كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 2)

وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَلِلصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُتَضَرِّعًا إلَى الْغُرُوبِ، ثُمَّ دَفَعَ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ هَكَذَا فَعَلَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ» (ص) وَوُقُوفُهُ بِوُضُوءٍ وَرُكُوبُهُ بِهِ ثُمَّ قِيَامٌ إلَّا لِتَعَبٍ (ش) أَيْ: وَمِمَّا يُنْدَبُ: وُقُوفُهُ عَلَى وُضُوءٍ لِيَكُونَ عَلَى أَكْمَلِ الْحَالَاتِ، وَرُكُوبُهُ بِهِ لِوُقُوفِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَذَلِكَ وَلِكَوْنِهِ أَعْوَنَ عَلَى مُوَاصَلَةِ الدُّعَاءِ وَأَقْوَى عَلَى الطَّاعَةِ، وَيُحْمَلُ النَّهْيُ عَنْ اتِّخَاذِ ظُهُورِ الدَّوَابِّ كَرَاسِيَّ عَلَى مَا إذَا حَصَلَ لِلدَّابَّةِ مَشَقَّةٌ وَلِذَلِكَ لَوْ حَصَلَ لَهَا ضَرَرٌ، أَوْ عَدِمَتْ اُسْتُحِبَّ الْقِيَامُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَقْدَامِ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ.

(ص) وَصَلَاتُهُ بِمُزْدَلِفَةَ الْعِشَاءَيْنِ (ش) قَالَ فِيهَا، وَمَنْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَلَمْ يَكُنْ بِهِ عِلَّةٌ، وَلَا بِدَابَّتِهِ، وَهُوَ يَسِيرُ بِسَيْرِ النَّاسِ فَلَا يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ إلَّا بِالْمُزْدَلِفَةِ، فَإِنْ صَلَّى قَبْلَهَا أَعَادَ إذَا أَتَاهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «الصَّلَاةُ أَمَامَك» قِيلَ لِمَالِكٍ، فَإِنْ أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ قَبْلَ الشَّفَقِ قَالَ هَذَا مِمَّا لَا أَظُنُّهُ يَكُونُ، وَلَوْ كَانَ مَا أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ انْتَهَى وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ حَبِيبٍ لَا يُصَلِّي حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ انْتَهَى.
وَلَا يَشْتَغِلُ قَبْلَ الصَّلَاةِ بِشَيْءٍ، وَلَوْ شَيْئًا خَفِيفًا، ثُمَّ إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ صَلَاتَهُ بِمُزْدَلِفَةَ مُسْتَحَبَّةٌ مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّهُ سُنَّةٌ لَا يُقَالُ إنَّمَا حُكِمَ بِالنَّدْبِ عَلَى صَلَاتِهِمَا بِالْمُزْدَلِفَةِ غَيْرَ مَجْمُوعَتَيْنِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ جَمْعَهُمَا سُنَّةٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ صَلَاتُهُمَا غَيْرَ مَجْمُوعَتَيْنِ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا، وَلَا يَكُونُ مَنْدُوبًا وَهَذَا إذَا وَقَفَ مَعَ الْإِمَامِ وَسَارَ مَعَ النَّاسِ، أَوْ لَمْ يَسِرْ مَعَهُمْ لِغَيْرِ عَجْزٍ فَإِنْ لَمْ يَقِفْ مَعَهُ بِأَنْ لَمْ يَقِفْ أَصْلًا، أَوْ وَقَفَ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجْمَعُ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَلَا بِغَيْرِهَا وَيُصَلِّي كُلَّ صَلَاةٍ لِوَقْتِهَا بِمَنْزِلَةِ غَيْرِ الْحَاجِّ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنْ وَقَفَ مَعَ الْإِمَامِ وَتَأَخَّرَ عَنْ السَّيْرِ مَعَ النَّاسِ لِعَجْزِهِ صَلَّاهُمَا بَعْدَ الشَّفَقِ أَيْ: فِي أَيِّ مَحَلٍّ أَرَادَ وَسَيَأْتِي.

(ص) وَبَيَاتُهُ بِهَا (ش) يَعْنِي: وَمِمَّا يُسْتَحَبُّ الْمَبِيتُ بِالْمُزْدَلِفَةِ، فَإِنْ تَرَكَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا النُّزُولُ بِهَا فَهُوَ وَاجِبٌ إنْ تَرَكَهُ لَزِمَهُ الدَّمُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ فَالدَّمُ) قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي مَنْسَكِهِ: وَالظَّاهِرُ لَا يَكْفِي فِي النُّزُولِ إنَاخَةُ الْبَعِيرِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ حَطِّ الرِّحَالِ قَالَ ح وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَحْصُلْ لُبْثٌ، أَمَّا إنْ حَصَلَ، وَلَوْ لَمْ تُحَطُّ الرِّحَالُ أَيْ: بِالْفِعْلِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَافٍ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ فَيَنْزِلُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَعَشَّوْنَ وَيَلْقُطُونَ الْجِمَارَ وَيَنَامُونَ سَاعَةً وَشَقَادِفُهُمْ عَلَى الدَّوَابِّ، نَعَمْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ انْتَهَى.
وَمَنْ تَرَكَ النُّزُولَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ لَزِمَهُ الدَّمُ وَمَنْ تَرَكَهُ لِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَاءَ بَعْدَ الشَّمْسِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهِمَا كَمَا هُوَ حَاصِلُ كَلَامِ سَنَدٍ، فَقَوْلُهُ: وَبَيَاتُهُ بِهَا أَيْ: الْقَدْرُ الزَّائِدُ عَلَى الْوَاجِبِ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّ النُّزُولَ بِقَدْرِ مَا تُحَطُّ الرِّحَالُ وَاجِبٌ، سَوَاءٌ حُطَّتْ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا.

