كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 2)

بِالْمُحَصَّبِ لَيْلَةَ الرَّابِعَ عَشَرَ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ لِلْمَقْبَرَةِ أَيْ: مُنْتَهِيًا لَهَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْحَصْبَاءِ فِيهِ مِنْ السَّيْلِ وَالْأَبْطَحُ مِنْهُ حَيْثُ الْمَقْبَرَةُ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ تَحْتَ عَقَبَةِ كَدَاءٍ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِانْبِطَاحِهِ، وَمَحَلُّ الرُّخْصَةِ لِغَيْرِ الْمُقْتَدَى بِهِ فَلَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِهِ لِمُقْتَدًى بِهِ لِإِحْيَائِهِ السُّنَّةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَجِّلًا، أَوْ يُوَافِقَ نَفْرُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ النُّزُولُ بِالْمُحَصَّبِ مَشْرُوعًا لِنُزُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِهِ وَصَلَاتِهِ بِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ.

(ص) وَرَمَى كُلَّ يَوْمٍ الثَّلَاثَ وَخَتَمَ بِالْعَقَبَةِ (ش) تَقَدَّمَ أَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ يَخْتَصُّ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَقَطْ يَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وَأَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ أَيَّامَ مِنًى وَهِيَ الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيْ: ثَانِي النَّحْرِ وَثَالِثُهُ وَرَابِعُهُ يَرْمِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا الثَّلَاثَ جَمَرَاتٍ: يَرْمِي كُلَّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَذَلِكَ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ حَصَاةً إنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَرْمِي الْعَقَبَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ فَالْجُمْلَةُ سَبْعُونَ حَصَاةً (ص) مِنْ الزَّوَالِ لِلْغُرُوبِ (ش) أَيْ: وَوَقْتُ أَدَاءِ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الزَّوَالِ مِنْهُ لِلْغُرُوبِ قَالَ الْحَطَّابُ وَتَبِعَهُ بَعْضُهُمْ الْمُخْتَارُ مِنْ الزَّوَالِ إلَى الِاصْفِرَارِ وَمِنْهُ لِلْغُرُوبِ ضَرُورِيٌّ انْتَهَى.
وَالظَّاهِرُ كَرَاهَةُ الرَّمْيِ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَلَزِمَهُ فِيهِ الدَّمُ وَفِيهِ بَحْثٌ إذْ وُجُوبُ الدَّمِ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِفِعْلِ كُلِّ مُحَرَّمٍ كَمَا يُفِيدُهُ مَا يَأْتِي فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ.

(ص) وَصِحَّتُهُ بِحَجَرٍ كَحَصَى الْخَذْفِ (ش) أَيْ: وَشَرْطُ صِحَّةِ الرَّمْيِ مُطْلَقًا أُمُورٌ أَرْبَعَةٌ: كَوْنُهُ بِحَجَرٍ أَيْ: جِنْسِ مَا يُسَمَّى حَجَرًا مِنْ رُخَامٍ، أَوْ بِرَامٍ وَفِي الْقَدْرِ كَحَصَى الْخَذْفِ بِمُعْجَمَتَيْنِ وَفَاءً، وَهُوَ الرَّمْيُ بِالْحَصْبَاءِ بِالْأَصَابِعِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْحَذْفُ بِالْحَصْبَاءِ ابْنُ هَارُونَ هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَرْمِي بِهَا فِي الصِّغَرِ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ تَجْعَلُهَا بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ مِنْ الْيُسْرَى، ثُمَّ تَقْذِفُهَا بِسَبَّابَةِ الْيُمْنَى أَوْ تَجْعَلُهَا بَيْنَ سَبَّابَتَيْهِ، وَهَلْ هُوَ كَالْفُولِ، أَوْ النَّوَاةِ، أَوْ دُونَ الْأُنْمُلَةِ طُولًا وَعَرْضًا أَقْوَالٌ فَلَا يَصِحُّ الرَّمْيُ بِغَيْرِ الْحِجَارَةِ كَالطِّينِ وَالزَّلَطِ كَمَا يَأْتِي وَلَا يُجْزِئُ الصَّغِيرُ جِدًّا كَالْقَمْحَةِ؛ لِأَنَّهُ كَالْعَدَمِ وَيُجْزِئُ الْكَبِيرُ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَيُكْرَهُ لِئَلَّا يُؤْذِيَ النَّاسَ (ص) وَرَمْيٌ (ش) أَيْ: وَصِحَّةُ الرَّمْيِ بِرَمْيٍ وَفِيهِ شَيْءٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ اُسْتُعْمِلَ الرَّمْيُ فِي مُطْلَقِ الْإِيصَالِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى الرَّمْيُ الْمَشْرُوطُ هُوَ الْوُصُولُ إلَى الْجَمْرَةِ وَاَلَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِيهِ هُوَ الرَّمْيُ بِمَعْنَى الطَّرْحِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يَكُونُ شَرْطًا فِي نَفْسِهِ، وَقَوْلُهُ: وَرَمْيٌ أَيْ: لِكُلِّ حَصَاةٍ بِانْفِرَادِهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الرَّمْيُ بِيَدِهِ لَا بِقَوْسِهِ، أَوْ رِجْلِهِ، أَوْ فِيهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ الرَّمْيِ بِالْأَصَابِعِ لَا بِالْقَبْضَةِ، وَكَوْنُهُ بِالْيَدِ الْيُمْنَى إلَّا أَنْ يَكُونَ لَا يُحْسِنُ الرَّمْيَ بِالْيُمْنَى.

