كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 2)

يَجْمَعُ الظُّهْرَيْنِ وَالْعِشَاءَيْنِ مُطْلَقًا وَيَقْصُرُ إلَّا أَهْلَهَا، وَالْحَالُّ فِي عَرَفَةَ كَذَلِكَ يَجْمَعُ مُطْلَقًا وَيَقْصُرُ إلَّا أَهْلَهَا، وَلَمَّا كَانَ الْجَمْعُ بِمُزْدَلِفَةَ خَاصًّا بِمَنْ دَفَعَ بِدَفْعِ الْإِمَامِ مِنْ عَرَفَةَ، وَهُوَ يَسِيرُ بِسَيْرِ النَّاسِ، أَمَّا مَنْ بِهِ أَوْ بِدَابَّتِهِ عِلَّةٌ فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (ص) ، وَإِنْ عَجَزَ فَبَعْدَ الشَّفَقِ إنْ نَفَرَ مَعَ الْإِمَامِ (ش) أَيْ: وَإِنْ عَجَزَ عَنْ لَحَاقِ النَّاسِ بِالسَّيْرِ بَعْدَ وُقُوفِهِ مَعَهُمْ فَيَجْمَعُ بَعْدَ الشَّفَقِ فِي أَيِّ مَحَلٍّ إنْ وَقَفَ وَنَفَرَ مَعَ الْإِمَامِ، فَقَوْلُهُ: إنْ نَفَرَ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ إنْ وَقَفَ، وَكَذَا فِي الْمَنَاسِكِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَمَنْ لَمْ يَقِفْ مَعَهُ صَلَّى كُلَّ صَلَاةٍ لِوَقْتِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (ص) وَإِلَّا فَكُلٌّ لِوَقْتِهِ (ش) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَقِفْ مَعَ الْإِمَامِ بِعَرَفَةَ، بَلْ وَقَفَ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجْمَعُ، بَلْ يُصَلِّي كُلَّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ إنَّمَا شُرِعَ لِمَنْ وَقَفَ مَعَ الْإِمَامِ (ص) ، وَإِنْ قُدِّمَتَا عَلَيْهِ أَعَادَهُمَا (ش) الضَّمِيرُ فِي عَلَيْهِ يَرْجِعُ لِلشَّفَقِ، أَوْ لِمَحَلِّ الْجَمْعِ أَيْ: وَإِنْ قَدَّمَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ عَلَى الشَّفَقِ كَانَ عَاجِزًا أَمْ لَا وَقَفَ مَعَ الْإِمَامِ أَمْ لَا نَفَرَ مَعَهُ أَمْ لَا أَعَادَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بَعْدَ الشَّفَقِ لَكِنَّ إعَادَةَ الْمَغْرِبِ اسْتِحْبَابًا فِي الْوَقْتِ وَالْعِشَاءِ وُجُوبًا أَبَدًا لِوُقُوعِهَا قَبْلَ وَقْتِهَا أَوْ، وَإِنْ قَدَّمَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ عَلَى مَحَلِّ الْجَمْعِ، وَهُوَ الْمُزْدَلِفَةُ مَنْ يَجْمَعُ فِيهِ، وَهُوَ مَنْ نَفَرَ مَعَ الْإِمَامِ، وَلَا عَجْزَ بِهِ أَعَادَهُمَا اسْتِحْبَابًا فِيهِمَا لِمُخَالَفَتِهِ لِلسُّنَّةِ فِي حَقِّهِ.