(ص) وَجَمَعَ وَقَصَرَ إلَّا أَهْلَهَا (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ يُسَنُّ لِكُلِّ حَالٍّ بِمُزْدَلِفَةَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَصَلَاةِ الْعِشَاءِ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ، وَلَوْ مِنْ أَهْلِهَا وَيَقْصُرُ الْعِشَاءَ فَقَطْ لِلسُّنَّةِ إذْ لَيْسَ هُنَاكَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ وَنَحْوِهِ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ قَصْرِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ قَالَ: إلَّا كَمَكِّيٍّ فِي خُرُوجِهِ لِعَرَفَةَ وَرُجُوعِهِ فَمَا هُنَا تَكْرَارٌ مَعَهُ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ إلَّا أَهْلَهَا رَاجِعٌ لِلْقَصْرِ فَقَطْ أَيْ: وَقَصْرٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ مُزْدَلِفَةَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الْعِشَاءَ (ص) كَمِنًى وَعَرَفَةَ (ش) أَيْ: كَحَالٍّ فِي مِنًى
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ) أَيْ: الدُّعَاءُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ أَيَّ دُعَاءٍ كَانَ، أَوْ الدُّعَاءُ الْمَنْسُوبُ لِيَوْمِ عَرَفَةَ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ شب بِقَوْلِهِ: وَيَبْدَأُ دُعَاءَهُ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَدْعُو بِأَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا مِنْ أَلْفَاظِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَقَوْلِهِ تَعَالَى {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة: 200] {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه: 25] {وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} [طه: 26] {رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114] {رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} [المؤمنون: 29] {رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [المؤمنون: 94] إلَخْ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ شب وَالْأَوَّلُ أَوْلَى (قَوْلُهُ: وَوُقُوفُهُ بِوُضُوءٍ) أَيْ: حُضُورُهُ (قَوْلُهُ: بِهِ) أَيْ: فِيهِ أَيْ: الْوُقُوفِ (قَوْلُهُ: قِيَامٌ) أَيْ: لِلرِّجَالِ فَقَطْ وَكُرِهَ لِلنِّسَاءِ (قَوْلُهُ: إلَّا لِتَعَبٍ) مِنْ قِيَامٍ، أَوْ لِدَابَّةٍ، أَوْ مِنْ رُكُوبِهَا، أَوْ مِنْ وُضُوءٍ فَيَكُونُ عَدَمُ ذَلِكَ أَفْضَلُ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ (قَوْلُهُ: وَيُحْمَلُ النَّهْيُ) أَيْ: وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَتَّخِذُوا ظُهُورَ الدَّوَابِّ كَرَاسِيَّ»

(قَوْلُهُ: بِمُزْدَلِفَةَ) سُمِّيَتْ مُزْدَلِفَةَ مِنْ الِازْدِلَافِ وَهُوَ التَّقَرُّبُ؛ لِأَنَّ الْحُجَّاجَ إذَا أَفَاضُوا مِنْ عَرَفَاتٍ ازْدَلَفُوا إلَيْهَا أَيْ: تَقَرَّبُوا وَمَضَوْا إلَيْهَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَأَيْضًا جَمْعٌ لِاجْتِمَاعِ آدَمَ وَحَوَّاءَ فِيهَا وَقِيلَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا، مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ.
(قَوْلُهُ قَالَ فِيهَا، وَمَنْ دَفَعَ إلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ لَا تُفِيدُ أَنَّ الْمُكْثَ بِعَرَفَةَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مَطْلُوبٌ مَعَ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ فَلْيُحْمَلْ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى وَمَنْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ أَيْ: وَمَكَثَ بَعْضَ الْمُكْثِ

(قَوْلُهُ: وَبَيَاتُهُ بِهَا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ هُوَ الْإِقَامَةُ لَيْلًا، سَوَاءٌ نَامَ أَمْ لَا (قَوْلُهُ وَلَوْ جَاءَ) مُبَالَغَةٌ فِي قَوْلِهِ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ لَزِمَهُ دَمٌ وَلِقَوْلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ

(قَوْلُهُ وَجَمَعَ وَقَصَّرَ) فِعْلَانِ مَاضِيَانِ يُفِيدُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ سُنَّةٌ وَهَذَا كَالتَّفْسِيرِ لِقَوْلِهِ وَصَلَاتُهُ بِمُزْدَلِفَةَ الْعِشَاءَيْنِ وَإِنْ كَانَ جَعَلَهُ لَهُ كَالتَّفْسِيرِ يُفِيدُ أَنْ يُقْرَأَ كُلٌّ مِنْ اللَّفْظَيْنِ اسْمًا وَيُعْطَفُ عَلَى الْمَنْدُوبِ كَمَا فَعَلَ تت، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سُنَّةٌ (قَوْلُهُ: أَيْ: كَحَالٍّ فِي مِنًى) حَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ مَنْ كَانَ حَالًّا بِمِنًى فَيُسَنُّ فِي حَقِّهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَبَيْنَ الظُّهْرَيْنِ مُطْلَقًا كَانَ مِنْ أَهْلِهَا أَمْ لَا، وَالْحَالُّ فِي عَرَفَةَ كَذَلِكَ وَالْحَالُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ هُوَ الْجَمْعُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَالْجَمْعُ بَيْنَ

الصفحة 332