِلدُّعَاءِ بِهَا رَاكِبًا وَالْمَاشِي وَاقِفًا وَلِلتَّسْبِيحِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهَا) إلَى آخِرِ يَوْمِ مِنًى الثَّامِنِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمُ عَرَفَةَ هُوَ التَّاسِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَيُكْرَهُ الْخُرُوجُ لِكُلٍّ قَبْلَ يَوْمِهِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمُقِيمُونَ) الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَجَّ (قَوْلُهُ: لَيْلَةَ عَرَفَةَ) أَرَادَ بِهَا لَيْلَةَ التَّاسِعِ

(قَوْلُهُ: عَلَى ثَبِيرٍ) بِوَزْنِ أَمِيرٍ اسْمُ جَبَلٍ (قَوْلُهُ: خِبَاءً) الْخِبَاءُ مَا يُعْمَلُ مِنْ وَبَرٍ، أَوْ صُوفٍ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ شَعْرٍ، وَالْجَمْعُ أَخْبِيَةٌ بِغَيْرِ هَمْزٍ مِثْلُ كِسَاءٍ وَأَكْسِيَةٍ، وَيَكُونُ عَلَى عَمُودَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ فَهُوَ بَيْتٌ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ (قَوْلُهُ: أَوْ قُبَّةً) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْقُبَّةُ مِنْ الْبُنَيَّانِ مَعْرُوفَةٌ وَتُطْلَقُ عَلَى الْبَيْتِ الْمُدَوَّرِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ التُّرْكُمَانِ وَالْأَكْرَادِ وَالْجَمْعُ قِبَابٌ مِثْلُ بُرْمَةٍ وَبِرَامٍ أَفَادَهُ فِي الْمِصْبَاحِ وَلَكِنَّ الْمُرَادَ هُنَا مَا قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ الْقُبَّةَ مِنْ الْخِيَامِ بَيْتٌ صَغِيرٌ (قَوْلُهُ: كَمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) رَاجِعٌ لِلْقُبَّةِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ مُسْلِمٍ

(قَوْلُهُ وَخُطْبَتَانِ بَعْدَ الزَّوَالِ) الرَّاجِحُ السُّنِّيَّةُ (قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ يَكُونُ بَعْدَ الزَّوَالِ) وَمُقَابِلُهُ مَا حَكَاهُ التُّونُسِيُّ مِنْ الْإِجْزَاءِ إنْ وَقَعَتْ الْخُطْبَةُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالصَّلَاةُ بَعْدَهُ وَمَا فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مِنْ أَنَّهُ يَخْطُبُ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ بِيَسِيرٍ (قَوْلُهُ: ثُمَّ أُذِّنَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ: وَلَا قَبْلَهَا) هُوَ عَيْنُ قَوْلِهِ: عِنْدَ جُلُوسِهِ فَقَدْ نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْأَذَانَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ فِي حَالِ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ كَالْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا فِيهَا، أَوْ بَعْدَهَا) ، أَوْ لِلتَّخْيِيرِ أَشَارَ لَهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إنْ شَاءَ أَذَّنَ فِي الْخُطْبَةِ، أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهَا وَقَوْلُهُ: وَلَا فِي آخِرِهَا إشَارَةٌ إلَى مَا حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ فِي آخِرِ الْخُطْبَةِ حَتَّى يَكُونَ فَرَاغُهُ مِنْ الْأَذَانِ مَعَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الْخُطْبَةِ (قَوْلُهُ وَيُقِيمُ وَالْإِمَامُ جَالِسٌ) أَيْ: وَيُقِيمُ وَالْإِمَامُ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ كَالْأَذَانِ بَعْدَ خُطْبَتِهِ

(قَوْلُهُ: وَجَمَعَ) جَمْعَ تَقْدِيمٍ مِنْ غَيْرِ نَفْلٍ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَمْنَعْهُ (قَوْلُهُ: إثْرَ الزَّوَالِ) أَيْ: بَعْدَهُ وَالْإِتْيَانُ بِثُمَّ يَدُلُّ عَلَى تَأْخِيرِ الْأَذَانِ مَعَ الْجَمْعِ عَلَى الْخُطْبَتَيْنِ وَأَظْهَرُ مِنْهُ أَنْ لَوْ قَالَ إثْرَ الزَّوَالِ فَإِنْ فَاتَهُ الْجَمْعُ مَعَ الْإِمَامِ جَمَعَهُمَا وَحْدَهُ فَإِنَّهُ تَرَكَهُ جُمْلَةً فَعَلَيْهِ دَمٌ كَمَا فِي اللُّمَعِ.
قَالَ الْبَدْرُ يُسْتَغْرَبُ الدَّمُ فِي تَرْكِ سُنَّةٍ فَلَعَلَّهُ ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ) أَيْ: وَالْإِقَامَةُ مُتَعَدِّدَةٌ فِي كُلِّ حَالٍ أَيْ: فَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلدُّعَاءِ (قَوْلُهُ وَتَضَرُّعٌ) أَرَادَ بِهِ إظْهَارَ شِدَّةِ الرَّغْبَةِ فِي طَلَبِ الْإِجَابَةِ بِأَنْ يَدْعُوَ بِتَلَهُّفٍ وَيُظْهِرُ الْكَرْبَ وَالْحَاجَةَ وَالْفَاقَةَ وَالذُّلَّ وَالِافْتِقَارَ لَا عَلَى وَجْهِ التَّرَفُّهِ، أَوْ الْكَسَلِ، أَوْ الْأَنَفَةِ وَالْعَظَمَةِ

الصفحة 331