كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 2)

الْمَحْمِلُ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ هُوَ مَا يُحْمَلُ فِيهِ عَلَى ظُهُورِ الْإِبِلِ أَوْ غَيْرِهَا وَبِالْعَكْسِ عَلَّاقَةُ السَّيْفِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ الْمُحْرِمِ مِنْ مَحْرَمٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ، أَوْ زَوْجٍ أَنْ يَحْمِلَ مَحْرَمَهُ أَوْ امْرَأَتَهُ إلَى الْمَحْمِلِ كَمَا أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَرَى ذِرَاعَيْهَا وَلَا يُقَلِّبُ أَمَةً لِلشِّرَاءِ مَخَافَةَ أَنْ تُعْجِبَهُ فَيَتَلَذَّذُ بِهَا فَرُبَّمَا آلَ لِنَقْصِ أَجْرٍ أَوْ أَوْجَبَ هَدْيًا، أَوْ أَفْسَدَ وَلِأَجْلِ كَرَاهَةِ الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ اُتُّخِذَتْ السَّلَالِمُ لِرُقِيِّ النِّسَاءِ عَلَيْهَا لِلْمَحْمِلِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي رُؤْيَةِ شَعْرِ امْرَأَتِهِ الْمُحْرِمَةِ لِخِفَّتِهِ وَلَمْ يَحْكِ فِي مَنْسَكِهِ إلَّا الْكَرَاهَةَ وَقَوْلُنَا: مِنْ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ مُخْرِجٌ لِلْأَجْنَبِيِّ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مَحْرَمِ صِهْرٍ أَوْ رَضَاعٍ وَقَوْلُهُ (وَالْفَتْوَى فِي أُمُورِهِنَّ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَقْضِيَ فِي أُمُورِ النِّسَاءِ مِنْ أَمْرِ حَيْضِهِنَّ وَنِفَاسِهِنَّ وَمَا أَشْبَهَهُمَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَكْرُوهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ خَاصَّةً شَرَعَ فِي مُحَرَّمَاتِهِ مَعَ الْحَرَمِ عَلَى أَنَّهُمَا مُرَادَانِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لَا أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَمَا قَالَ بِكُلٍّ مِنْ الْأَقْوَالِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ فَقَالَ (ص) وَحَرُمَ بِهِ وَبِالْحَرَمِ مِنْ نَحْوِ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ، أَوْ خَمْسَةٌ لِلتَّنْعِيمِ وَمِنْ جِهَةِ الْعِرَاقِ ثَمَانِيَةٌ لِلْمَقْطَعِ وَمِنْ عَرَفَةَ تِسْعَةٌ وَمِنْ جُدَّةَ عَشْرَةٌ لَآخِرِ الْحُدَيْبِيَةِ (ش) الضَّمِيرُ فِي بِهِ لِلْإِحْرَامِ الصَّادِقِ بِأَيِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ وَالْبَاءُ فِي بِالْحَرَمِ ظَرْفِيَّةٌ أَيْ وَحَرُمَ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ بِحَجَّةٍ، أَوْ عُمْرَةٍ وَحَرُمَ فِي الْحَرَمِ تَعَرُّضُ بَرِّيٍّ. . . إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي، وَلَمَّا كَانَ لِلْحَرَمِ حُدُودٌ حَدَّدَهُ بِهَا سَيِّدُنَا إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، ثُمَّ قُرَيْشٌ بَعْدَ قَلْعِهِمْ لَهَا، ثُمَّ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ مُعَاوِيَةُ، ثُمَّ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ وَكَانَ فِي بَعْضِهَا اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْمُؤَلِّفِ الْمُعْتَمَدُ مِنْ ذَلِكَ بِالْأَمْيَالِ وَمَرْكَزُهَا الْبَيْتُ فَذَكَرَ أَنَّ حَدَّهُ مِنْ جِهَةِ الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ وَقِيلَ خَمْسَةٌ وَكُلٌّ يَنْتَهِي وَلِلتَّنْعِيمِ الْمُسَمَّى الْآنَ بِمَسَاجِدِ عَائِشَةَ فَأَوْ لِلْإِشَارَةِ لِلْخِلَافِ فِي قَدْرِ أَمْيَالِهَا وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْغَايَةَ التَّنْعِيمُ وَأَنَّ حَدَّهُ مِنْ جِهَةِ الْعِرَاقِ ثَمَانِيَةُ أَمْيَالٍ وَقِيلَ سَبْعَةٌ لِلْمَقْطَعِ أَيْ عَلَى ثَنِيَّةِ جَبَلٍ بِمَكَانٍ يُسَمَّى الْمَقْطَعَ فَهُوَ اسْمُ مَكَان وَأَنَّ حَدَّهُ مِنْ جِهَةِ عَرَفَةَ مِنْ الْبَيْتِ تِسْعَةُ أَمْيَالٍ وَأَنَّ حَدَّهُ مِنْ جِهَةِ جُدَّةَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ مَوْضِعٌ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ غَرْبِيَّ مَكَّةَ بَيْنَهُمَا مَرْحَلَتَانِ عَشْرَةُ أَمْيَالٍ لِآخِرِ الْحُدَيْبِيَةِ سَمَّاهُ بَعْضُهُمْ مَقْطَعَ الْأَعْشَاشِ جَمْعُ عُشٍّ وَالْحُدَيْبِيَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ وَضَبَطَهَا الشَّافِعِيُّ بِالتَّخْفِيفِ وَهِيَ فِي الْحَرَمِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَةٌ وَاحِدَةٌ وَسُمِّيَتْ جُدَّةُ؛ لِأَنَّهَا حَاضِرَةُ الْبَحْرِ وَالْجُدَّةُ مَا وَلِيَ الْبَحْرَ وَالنَّهْرُ مَا وَلِيَ الْبَرَّ قَالَهُ فِي التَّنْبِيهِ، وَأَصْلُ الْجُدَّةِ الطَّرِيقُ الْمُمْتَدُّ قَالَهُ الْبَكْرِيُّ فِي الْمُعْجَمِ.
(ص) وَيَقِفُ سَيْلُ الْحِلِّ دُونَهُ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْحَرَمَ يُعْرَفُ أَيْضًا بِأَنَّ سَيْلَ الْحِلِّ إذَا جَرَى إلَيْهِ لَا يَدْخُلُهُ وَسَيْلُهُ إذَا جَرَى يَخْرُجُ إلَى الْحِلِّ وَيَجْرِي فِيهِ، وَهَذَا تَحْدِيدٌ لِلْحَرَمِ بِالْأَمَارَةِ وَالْعَلَامَةِ وَالْأَوَّلُ تَحْدِيدٌ لَهُ بِالْمِسَاحَةِ.

(ص) تَعَرُّضُ بَرِّيٍّ (ش) هُوَ فَاعِلُ حَرُمَ وَمَا قَبْلَهُ جُمَلٌ اعْتِرَاضٍ بَيْنَهُمَا أَيْ وَمِمَّا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَرَمِ وَعَلَى مَنْ فِي الْحَرَمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا أَنْ يَتَعَرَّضَ لِحَيَوَانٍ بَرِّيٍّ فَيَحْرُمُ اصْطِيَادُهُ وَالتَّسَبُّبُ فِي اصْطِيَادِهِ يُرِيدُ مَا لَمْ يَكُنْ صَادَهُ حَلَالٌ لِحَلَالٍ فِي الْحِلِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ) مُفَادُ النَّقْلِ خِلَافُهُ وَأَنَّهُ يَجُوزُ الْفَتْوَى فِي أُمُورِهِنَّ.

