كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 2)

قُلْت: لِأَنَّ الْفَأْرَ مِنْ الْفَوَاسِقِ الَّتِي يُبَاحُ قَتْلُهَا فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ لِلْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْبُرْغُوثِ

. (ص) وَإِحْضَارُ صَبِيٍّ بِهِ لَا يَعْبَثُ وَيَكُفُّ إذَا نُهِيَ. (ش) يُرِيدُ أَنَّهُ يَجُوزُ إحْضَارُ الصَّبِيِّ فِي الْمَسْجِدِ بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا: الْوَصْفُ بِقَوْلِهِ لَا يَعْبَثُ لِوُقُوعِهِ بَعْدَ نَكِرَةٍ أَيْ: يَمْتَثِلُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ وَشَأْنُهُ أَنْ لَا يَلْعَبَ. وَثَانِيهِمَا: الْحَالُ بِقَوْلِهِ " وَيَكُفُّ إذَا نُهِيَ " أَيْ: يُعْلَمُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِ الْعَبَثِ مِنْهُ يَمْتَنِعُ إذَا نُهِيَ عَنْهُ بِأَنْ يُعْرَفَ ذَلِكَ مِنْهُ قَبْلَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ فَإِنْ عُلِمَ مِنْهُ الْعَبَثُ أَوْ عَدَمُ الْكَفِّ عِنْدَ النَّهْيِ حَرُمَ إحْضَارُهُ، فَقَوْلُهُ " بِهِ " بِمَعْنَى فِي وَالْوَاوُ فِي وَيَكُفُّ وَاوُ الْحَالِ لَا وَاوُ الْعَطْفِ عَلَى جُمْلَةِ يَعْبَثُ أَيْ: وَإِجَازَةُ إحْضَارِ صَبِيٍّ فِي الْمَسْجِدِ بِقَيْدَيْنِ: أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَعْبَثُ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَعْبَثَ يَكُفُّ إذَا نُهِيَ فَإِنْ فُقِدَا أَوْ أَحَدُهُمَا حَرُمَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَنْزِيهُ الْمَسَاجِدِ عَنْ لَعِبِ الصِّبْيَانِ

. (ص) وَبَصْقٌ بِهِ إنْ حُصِبَ أَوْ تَحْتَ حَصِيرِهِ ثُمَّ قَدَمِهِ ثُمَّ يَمِينِهِ ثُمَّ أَمَامَهُ. (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ فِي الْمَسْجِدِ الْمُحَصَّبِ كَانَ فِي صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَنْ يَبْصُقَ أَوْ يَتَنَخَّمَ فِيهِ فَوْقَ حَصْبَائِهِ أَوْ تَحْتَ حَصِيرِهِ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ دَفْنٌ فِي الْحَصْبَاءِ فَعَلَ مَا ذُكِرَ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُمْنَى وَالْيَسَارِ، وَجِهَةُ الْيَسَارِ فِي مَرْتَبَةِ الْقَدَمِ، ثُمَّ جِهَةَ يَمِينِهِ ثُمَّ أَمَامَهُ. وَأَمَّا الْمَخْطُ: فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْمَضْمَضَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQعُمُومُ أَذِيَّتِهِ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْفَوَاسِقِ) فَسَقَ يَفْسُقُ فُسُوقًا مِنْ بَابِ قَعَدَ خَرَجَ عَنْ الطَّاعَةِ فَقِيلَ لِلْحَيَوَانَاتِ الْخَمْسِ فَوَاسِقُ اسْتِعَارَةً وَامْتِهَانًا لَهُنَّ لِكَثْرَةِ خُبْثِهِنَّ وَإِيذَائِهِنَّ حَتَّى قِيلَ: يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ مِصْبَاحٌ