(ص) وَارْتِحَالُهُ بَعْدَ الصُّبْحِ مُغَلِّسًا (ش) أَيْ: وَنُدِبَ ارْتِحَالُهُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ أَوَّلَ وَقْتِهَا فَالْمُرَادُ بِالصُّبْحِ صَلَاتُهُ وَمُغَلِّسًا حَالٌ مِنْهُ، وَلَيْسَ مَفْعُولَ ارْتِحَالِهِ (ص) وَوُقُوفُهُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ يُكَبِّرُ وَيَدْعُو لِلْإِسْفَارِ، وَاسْتِقْبَالُهُ بِهِ (ش) أَيْ: يَرْتَحِلُ قَبْلَ الْوُضُوءِ لِيَأْتِيَ الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، وَهُوَ فِي الْمُزْدَلِفَةِ فَيَسْتَمِرُّ وَاقِفًا بِهِ مُسْتَقْبِلًا بِالدُّعَاءِ وَبِالتَّهْلِيلِ وَبِالتَّحْمِيدِ وَبِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالتَّذَلُّلِ وَالْخُضُوعِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي عَرَفَةَ إلَى الْإِسْفَارِ الْأَعْلَى، وَهُوَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَالْمَشْعَرُ عَنْ يَسَارِهِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ بِالدُّعَاءِ رَفْعًا خَفِيفًا وَالْمَشْعَرُ بِفَتْحِ الْمِيمِ أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا، وَهُوَ مَا بَيْنَ جَبَلَيْ الْمُزْدَلِفَةِ وَقُزَحٍ بِقَافٍ مَضْمُومَةٍ فَزَايٍ مَفْتُوحَةٍ فَمُهْمَلَةٍ سُمِّيَ مَشْعَرًا لِمَا فِيهِ مِنْ الشَّعَائِرِ وَهِيَ مَعَالِمُ الدِّينِ وَالطَّاعَةِ وَمَعْنَى الْحَرَامِ الْمُحَرَّمُ أَيْ: الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ الصَّيْدُ وَغَيْرُهُ فَإِنَّهُ مِنْ الْحَرَمِ (ص) ، وَلَا وُقُوفَ بَعْدَهُ (ش) أَيْ: وَلَا وُقُوفَ مَشْرُوعٌ بَعْدَ الْإِسْفَارِ الْأَعْلَى كَمَا فِي الْجَلَّابِ لِمُخَالَفَةِ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقِفُونَ لِطُلُوعِ الشَّمْسِ ابْنُ الْقَاسِمِ، فَإِنْ أَخَّرَ عَنْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَيَحْتَمِلُ كَمَا فِي الشَّارِحِ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلْإِمَامِ أَيْ: وَلَا وُقُوفَ بَعْدَ الْإِمَامِ، وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ الْأَوَّلِ إذْ نَفْيُ الْوُقُوفِ بَعْدَ الْإِسْفَارِ مُسْتَفَادٌ مِنْ جَعْلِ الْإِسْفَارِ غَايَةً لِلْوُقُوفِ (ص) ، وَلَا قَبْلَ الصُّبْحِ (ش) أَيْ: وَلَا وُقُوفَ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَقِفْ.

(ص) وَإِسْرَاعٌ بِبَطْنِ مُحَسِّرٍ (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْإِسْرَاعُ فِي بَطْنِ وَادِي مُحَسِّرٍ لِلسُّنَّةِ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ، وَهُوَ وَادٍ بَيْنَ الْمُزْدَلِفَةِ وَمِنًى قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ لَيْسَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ، وَهُوَ بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ، ثُمَّ حَاءٍ مَفْتُوحَةٍ، ثُمَّ سِينٍ مُشَدَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ، ثُمَّ رَاءٍ مُهْمَلَةٍ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِحَسْرِ فِيلِ أَصْحَابِ الْفِيلِ فِيهِ أَيْ: إعْيَائِهِ وَقِيلَ نَزَلَ فِيهِ عَلَيْهِمْ الْعَذَابُ.

(ص) وَرَمْيُهُ الْعَقَبَةَ حِينَ وُصُولِهِ (ش) أَيْ: وَنُدِبَ حِينَ وُصُولِهِ إلَى مِنًى قَبْلَ حَطِّ رَحْلِهِ رَمْيُ جَمْرَةٍ فَالِاسْتِحْبَابُ مُنْصَبٌّ عَلَى الرَّمْيِ حِينَ الْوُصُولِ؛ لِأَنَّهَا تَحِيَّةُ الْحَرَمِ، وَأَمَّا رَمْيُهَا فِي نَفْسِهَا فَوَاجِبٌ وَبَالَغَ عَلَى تَعْجِيلِ رَمْيِهَا بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ رَاكِبًا) وَيَأْتِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ رَمْيُهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِشَاءَيْنِ هُوَ الْجَمْعُ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ وَهَذَا غَيْرُ مُرَادٍ؛ لِأَنَّهُ لَا صِحَّةَ لَهُ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَشْبِيهًا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقَصَّرَ إلَّا أَهْلَهَا بِمَعْنَى: أَنَّ كُلَّ حَالٍّ فِي مِنًى وَعَرَفَةَ يُقَصِّرُ إلَّا أَهْلَهَا فَالْحُجَّاجُ حِينَ يَكُونُونَ بِمِنًى فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يُقَصِّرُونَ إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا، وَلَوْ كَانَ حَاجًّا (قَوْلُهُ أَوْ، وَإِنْ قَدَّمَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ عَلَى مَحَلِّ الْجَمْعِ) هَذَا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ كَمَا أَفَادَهُ مُحَشِّي تت