(ص) ، وَإِنْ بِمُتَنَجَّسٍ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يُجْزِئُ الرَّمْيُ بِالْحَجَرِ النَّجَسِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ، وَقَوْلُهُ: (عَلَى الْجَمْرَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِرَمْيٍ أَيْ: رَمْيٍ عَلَى الْجَمْرَةِ وَهِيَ الْبِنَاءُ، وَمَا تَحْتَهُ،.

وَلَمَّا أَوْهَمَ قَوْلُهُ عَلَى الْجَمْرَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إصَابَتِهَا أَوَّلًا دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ: (ص) ، وَإِنْ أَصَابَتْ غَيْرَهَا إنْ ذَهَبَتْ بِقُوَّةٍ (ش) أَيْ: وَإِنْ أَصَابَتْ الْحَصَاةُ غَيْرَ الْجَمْرَةِ ابْتِدَاءً مِنْ تَحَمُّلٍ وَغَيْرِهِ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الْإِجْزَاءَ إنْ ذَهَبَتْ إلَيْهَا بِقُوَّةٍ مِنْ الرَّامِي لِاتِّصَالِ الرَّمْيِ بِهَا وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ وَقَعَتْ دُونَهَا، ثُمَّ تَدَحْرَجَتْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِهِ، أَمَّا إنْ تَدَحْرَجَتْ إلَى الْجَمْرَةِ مِنْ عَالٍ غَيْرَ بِنَاءِ الْجَمْرَةِ فَلَا سَنَدٌ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِيهِ قَوْلَانِ،.

وَأَمَّا إنْ وَقَعَتْ الْحَصَاةُ دُونَ الْجَمْرَةِ وَلَمْ تَذْهَبْ بِقُوَّةِ الرَّمْيَةِ، أَوْ جَاوَزَتْهَا بِالْبُعْدِ مِنْهَا فَلَا تُجْزِئُ؛ لِأَنَّ رَمْيَهُ لَمْ يَتَّصِلْ بِالْجَمْرَةِ، وَإِنْ أَطَارَتْ الرَّمْيَةُ غَيْرَهَا مِمَّا وَقَعَتْ عَلَيْهِ لِلْجَمْرَةِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (ص) لَا دُونَهَا، وَإِنْ أَطَارَتْ غَيْرَهَا لَهَا (ش) وَلَا يُجْزِئُ الرَّمْيُ بِالطِّينِ وَالْمَعَادِنِ بِأَنْوَاعِهَا مُتَطَرِّقَةً: كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالرَّصَاصِ، أَوْ غَيْرَ مُتَطَرِّقَةٍ: كَالزِّرْنِيخِ وَالْكِبْرِيتِ وَالْمَائِعَاتِ بِأَسْرِهَا، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ:
ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذِهِ الرُّخْصَةُ خِلَافُ الْأَوْلَى لِمَا يَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ مِنْ قَوْلِهِ: عَاطِفًا عَلَى الْمَنْدُوبِ وَتَحْصِيبُ الرَّاجِعِ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَبْطَحُ مِنْهُ) اُنْظُرْهُ مَعَ قَوْلِ عِيَاضٍ وَهُوَ الْبَطْحَاءُ انْتَهَى أَيْ: فَهُوَ عَيْنُهُ لَا بَعْضُهُ (قَوْلُهُ: فَلَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِهِ) أَيْ: فَيُكْرَهُ لَهُ التَّرْكُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَخِلَافُ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَجِّلًا) تَقَدَّمَ مَعْنَى التَّعْجِيلِ (قَوْلُهُ: أَوْ يُوَافِقُ نَفْرُهُ يَوْمَ جُمُعَةٍ) أَيْ:؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ لَا أُحِبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقِيمَ بِالْمُحَصَّبِ وَلْيَدْخُلْ مَكَّةَ لِيُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ بِأَهْلِ مَكَّةَ انْتَهَى

