كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 2)

فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَلَالِ أَنْ يَذْبَحَهُ فِي الْحَرَمِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَذَبْحُهُ بِحَرَمٍ مَا صِيدَ بِحِلٍّ عَلَى مَا فِيهِ.
وَأَمَّا الْحَيَوَانُ الْبَحْرِيُّ فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ أَنْ يَصْطَادَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] ، وَمِنْهُ الضِّفْدَعُ وَتُرْسُ الْمَاءِ، بِخِلَافِ السُّلَحْفَاةِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبَرَارِيِ، وَالْإِضَافَةُ فِي قَوْلِهِ: تَعَرُّضُ بَرِّيٍّ عَلَى مَعْنَى اللَّامِ أَيْ تَعَرُّضٌ لِبَرِّيٍّ وَلَيْسَ مِنْهُ الْكَلْبُ الْإِنْسِيُّ وَيَدْخُلُ فِي الْبَرِّيِّ الْجَرَادُ (ص) وَإِنْ تَأَنَّسَ، أَوْ لَمْ يُؤْكَلْ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَحْرُمُ بِالْإِحْرَامِ وَبِالْحَرَمِ التَّعَرُّضُ لِلْحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ وَإِنْ تَأَنَّسَ أَيْ صَارَ كَالْحَيَوَانِ الْإِنْسِيِّ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَأَمَّا الْبَرِّيُّ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ إتْلَافُهُ جَمِيعُهُ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ وَمَا لَمْ يُؤْكَلْ كَانَ مُتَأَنِّسًا أَوْ مُتَوَحِّشًا مَمْلُوكًا، أَوْ مُبَاحًا فَقَوْلُهُ، أَوْ لَمْ يُؤْكَلْ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا فِي حَيِّزِ إنْ أَيْ وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ كَقِرْدٍ وَخِنْزِيرٍ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الشَّافِعِيِّ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لِلْمَأْكُولِ (ص) ، أَوْ طَيْرَ مَاءٍ وَبَيْضَهُ وَجُزْأَهُ (ش) طَيْرٌ بِالنَّصْبِ عُطِفَ عَلَى خَبَرِ كَانَ الْمَحْذُوفَةِ الْمَعْطُوفَةِ عَلَى فِعْلِ الشَّرْطِ قَبْلَهُ وَيَجُوزُ جَرُّهُ عَطْفًا عَلَى بَرِّيٍّ كَأَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي مُسَمَّاهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ طَيْرَ الْمَاءِ مِمَّا يَدْخُلُ فِي الْبَرِّيِّ وَهُوَ حَيَوَانٌ بَرِّيٌّ يُلَازِمُ الْمَاءَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَا يَطِيرُ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ وَكَمَا يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لِكُلِّهِ يَحْرُمُ لِبَعْضِهِ وَضَبَطَ ابْنُ غَازِيٍّ لِجَرْوِهِ بِالرَّاءِ وَالْوَاوِ أَيْ أَوْلَادِهِ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ وَبَيْضَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَرُمَ التَّعَرُّضُ لِبَيْضِهِ فَأَحْرَى جَرْوُهُ فَدَعْوَاهُ أَنَّ نُسْخَةَ جُزْئِهِ بِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ وَالْهَمْزِ تَصْحِيفٌ مَمْنُوعَةٌ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي شُرْبِ لَبَنِ الصَّيْدِ حَيْثُ وَجَدَهُ مَحْلُوبًا كَمَا يَجِدُ مِنْ لَحْمٍ قَدْ ذُكِّيَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْلِبَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْسِكُهُ وَلَا يُؤْذِيهِ فَإِنْ حَلَبَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا يُشْبِهُ الْبَيْضَ.

