كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 2)

مَا قَبْلَهُ لِتَغَايُرِ التَّصْوِيرِ؛ لِأَنَّ مَا قَبِلَهُ قَبِلَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ.

وَلَمَّا قَدَّمَ مَنْعَ اسْتِحْدَاثَ مِلْكِهِ وَمَرَّ بِنَا الْكَلَامُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِبَتِهِ ذَكَرَ حُكْمَ شِرَائِهِ فَقَالَ (ص) وَفِي صِحَّةِ اشْتِرَائِهِ قَوْلَانِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا اشْتَرَى صَيْدًا مِنْ حَلَالٍ فَهَلْ هَذَا الْعَقْدُ صَحِيحٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ، أَوْ هُوَ فَاسِدٌ كَمَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ قَوْلَانِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي إرْسَالُهُ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِرَبِّهِ دُونَ ثَمَنِهِ قَالَهُ سَنَدٌ، وَقِيلَ يَغْرَمُ ثَمَنَهُ وَاسْتُظْهِرَ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ لَوْ لَمْ يُرْسِلْهُ وَرَدَّهُ لِرَبِّهِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يَرُدُّهُ لِرَبِّهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ لَمْ يَفُتْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ رَبَّهُ فَقِيَاسُ مَا مَرَّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ حَلَالًا يُودِعُهُ عِنْدَهُ أَنْ يُرْسِلَهُ وَيَضْمَنَ لِرَبِّهِ قِيمَتَهُ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ كَرِيمُ الدِّينِ وَقَوْلُنَا مِنْ حَلَالٍ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ مُحْرِمًا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ قَدْ بَاعَ مَا لَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ.

وَلَمَّا ذَكَرَ حُرْمَةَ التَّعَرُّضِ لِلْبَرِّيِّ عُمُومًا أَخْرَجَ مِنْهُ أَفْرَادًا وَرَدَ بِجَوَازِ قَتْلِهَا الْخَبَرُ فَقَالَ (ص) إلَّا الْفَأْرَةَ وَالْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ مُطْلَقًا وَغُرَابًا وَحِدَأَةً وَفِي صَغِيرِهِمَا خِلَافٌ (ش) يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تُقْتَلُ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ مِنْهَا الْفَأْرَةُ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَقَدْ تُسَهَّلُ وَيُلْحَقُ بِهَا بِنْتُ عِرْسٍ وَمَا يَقْرِضُ الثِّيَابَ مِنْ الدَّوَابِّ وَالتَّاءُ فِي الْفَأْرَةِ لِلْوَحْدَةِ وَكَذَلِكَ فِي حَيَّةٍ لَا لِلتَّأْنِيثِ وَمِنْهَا الْحَيَّةُ، وَلَمَّا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ بِإِسْقَاطِ الْعَقْرَبِ وَذِكْرَ الْحَيَّةِ وَبِالْعَكْسِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ وَالْعَقْرَبُ، وَيُلْحَقُ بِهَا الرُّتَيْلَاءُ وَهِيَ دَابَّةٌ صَغِيرَةٌ سَوْدَاءُ رُبَّمَا قَتَلَتْ مَنْ لَدَغَتْهُ وَالزُّنْبُورُ وَهُوَ ذَكَرُ النَّحْلِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذِهِ الْأَجْنَاسِ الثَّلَاثَةِ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ؛ لِأَنَّ صَغِيرَهَا يُؤْذِي كَمَا يُؤْذِي كَبِيرُهَا وَسَوَاءٌ بَدَأَتْ بِالْإِذِايَةِ أَمْ لَا، وَمِنْهَا الْغُرَابُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْأَبْقَعِ كَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ هَلْ لَفْظُ الْغُرَابِ عَامٌّ فَالْأَبْقَعُ فَرْدٌ لَا يُخَصَّصُ، أَوْ مُطْلَقٌ فَالْأَبْقَعُ مُبَيِّنٌ لَهُ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ وَعَلَيْهِ غَالِبُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ انْتَهَى وَالْأَبْقَعُ هُوَ الَّذِي فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ وَالْبُقْعُ فِي الطَّيْرِ وَالْكِلَابِ بِمَنْزِلَةِ الْبُلْقِ فِي الدَّوَابِّ كَمَا فِي الصِّحَاحِ، وَمِنْهَا الْحِدَأَةُ.
وَهَذَا إذَا وَصَلَ كُلٌّ مِنْ الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ حَدَّ الْإِيذَاءِ فَإِنْ لَمْ يَصِلْ لِذَلِكَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالصَّغِيرِ فَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الْقَتْلِ نَظَرًا لِلَفْظِ غُرَابٍ وَحِدَأَةٍ وَشَهَرَهُ ابْنُ رَاشِدٍ وَغَيْرُهُ وَمَنَعَهُ نَظَرًا لِلْمَعْنَى وَهُوَ
الْإِيذَاءُ
وَهُوَ مُنْتَفٍ حَالًا وَشَهَرَهُ ابْنُ هَارُونَ خِلَافٌ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ لَا جَزَاءَ فِيهِ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ الْآخَرِ وَمَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ أَنَّ لِلْمُحْرِمِ قَتْلَهُ إنَّمَا هُوَ بِقَصْدِ دَفْعِ الْإِذَايَةِ أَمَّا لَوْ قَتَلَهُ بِقَصْدِ الذَّكَاةِ فَلَا يَجُوزُ وَلَا يُؤْكَلُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ تَأَمَّلْ (ص) وَعَادِي سَبُعٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ فِي الْحَدِيثِ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ هُوَ عَادِي السِّبَاعِ مِنْ أَسَدٍ وَفَهْدٍ وَنَمِرٍ عَلَى الْمَشْهُورِ «؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي عُتَيْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِك فَعَدَا عَلَيْهِ السَّبُعُ فَقَتَلَهُ» وَقِيلَ الْإِنْسِيُّ الْمُتَّخَذُ وَهُوَ شَاذٌّ وَقَوْلُهُ (كَذِئْبٍ) تَمْثِيلٌ لِلْعَادِي وَنَبَّهَ بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ بِقَتْلِهِ وَقَوْلُهُ (إنْ كَبُرَ) شَرْطٌ فِي كُلِّ عَادٍ لَا بِخُصُوصِ الذِّئْبِ وَلَا يَرِدُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ فِي كَلَامِهِ رُجُوعُ الشَّرْطِ لِمَا بَعْدَ الْكَافِ؛ لِأَنَّهَا فِي كَافِ التَّشْبِيهِ لِإِفَادَةِ حُكْمٍ فِي غَيْرِ جِنْسِ الْمُشَبَّهِ بِهِ لَا كَافِ التَّمْثِيلِ بِبَعْضِ أَفْرَادٍ فَإِنْ صَغُرَ كُرِهَ قَتْلُهُ وَلَا جَزَاءَ عَلَى الْمَشْهُورِ (ص) كَطَيْرٍ خِيفَ إلَّا بِقَتْلِهِ (ش) يَعْنِي وَكَذَلِكَ يُقْتَلُ الطَّيْرُ إذَا عَدَا عَلَيْهِ وَخِيفَ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ، أَوْ نَفْسِ الْغَيْرِ، أَوْ مَالِهِ وَلَا يَنْدَفِعُ عَمَّا ذُكِرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إذَا اشْتَرَى صَيْدًا مِنْ حَلَالٍ) أَيْ بَعْدَ الْوُقُوعِ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِحْدَاثُ مِلْكِ الصَّيْدِ (قَوْلُهُ قَالَهُ سَنَدٌ) وَيُلْغِزُ بِهَا فَيُقَالُ بَيْعٌ صَحِيحٌ يَمْضِي بِالْقِيمَةٍ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَغْرَمُ ثَمَنَهُ وَاسْتَظْهَرَ) أَيْ اسْتَظْهَرَهُ الْحَطَّابُ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا تَلْزَمُ فِي الْفَاسِدِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ كَذَا كَتَبَ بَعْضُ الشُّيُوخِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ قَوِيٌّ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ وَحَلُّ بَعْضِ الشُّرَّاحِ يَقْتَضِي أَنَّهُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَلَوْ ابْتَاعَهُ بِالْخِيَارِ وَهُمَا حَلَالَانِ، ثُمَّ أَحْرَمَا قَبْلَ مُضِيِّ أَمَدِ الْخِيَارِ فَإِنْ اخْتَارَ الْمُبْتَاعُ الْإِمْضَاءَ غَرِمَ الثَّمَنَ وَأَرْسَلَهُ وَإِلَّا فَلَا ثَمَنَ عَلَيْهِ وَوَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ إرْسَالُهُ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَقَفَ فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ فَهُوَ مِنْهُ وَيُسَرِّحُهُ وَإِنْ أَمْضَى فَهُوَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَيُسَرِّحُهُ فَإِنْ سَرَّحَهُ قَبْلَ إيقَافِ الْبَائِعِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِإِتْلَافِهِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَمْضِ الْبَيْعُ كَذَا فِي شَرْحِ شب وَانْظُرْ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا.