(قَوْلُهُ: وَرَمَى كُلَّ يَوْمٍ) عَطْفٌ عَلَى عَادَ فَهُوَ فِعْلُ مَاضٍ أَيْ: رَمَى بَادِئًا بِاَلَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى ثُمَّ الْوُسْطَى الَّتِي بِالسُّوقِ وَخَتَمَ بِالْعَقَبَةِ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ بَحْثٌ إلَخْ) أَقُولُ الْبَحْثُ ظَاهِرٌ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْحُكْمَ مُسَلَّمٌ

(قَوْلُهُ: أَوْ بِرَامٍ) كَجِبَالٍ جَمْعُ بُرْمَةٍ بِالضَّمِّ قِدْرٌ مِنْ الْحِجَارَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ، وَفِي النِّهَايَةِ الْبُرْمَةُ الْقِدْرُ مُطْلَقًا وَجَمْعُهَا بِرَامٌ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ الْحِجَارَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِالْحِجَازِ وَالْيَمَنِ مُحَشِّي تت (قَوْلُهُ: وَهَلْ هُوَ كَالْفُولِ) بَيَانٌ لِأَقَلِّ مَا يُجْزِئُ (قَوْلُهُ: وَالزَّلَطُ) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الزَّلَطُ مِنْ الْحَجَرِ (قَوْلُهُ: اُسْتُعْمِلَ الرَّمْيُ فِي مُطْلَقِ الْإِيصَالِ) الْأَوْلَى فِي مُطْلَقِ الْوُصُولِ أَيْ: اللَّفْظُ الْأَوَّلُ وَأَرَادَ بِالرَّمْيِ الثَّانِي الطَّرْحَ فَالْعِبَارَةُ الثَّانِيَةُ تُفَسِّرُ هَذِهِ

(قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ يُكْرَهُ) وَنُدِبَ إعَادَتُهُ بِطَاهِرٍ (قَوْلُهُ: وَهِيَ الْبِنَاءُ وَمَا تَحْتَهُ) أَيْ: مِنْ مَوْضِعِ الْحَصْبَاءِ وَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ الرَّمْيُ عَلَى الثَّانِي كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ: فِي مَنْسَكِهِ وَلَا تَرْمِ فِي الْبِنَاءِ، بَلْ ارْمِ أَسْفَلَهُ بِمَوْضِعِ الْحَصْبَاءِ أَيْ: وَسَيَقُولُ الْمُصَنِّفُ، وَفِي أَجْزَاءِ مَا وَقَفَ بِالْبِنَاءِ تَرَدُّدٌ فَالْمَطْلُوبُ ابْتِدَاءً أَنَّهُ لَا يَرْمِي فِي الْبِنَاءِ فَإِنْ رَمَى فِيهِ وَوَقَعَ الرَّمْيُ أَسْفَلَهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي أَجْزَأَهُ فَإِنْ رَمَى فِيهِ وَوَقَفَ فِي شُقُوقِ الْبِنَاءِ فَفِي إجْزَائِهِ تَرَدُّدٌ وَلَا يُجْزِئُ مَا وَقَعَ فِي ظَهْرِهَا قَطْعًا.
وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجَمْرَةِ الْبِنَاءُ الْقَائِمُ فَإِنَّ ذَلِكَ الْبِنَاءَ عَلَامَةٌ عَلَى مَوْضِعِهَا وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْبَاجِيِّ وَغَيْرِهِ.
الْجَمْرَةُ اسْمٌ لِمَوْضِعِ الرَّمْيِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ بِاسْمِ مَا يُرْمَى فِيهَا وَالْجِمَارُ الْحِجَارَةُ انْتَهَى

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِهِ) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الرَّأْسَ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ شَكَّ فِي وُصُولِهَا فَاسْتَظْهَرَ الشَّيْخُ سَالِمٌ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ

(قَوْلُهُ: مُتَطَرِّقَةً) أَيْ: قَابِلَةٌ

الصفحة 339