(ص) وَلْيُرْسِلْهُ بِيَدِهِ، أَوْ رُفْقَتِهِ (ش) جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ وَهِيَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ أَنْتَ قَدْ ذَكَرْت حُرْمَةَ التَّعَرُّضِ لِلْبَرِّيِّ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فَمَا حُكْمُهُ إذَا كَانَ مَعَهُ فَقَالَ وَلْيُرْسِلْهُ. . . إلَخْ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ أَنْ يُرْسِلَ الصَّيْدَ الَّذِي هُوَ مِلْكٌ لَهُ إذَا كَانَ بِيَدِهِ، أَوْ مَعَ رُفْقَتِهِ فَضَمِيرُ يُرْسِلُ الْمُسْتَتِرُ عَائِدٌ عَلَى الْمُحْرِمِ كَالضَّمِيرِ الْبَارِزِ فِي رُفْقَتِهِ وَمِلْكِهِ وَقَوْلُهُ، أَوْ رُفْقَتِهِ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ بِالْمُضَافِ أَيْ وَلْيُرْسِلْهُ حَالَ كَوْنِهِ كَائِنًا فِي يَدِهِ، أَوْ فِي رُفْقَتِهِ أَيْ مُرَافِقًا لَهُ وَمُصَاحِبًا، وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ مَعَهُ صَيْدٌ بِيَدِهِ يَقُودُهُ، أَوْ فِي قَفَصٍ مَعَهُ فَلْيُرْسِلْهُ (ص) وَزَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ (ش) الْوَاوُ لِلِاسْتِئْنَافِ لَا لِلْعَطْفِ لِئَلَّا يَلْزَمَ عَطْفُ الْخَبَرِ عَلَى الْإِنْشَاءِ وَالضَّمِيرُ فِي مِلْكُهُ يَرْجِعُ لِلْمُحْرِمِ، أَوْ الْحَلَالِ فِي الْحَرَمِ وَالْمَشْهُورُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَبْسُوطِ أَنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ عَنْهُ بِنَفْسِ الْإِحْرَامِ وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ فَلَوْ أَرْسَلَهُ صَاحِبُهُ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ قَبْلَ لُحُوقِهِ بِالْوَحْشِ وَلَمْ يَزَلْ بِيَدِهِ حَتَّى حَلَّ صَاحِبُهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ مِمَّنْ أَخَذَهُ وَهُوَ لِآخِذِهِ فَلَوْ لَمْ يُرْسِلْهُ صَاحِبُهُ بَلْ أَبْقَاهُ بِيَدِهِ حَتَّى حَلَّ لَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ فَلَوْ لَمْ يَرْفَعْ صَاحِبُهُ يَدَهُ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ جَزَاؤُهُ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ جَزَاؤُهُ إذَا أَلْقَاهُ بِيَدِهِ حَتَّى حَلَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ عَلَى مَا فِيهِ) أَيْ مِنْ التَّفْصِيلِ أَيْ؛ لِأَنَّ الْحَلَالَ إذَا اصْطَادَ فِي الْحِلِّ وَدَخَلَ بِهِ الْحَرَمَ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ وَجَبَ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ وَلَوْ أَقَامَ بِمَكَّةَ إقَامَةً تَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ فَإِنْ ذَبَحَهُ حَرُمَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ ذَبَحَهُ وَهُوَ بِمَكَّةَ أَوْ خَرَجَ بِهِ عَنْ الْحَرَمِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ جَازَ لَهُ ذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ وَلَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ آفَاقِيٍّ صَادَهُ فِي الْحِلِّ وَفِي تت أَنَّ مَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ طَوِيلًا كَأَهْلِهَا وَالْمُرَادُ بَعْدَ إحْلَالِهِ مِنْ الْإِحْرَامِ (تَنْبِيهٌ) يُعْتَبَرُ التَّحْرِيمُ وَقْتَ الْإِصَابَةِ لَا وَقْتَ الرَّمْيِ فَلَوْ رَمَى عَلَى صَيْدٍ وَهُوَ حَلَالٌ ثُمَّ أَحْرَمَ قَبْلَ وُصُولِ الرَّمْيِ إلَيْهِ وَأَصَابَتْهُ الرَّمْيَةُ بَعْدَ إحْرَامِهِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَأَمَّا الْجَزَاءُ الَّذِي يُوجِبُهُ الْحَرَمُ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ كَوْنُ الصَّيْدِ بِالْحَرَمِ وَقْتَ الْإِصَابَةِ، أَوْ مُرُورِ السَّهْمِ بِالْحَرَمِ.
(قَوْلُهُ وَمِنْهُ الضِّفْدَعُ وَتُرْسُ الْمَاءِ) يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ مِنْهُمَا بَرِّيٌّ مَعَ أَنَّهُ يُوجَدُ مِنْهُمَا بَرِّيٌّ وَهُوَ مَا مَقَرُّهُ الْبَرُّ وَإِنْ كَانَ يَعِيشُ فِي الْمَاءِ بِخِلَافِ الْبَحْرِيِّ فَإِنَّهُ مَقَرُّهُ الْبَحْرُ وَإِنْ كَانَ يَعِيشُ فِي الْبَرِّ.