(قَوْلُهُ أَرْبَعَةُ إلَخْ) الْأَوْجَهُ رَفْعُهُ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الْأَعْدَادِ عَلَى تَقْدِيرِ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَحَدُّهُ كَذَا فَهِيَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْفَاعِلِ وَيَجُوزُ نَصْبُهَا عَلَى الظَّرْفِ لِحَرَمٍ وَجَرُّهَا عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مِنْ الْحَرَمِ وَعَلَيْهِ يَكُونُ بَدَلَ بَعْضٍ أَوْ بَدَلَ اشْتِمَالٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ وُجُودَ الضَّمِيرِ عَلَى طَرِيقِ الْأَوْلَوِيَّةِ (قَوْلُهُ لِلْمَقْطَعِ) ضَبَطَهُ ابْنُ خَلِيلٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَفِي خَطِّ الطَّبَرِيِّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَطَعُوا مِنْهُ أَحْجَارَ الْكَعْبَةِ فِي زَمَنِ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (قَوْلُهُ ثُمَّ قُرَيْشٌ. . . إلَخْ) هَؤُلَاءِ أَظْهَرُوا مَا جَدَّدَهُ سَيِّدُنَا إبْرَاهِيمُ بَعْدَ دَرْسِهِ لَا أَنَّهُمْ أَحْدَثُوا حُدُودًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ عب (قَوْلُهُ وَقِيلَ خَمْسَةٌ) وَالْخِلَافُ فِي أَنَّ أَقَلَّ الْأَمْيَالِ أَرْبَعَةٌ أَوْ خَمْسَةٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي قَدْرِ الْمِيلِ وَفِي قَدْرِ الذِّرَاعِ هَلْ ذِرَاعُ الْآدَمِيِّ أَوْ ذِرَاعُ الْبَزِّ الْمِصْرِيِّ، وَالتَّنْعِيمُ خَارِجٌ عَنْ الْحَرَمِ قَطْعًا.
(قَوْلُهُ وَأَنَّ حَدَّهُ مِنْ جِهَةِ عَرَفَةَ مِنْ الْبَيْتِ) أَيْ وَيَنْتَهِي لِلْجِعْرَانَةِ وَمِنْ جِهَةِ الْيَمَنِ سَبْعَةٌ بِتَقْدِيمِ السِّينِ إلَى مَوْضِعٍ يُسَمَّى أَضَاةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ قَالَهُ فِي مَنْسَكِهِ (قَوْلُهُ لِآخِرِ الْحُدَيْبِيَةِ) الْمُرَادُ آخِرُهَا مِنْ جِهَةِ الْحِلِّ وَإِلَّا فَالْحُدَيْبِيَةُ مِنْ الْحَرَمِ (قَوْلُهُ: بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَةٌ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ عَشْرٌ لِآخِرِ الْحُدَيْبِيَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَرْحَلَةَ أَكْثَرُ مِنْ عَشْرَةِ أَمْيَالٍ اهـ لَكِنَّ الْمُشَاهَدَةَ وَالْعِيَانَ مَعَ مَنْ قَالَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَةٌ شَيْخُنَا عَبْدُ اللَّهِ (قَوْلُهُ وَالْجُدَّةُ مَا وَلِيَ الْبَحْرَ. . . إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْجُدَّةَ فِي الْأَصْلِ مَا وَلِيَ الْبَحْرَ وَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ الْقَرْيَةُ مُوَالِيَةً لِلْبَحْرِ جُعِلَ عَلَيْهَا هَذَا الْعَلَمُ (قَوْلُهُ: وَالنَّهْرُ مَا وَلِيَ الْبَرَّ) أَيْ كَنَهْرِ مِصْرَ فَإِنَّهُ مُوَالٍ لِلْبَرِّ لِأَنَّ الْبَرَّ أَعْظَمُ مِنْهُ فَلَا يُنْسَبُ إلَى الْبَحْرِ بِخِلَافِ النَّهْرِ لِقِلَّتِهِ أُضِيفَ إلَيْهِ وَقِيلَ مَا وَلِيَ الْبَرَّ (قَوْلُهُ: وَأَصْلُ الْجُدَّةِ الطَّرِيقُ الْمُمْتَدُّ) يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا فِي الْأَصْلِ السَّبِيلُ أَيْ الطَّرِيقُ الْمُمْتَدُّ، ثُمَّ نُقِلَتْ إلَى مَا وَلِيَ الْبَحْرَ ثُمَّ نُقِلَتْ لِلْقَرْيَةِ الْمَعْلُومَةِ (قَوْلُهُ وَيَقِفُ سَيْلُ الْحِلِّ دُونَهُ) أَيْ لِأَنَّ الْحَرَمَ أَعْلَى مِنْ الْحِلِّ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الصَّغِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(قَوْلُهُ تَعَرُّضُ بَرِّيٍّ) وَانْظُرْ مَا تَوَلَّدَ مِنْ إنْسِيٍّ وَوَحْشِيٍّ وَمِنْ بَحْرِيٍّ وَبَرِّيٍّ وَالِاحْتِيَاطُ الْحُرْمَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ

الصفحة 363