(قَوْلُهُ وَوُقُوفُهُ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ سُنَّةٌ كَمَا أَفَادَهُ مُحَشِّي تت قَالَ الْأُجْهُورِيُّ وَهَلْ النَّدْبُ يَحْصُلُ بِالْوُقُوفِ، وَإِنْ لَمْ يُكَبِّرْ وَيَدْعُ فَهُمَا مُسْتَحَبٌّ آخَرُ، أَوْ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْوُقُوفِ مَعَهُمَا، أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا؟ وَالثَّانِي ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ لَكِنْ لَا يَتَوَقَّفُ النَّدْبُ عَلَى التَّكْبِيرِ وَالدُّعَاءِ بَلْ يَكْفِي مُقَارَنَتُهُ لِأَحَدِهِمَا انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: لِلْإِسْفَارِ) بِإِخْرَاجِ الْغَايَةِ (قَوْلُهُ: وَالْمَشْعَرُ عَنْ يَسَارِهِ) يُنَافِي التَّعْبِيرَ بِقَوْلِهِ: أَوْ لَا وَاقِفًا بِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ وَاقِفًا بِقُرْبِهِ وَقَوْلُهُ: وَقُزَحُ هُوَ جَبَلٌ (قَوْلُهُ مَعَالِمُ الدِّينِ وَالطَّاعَةِ) أَيْ: مَحَلُّ عِلْمِ الدِّينِ أَيْ: مَا يَتَدَيَّنُ بِهِ وَهُوَ الطَّاعَةُ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّحْمِيدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِ ذَلِكَ أَيْ: مَحَلُّ الدِّينِ الْمَعْلُومِ (قَوْلُهُ: أَيْ: الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ الصَّيْدُ) فَهُوَ يُقْرَأُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَنِسْبَةُ التَّحْرِيمِ لَهُ مَجَازٌ، أَوْ يُقْرَأُ بِالْفَتْحِ أَيْ: الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ الصَّيْدُ

(قَوْلُهُ: عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ) أَيْ: لِأَنَّهُ قِيلَ بَعْضُهُ مِنْ مِنًى وَبَعْضُهُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ وَقِيلَ: الْمَشْعَرُ بَيْنَ جَبَلَيْ الْمُزْدَلِفَةِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَهَلْ بَطْنُ مُحَسِّرٍ وَادٍ بَيْنَ مُزْدَلِفَةَ وَبَيْنَ مِنًى قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ لَيْسَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ، أَوْ هُوَ مِنْ مِنًى وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَوْ بَعْضُهُ مِنْ مِنًى وَبَعْضُهُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَصَوَّبَهُ أَقْوَالٌ (قَوْلُهُ لِحَسْرِ فِيلِ أَصْحَابِ الْفِيلِ فِيهِ) الْحَقُّ أَنَّ قَضِيَّةَ الْفِيلِ لَمْ تَكُنْ بِوَادِي مُحَسِّرٍ، بَلْ خَارِجَ الْحَرَمِ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا.

(قَوْلُهُ وَرَمْيُهُ الْعَقَبَةَ) وَلَا يَقِفُ لِلدُّعَاءِ، بَلْ يَرْجِعُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ (قَوْلُهُ وَبَالَغَ عَلَى تَعْجِيلِهَا بِقَوْلِهِ: وَإِنْ رَاكِبًا) أَيْ: فَيَرْمِيهَا عَلَى حَالَتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا مِنْ رُكُوبٍ، أَوْ مَشْيٍ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ بَعْضُهُمْ، وَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ وَيَرْمِيهَا، وَلَوْ رَاكِبًا فَلَيْسَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ النَّدْبِ

الصفحة 333