. (قَوْلُهُ: أَيْ: يَمْتَثِلُ مَا أُمِرَ بِهِ) الْأَوْلَى حَذْفُهَا مِنْ تَفْسِيرِ لَا يَعْبَثُ؛ لِأَنَّهُ مَدْلُولُ قَوْلِهِ " وَيَكُفُّ إذَا نُهِيَ " فِي الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ الْمُصَنِّفُ عَبَّرَ بِالنَّهْيِ. (قَوْلُهُ: وَثَانِيهِمَا الْحَالُ) أَيْ: مِنْ صَبِيٍّ وَإِنَّمَا صَحَّ مَجِيءُ الْحَالِ مِنْ صَبِيٍّ؛ لِأَنَّهُ وُصِفَ بِقَوْلِهِ: لَا يَعْبَثُ. وَالتَّقْدِيرُ وَإِحْضَارُ صَبِيٍّ. مَوْصُوفٍ بِعَدَمِ الْعَبَثِ فِي حَالِ كَوْنِهِ يَنْكَفُّ عَنْ الْعَبَثِ بِتَقْدِيرِ وُجُودِهِ إذَا نُهِيَ أَيْ: بِتَقْدِيرِ وُجُودِهِ الْمُنْتَفِي عَادَةً. (قَوْلُهُ: أَوْ عَدَمُ الْكَفِّ عِنْدَ النَّهْيِ) أَيْ: عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الْعَبَثِ. (قَوْلُهُ: لَا وَاوُ الْعَطْفِ) أَقُولُ: لَا مَانِعَ مِنْ الْعَطْفِ عَلَى جُمْلَةِ " لَا يَعْبَثُ "؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْآتِيَ عَلَى الْحَالِيَّةِ آتٍ مَعَ الْعَطْفِ إذْ الْمَعْنَى عَلَى الْعَطْفِ: وَإِحْضَارُ صَبِيٍّ مَوْصُوفٍ بِكَوْنِهِ لَا يَعْبَثُ وَمَوْصُوفٍ بِكَوْنِهِ يَنْكَفُّ عِنْدَ وُجُودِ الْعَبَثِ بِتَقْدِيرِ إذَا نُهِيَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: بِشَرْطَيْنِ. فَتِلْكَ الشَّرْطِيَّةُ ظَاهِرَةٌ فِي الْعَطْفِ وَكَذَا قَوْلُهُ: بِقَيْدَيْنِ. ظَاهِرٌ فِي الْعَطْفِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ فُقِدَا) أَيْ: بِأَنْ كَانَ يَعْبَثُ وَلَا يَنْكَفُّ إذَا نُهِيَ وَقَوْلُهُ: أَوْ أَحَدُهُمَا أَيْ: بِأَنْ كَانَ يَعْبَثُ وَكَانَ إذَا نُهِيَ يَنْتَهِي أَوْ كَانَ لَا يَعْبَثُ وَبِتَقْدِيرِ إذَا عَبِثَ وَنُهِيَ لَا يَنْتَهِي.
(تَنْبِيهٌ) : قَدْ ضَعُفَ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ، وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْجَوَازَ مَشْرُوطٌ بِأَحَدِ شَرْطَيْنِ أَيْ: فَالْمَعْنَى عَلَى أَوْ أَيْ: فَمَنْ شَأْنُهُ أَنْ يَعْبَثَ وَلَا يَكُفَّ إذَا نُهِيَ لَا يَجُوزُ إحْضَارُهُ، وَأَمَّا مَنْ شَأْنُهُ أَنْ يَعْبَثَ وَلَكِنَّهُ عُلِمَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَكُفَّ إذَا نُهِيَ فَفِي ابْنِ نَاجِي عَلَى الْمُدَوَّنَةِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهَا أَنَّهُ يُكْرَهُ حُضُورُهُ، وَلَكِنْ مُفَادُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ فَرْحُونٍ وَابْنِ عَرَفَةَ جَوَازُهُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا

. (قَوْلُهُ: وَبَصْقٌ) أَيْ: أَوْ تَنَخُّمٌ. (قَوْلُهُ: بِهِ) أَيْ: فِي الْمَسْجِدِ. (قَوْلُهُ: إنْ حُصِبَ) أَيْ: فُرِشَ بِالْحَصْبَاءِ فَيَبْصُقُ فِي خِلَالِ الْحَصْبَاءِ وَيَدْفِنُهُ فِيهَا. (قَوْلُهُ: أَوْ تَحْتَ حَصِيرِهِ) سَيَأْتِي يَقُولُ الشَّارِحُ: إنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ فَوْقَ حَصْبَائِهِ أَوْ تَحْتَ حَصِيرِهِ فَمُفَادُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي حَصِيرِهِ يَرْجِعُ لِلْمُحَصَّبِ أَيْ: فَمُفَادُهُ اخْتِصَاصُ جَوَازِ الْبَصْقِ تَحْتَ الْحَصِيرِ بِالْمُحَصَّبِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَّاحِ، وَكَلَامُ الطِّخِّيخِيِّ يُفِيدُ أَنَّهُ يَجْرِي فِي غَيْرِ الْمُحَصَّبِ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ قَدَمِهِ) أَيْ: ثُمَّ تَحْتَ قَدَمِهِ، وَلَفْظُ " قَدَمِهِ " مُفْرَدٌ مُضَافٌ يَعُمُّ فَهُوَ شَامِلٌ لِقَدَمِ الْيُمْنَى وَقَدَمِ الْيُسْرَى قَالَ فِي ك: وَتَقْدِيرُ تَحْتَ قَدَمِهِ مَعَ كَوْنِهِ مُرَادًا يُوجِبُ عَطْفَهُ عَلَى حَصِيرِهِ وَقَوْلُهُ: ثُمَّ يَمِينَهُ ثُمَّ أَمَامَهُ عَطْفٌ عَلَى تَحْتَ فَأَنْتَ تَرَاهُ عَطَفَ عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ ثُمَّ عَادَ لِلْعَطْفِ عَلَى الْمُضَافِ فَفِيهِ قَلَقٌ اهـ. فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَفِي الْإِتْيَانِ بِثُمَّ نَظَرٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ تَحْتَ الْحَصِيرِ مَرْتَبَةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْقَدَمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَرَاتِبُ الْقَدَمِ وَمَا بَعْدَهُ إنَّمَا هِيَ فِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ حَصِيرٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْجِدَ إمَّا مُبَلَّطٌ أَوْ مُحَصَّبٌ أَوْ مُتَرَّبٌ فَالْمُبَلَّطُ لَا يُبْصَقُ فِيهِ مُطْلَقًا كَانَ بِحَصِيرٍ أَوْ لَا. وَأَمَّا الْمُحَصَّبُ وَالْمُتَرَّبُ فَإِنْ كَانَ بِحَصِيرٍ فَيَبْصُقُ تَحْتَ حَصِيرِهِ وَلَا تَأْتِي الْمَرَاتِبُ فِيهِ وَإِنَّمَا تَأْتِي فِيمَا إذَا لَمْ يَكُونَا بِحَصِيرٍ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ أَوَّلًا يَبْصُقُ فِي ثَوْبِهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَتَحْتَ قَدَمِهِ الْيُمْنَى أَوْ الْيَسَارِ، وَجِهَةُ الْيَسَارِ فِي مَرْتَبَةِ الْقَدَمِ فَالثَّلَاثَةُ أَيْ: تَحْتَ الْقَدَمِ الْيُمْنَى وَتَحْتَ الْقَدَمِ الْيُسْرَى وَجِهَةَ الْيَسَارِ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ وَالظَّاهِرُ تَأْخِيرُ الْقَدَمِ الْيُمْنَى عَنْ الْقَدَمِ الْيُسْرَى وَجِهَةِ الْيَسَارِ ثُمَّ يَمِينِهِ ثُمَّ أَمَامَهُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِلْإِتْيَانِ بِثُمَّ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي أَنَّ قَبْلَ الْقَدَمِ مَرْتَبَةٌ أُخْرَى وَهِيَ تَحْتَ حَصِيرِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَمَا أَفَادَهُ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ مِنْ أَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ يَكُونُ فِي الَّذِي حُصِبَ وَغَيْرِهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ هُوَ قَاصِرٌ عَلَى الْمُحَصَّبِ أَوْ الْمُتَرَّبِ الْخَالِي عَنْ حَصِيرٍ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَبَصْقٌ بِمُحَصَّبٍ أَوْ تَحْتَ حَصِيرِهِ كَفِي طَرَفِ ثَوْبِهِ لِمُصَلٍّ وَإِنْ بِغَيْرِهِ ثُمَّ عَلَى يَسَارِهِ وَتَحْتَ قَدَمِهِ ثُمَّ يَمِينَهُ ثُمَّ أَمَامَهُ فِي مُحَصَّبٍ فَقَطْ لَا حَصِيرَ بِهِ لَوَفَّى بِالْمَسْأَلَةِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ يَتَنَخَّمَ) أَيْ: لَا يَمْتَخِطَ فَيُكْرَهُ. (قَوْلُهُ: فَوْقَ حَصْبَائِهِ إلَخْ) أَيْ: أَوْ فَوْقَ تُرَابِهِ وَيَدْفِنُهُ فِي الْحَصْبَاءِ أَوْ التُّرَابِ وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي فِيهِ الْمَرَاتِبُ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَحْتَ حَصِيرِهِ) أَيْ: الْمُحَصَّبِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ دَفْنٌ فِي الْحَصْبَاءِ) هَذَا حِلُّ ظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ الْمُقْتَضِي أَنَّ قِبَلَ الْقَدَمِ مَرْتَبَةٌ أُخْرَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَوْلُهُ: قَدَمِهِ ثُمَّ يَمِينَهُ إلَخْ تَفْصِيلٌ فِي الْمُحَصَّبِ الْخَالِي مِنْ الْحَصِيرِ فَلَوْ حَذَفَ ثُمَّ لَكَانَ أَحْسَنَ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُحَصَّبِ الْمَذْكُورِ مَرْتَبَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْبَصْقِ فِي خِلَالِ الْحَصْبَاءِ قِبَلَ الْقَدَمِ الَّذِي قَبْلَهُ مَرْتَبَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ ذَلِكَ وَهِيَ الْبَصْقُ فِي الثَّوْبِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَخْطُ فَالظَّاهِرُ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا الَّذِي يَظْهَرُ حُرْمَةُ الْمَخْطِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى الْمَضْمَضَةِ أَيْ: لِمُشَاهَدَةِ إيذَاءِ الْغَيْرِ بِالْمَخْطِ فِيهِ

الصفحة 34