(قَوْلُهُ وَالْحَيَّةَ) وَيَدْخُلُ فِيهَا الْأَفْعَى وَهِيَ حَيَّةٌ رَقْشَاءُ دَقِيقَةُ الْعُنُقِ (قَوْلُهُ وَحِدَأَةٌ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ كَعِنَبَةٍ (قَوْلُهُ بِنْتُ عِرْسٍ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ ابْنُ عِرْسٍ وَالْجَمْعُ بَنَاتُ عِرْسٍ (قَوْلُهُ وَالزُّنْبُورُ) بِضَمِّ الزَّايِ (قَوْلُهُ فَالْأَبْقَعُ فَرْدٌ لَا يُخَصَّصُ) أَيْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنَافٍ وَشَرْطُ الْمُخَصَّصِ أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا (قَوْلُهُ أَمَّا لَوْ قَتَلَهُ بِقَصْدِ الذَّكَاةِ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ مَحَلُّ الْجَوَازِ إذَا قَتَلَهُ لَا بِقَصْدِ الِاصْطِيَادِ لِيَصْدُقَ الْجَوَازُ بِصُورَتَيْنِ (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ) قَالَ بَعْضٌ وَهُوَ بَيِّنٌ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُهَا فَهِيَ صَيْدٌ تُؤَثِّرُ فِيهَا الذَّكَاةُ وَيَطْهُرُ جِلْدُهُ وَالْمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَكَاةِ الصَّيْدِ وَمِنْ قَتْلِهِ اهـ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) هَذَا الْحَدِيثُ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ (قَوْلُهُ فِي عُتَيْبَةَ) بِالتَّصْغِيرِ كَذَا فِي نُسْخَةِ شَيْخِنَا عَبْدِ اللَّهِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عُتْبَةُ وَصَوَابُهُ عُتَيْبَةُ، وَأَمَّا عُتْبَةُ وَمُعَتِّبٌ الْمُكَبَّرَانِ فَقَدْ أَسْلَمَا وَصَحِبَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَبُو لَهَبٍ لَهُ أَوْلَادٌ أَرْبَعَةٌ عُتْبَةُ وَمُعَتِّبٌ وَقَدْ أَسْلَمَا وَعُتَيْبَةُ بِالتَّصْغِيرِ وَلَهَبٌ وَقَدْ مَاتَا كَافِرَيْنِ نَقَلَهُ شَيْخُنَا عَنْ شَيْخِهِ الزَّرْقَانِيِّ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْإِنْسِيُّ الْمُتَّخَذُ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُهُ بَلْ يُنْدَبُ.
(قَوْلُهُ كَذِئْبٍ) أَيْ إذَا قَتَلَهُ لِأَجْلِ الْإِيذَاءِ فَإِنْ قَتَلَهُ بِنِيَّةِ الذَّكَاةِ فَلَا يَجُوزُ وَفِيهِ الْجَزَاءُ (قَوْلُهُ إنْ كَبِرَ) بِكَسْرِ الْبَاءِ وَمُضَارِعُهُ بِفَتْحِهَا لِأَنَّ الْمُرَادَ الْكِبَرُ فِي السِّنِّ، وَأَمَّا فِي الْجِسْمِ وَالْمَعْنَى فَالضَّمُّ مَاضِيًا وَمُضَارِعًا وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ} [الصف: 3] (قَوْلُهُ وَخِيفَ عَلَى نَفْسِهِ. . . إلَخْ) أَيْ فَحَذَفَ الْمُتَعَلِّقَ لِلْعُمُومِ (قَوْلُهُ: أَوْ مَالِهِ) يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ بَالٌ كَمَا فِي شَرْحِ عب

الصفحة 366