(قَوْلُهُ وَلَيْسَ مِنْهُ الْكَلْبُ الْإِنْسِيُّ) أَيْ لِأَنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُهُ بَلْ يُنْدَبُ قَتْلُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَأَيْضًا الْكَلَامُ فِي صَيْدِ الْوَحْشِ (قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يُؤْكَلْ) أَيْ وَفِيهِ الْجَزَاءُ عَلَى أَنْ لَوْ جَازَ بَيْعُهُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ يُلَازِمُ الْمَاءَ) أَيْ وَيَعِيشُ فِي الْبَرِّ، وَأَمَّا الطَّيْرُ الَّذِي يَأْلَفُ الْمَاءَ وَلَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ كَالْغَطَّاسِ فَلَا يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ لِأَنَّهُ بَحْرِيٌّ، وَأَمَّا الطَّيْرُ الَّذِي يَتَوَلَّدُ مِنْ الْمَاءِ فَهُوَ سَمَكٌ (قَوْلُهُ كُلُّهُ) أَيْ بِقَتْلِهِ وَقَوْلُهُ لِبَعْضِهِ أَيْ كَقَطْعِ جَنَاحٍ

(قَوْلُهُ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ) لَا أَنَّهَا مَعْطُوفَةٌ لِئَلَّا يَلْزَمَ عَطْفُ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْخَبَرِ وَهِيَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ أَنْتَ قَدْ ذَكَرْت حُرْمَةَ التَّعَرُّضِ لِلْحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فَمَا حُكْمُهُ إذَا كَانَ مَعَهُ فَقَالَ: وَلْيُرْسِلْهُ. . . إلَخْ (قَوْلُهُ أَيْ وَلْيُرْسِلْهُ حَالَ كَوْنِهِ) هَذَا يُنَافِي عَطْفَهُ عَلَى الضَّمِيرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَعَطْفُهُ عَلَى الضَّمِيرِ يُنَاسِبُ حَلَّ تت فَإِنَّهُ جَعَلَ قَوْلَهُ بِيَدِهِ شَامِلًا لِمَا إذَا كَانَ بِيَدِهِ يَقُودُهُ، أَوْ فِي قَفَصٍ مَعَهُ وَقَوْلُهُ أَوْ رُفْقَتُهُ أَيْ بِأَنْ يَكُونَ مَعَ الْجَمَاعَةِ الْمُرَافِقِينَ لَهُ انْتَهَى أَيْ وَهُوَ مِلْكُهُ وَكَأَنَّ مُرَادَهُ بِالْمُرَافِقِينَ لَهُ أَتْبَاعُهُ كَمَا فِي ك وَهَذَا الْحَلُّ هُوَ الْحَلُّ الْأَوَّلُ لِلشَّارِحِ الَّذِي أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ بِيَدِهِ أَوْ مَعَ رُفْقَتِهِ فَكَلَامُ الشَّارِحِ فِيهِ تَلْفِيقٌ فَإِنْ قِيلَ الْإِحْرَامُ مَانِعٌ مِنْ الصَّيْدِ وَمَانِعٌ مِنْ النِّكَاحِ وَأَوْجَبْتُمْ إرْسَالَ الصَّيْدِ وَلَمْ تُوجِبُوا طَلَاقَ الزَّوْجَةِ السَّابِقَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الصَّيْدَ يَحْرُمُ لِذَاتِهِ فَهُوَ مَقْصُودٌ بِالتَّحْرِيمِ وَالنِّكَاحَ يَحْرُمُ لِأَجْلِ الْوَقْتِ فَلَمْ يَتَسَاوَيَا فِي التَّحْرِيمِ فَافْتَرَقَا أَيْ فَأَمْرُ النِّكَاحِ أَخَفُّ مِنْ أَمْرِ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّ مَا حَرُمَ لِذَاتِهِ أَشَدُّ مِمَّا حَرُمَ لِشَيْءٍ آخَرَ وَأَقُولُ جَوَابًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ النِّكَاحَ إنَّمَا نُهِيَ عَنْ اسْتِحْدَاثِهِ لَا عَمَّا سَبَقَ بِخِلَافِ الصَّيْدِ فَالنَّهْيُ عَنْهُ عَامٌّ بِدَلِيلِ: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ} [المائدة: 96] ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مَصِيدًا قَبْلَ الْإِحْرَامِ

الصفحة 364