كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 2)

إلَّا بِقَتْلِهِ فَقَوْلُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ مُسْتَثْنًى مِنْ مُقَدَّرٍ كَمَا تَرَى وَيَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ خِيفَ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى لَا يُؤْمَنُ مِنْهُ أَيْ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُ إلَّا بِقَتْلِهِ.

(ص) وَوَزَغًا لِحِلٍّ بِحَرَمٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْوَزَغَ يَجُوزُ قَتْلُهُ لِلْحَلَالِ فِي الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ شَأْنَهَا الْأَذَى، وَأَمَّا الْمُحْرِمُ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ قَتْلُهُ فَإِنْ فَعَلَ فَلْيُطْعِمْ شَيْئًا مِنْ الطَّعَامِ كَسَائِرِ الْهَوَامِّ، ثُمَّ شَبَّهَ فِي عَدَمِ الْجَزَاءِ الْمَفْهُومِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ فَقَالَ (ص) كَأَنْ عَمَّ الْجَرَادُ وَاجْتَهَدَ (ش) فَكَأَنَّهُ قَالَ وَلَا جَزَاءَ فِي هَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ كَأَنْ عَمَّ الْجَرَادُ بِحَيْثُ لَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ حَيْثُ اجْتَهَدَ وَتَحَفَّظَ الْمُحْرِمُ مِنْ قَتْلِهِ فَمَا أَصَابَ مِنْهُ بَعْدَ هَذَا فَهَدَرٌ، وَالْوَاوُ فِي وَاجْتَهَدَ وَاوُ الْحَالِ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ اجْتَهَدَ فِي عَدَمِ إصَابَتِهِ (ص) ، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ (ش) رَاجِعٌ لِمَسْأَلَةِ الْجَرَادِ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ الْجَرَادُ أَوْ عَمَّ وَلَمْ يَجْتَهِدْ فِي التَّحَفُّظِ مِنْ قَتْلِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ إنْ قَتَلَهُ، وَكَذَا حَلَّ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ وَلَا مَانِعَ مِنْ عَوْدِهِ لِمَسْأَلَةِ الْوَزَغِ أَيْضًا أَيْ وَإِنْ كَانَ قَتَلَ الْوَزَغَ لِمُحْرِمٍ فَقِيمَتُهُ مَالِكٌ وَإِذَا قَتَلَهُ مُحْرِمٌ أَطْعَمَ كَسَائِرِ الْهَوَامِّ وَقَوْلُهُ فَقِيمَتُهُ طَعَامًا مِمَّا تَقُولُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ ابْنُ رُشْدٍ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ ذَلِكَ بِغَيْرِ حُكُومَةٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ بِحُكُومَةٍ، وَإِلَّا أَعَادَ (ص) وَفِي الْوَاحِدَةِ حَفْنَةٌ (ش) أَيْ وَفِي الْجَرَادَةِ الْوَاحِدَةِ حَفْنَةٌ مِنْ طَعَامٍ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ وَتَنْتَهِي الْحَفْنَةُ إلَى الْعَشَرَةِ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فِيهِ الْقِيمَةُ (ص) وَإِنْ فِي نَوْمٍ (ش) يَعْنِي وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا انْقَلَبَ عَلَى الْجَرَادِ فِي نَوْمٍ، أَوْ نِسْيَانٍ فَقَتَلَهُ.
وَقَوْلُهُ (كَدُودٍ) وَذَرٍّ وَنَمْلٍ وَذُبَابٍ تَشْبِيهٌ فِي وُجُوبِ الْحَفْنَةِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْوَاحِدَةِ وَغَيْرِهَا (ص) وَالْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ (ش) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ أَيْ كَائِنٌ وَحَاصِلٌ بِقَتْلِهِ وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ وَهِيَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ فَإِنْ تَعَرَّضَ لَهُ فَتَارَةً يَقْتُلُهُ وَتَارَةً لَا يَقْتُلُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَيَجِبُ الْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ (ص) وَإِنْ لِمَخْمَصَةٍ وَجَهْلٍ وَنِسْيَانٍ وَتَكَرُّرٍ (ش) الْمَشْهُورُ أَنَّ الْجَزَاءَ يَلْزَمُ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ لِأَجْلِ مَخْمَصَةٍ أَيْ مَجَاعَةٍ عَامَّةٍ أَوْ خَاصَّةٍ تُبِيحُ الْمَيْتَةَ وَتُقَدَّمُ الْمَيْتَةُ عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي أَوْ وَقَعَ لِأَجْلِ جَهْلٍ بِحُكْمِ قَتْلِ الصَّيْدِ، أَوْ وَقَعَ ذَلِكَ لِأَجْلِ نِسْيَانٍ، أَوْ وَقَعَ ذَلِكَ لِأَجْلِ تَكَرُّرٍ فَإِنَّ الْجَزَاءَ يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ بِتَكَرُّرِ قَتْلِ الصَّيْدِ وَسَوَاءٌ نَوَى التَّكْرَارَ أَمْ لَا فَقَوْلُهُ وَتَكَرُّرٍ دَاخِلٌ فِي حَيِّزِ الْمُبَالَغَةِ لِقَوْلِهَا وَمَنْ قَتَلَ صُيُودًا فَعَلَيْهِ بِعَدَدِهَا كَفَّارَاتٌ (ص) كَسَهْمٍ مَرَّ بِالْحَرَمِ (ش) التَّشْبِيهُ فِي لُزُومِ الْجَزَاءِ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ رَمَى بِالسَّهْمِ وَهُوَ فِي الْحِلِّ صَيْدًا فِي الْحِلِّ إلَّا أَنَّ السَّهْمَ مَرَّ بِبَعْضِ الْحَرَمِ فَقَطَعَهُ وَخَرَجَ إلَى الصَّيْدِ فِي الْحِلِّ فَقَتَلَهُ فَهُوَ مَيْتَةٌ وَفِيهِ الْجَزَاءُ وَلَا يُؤْكَلُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ.

(ص) وَكَلْبٌ تَعَيَّنَ طَرِيقُهُ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَرْسَلَ كَلْبًا مِنْ الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ إلَّا أَنَّ الْكَلْبَ لَيْسَ لَهُ بِطَرِيقٍ إلَّا الْحَرَمَ فَدَخَلَ الْكَلْبُ الْحَرَمَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ فَقَتَلَ الصَّيْدَ فِي الْحِلِّ فَهُوَ مَيْتَةٌ وَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُنْتَهِكٌ لِحُرْمَةِ الْحَرَمِ.

(ص) أَوْ قَصَّرَ فِي رَبْطِهِ (ش)
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مُسْتَثْنًى مِنْ مُقَدَّرٍ) ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْمُقَدَّرَ هُوَ قَوْلُهُ وَلَا يَنْدَفِعُ مَعَ أَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ مُسْتَثْنًى مِمَّا ذُكِرَ بَلْ مِنْ مَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ وَلَا يَنْدَفِعُ عَمَّا ذُكِرَ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ إلَّا بِقَتْلِهِ وَقَوْلُهُ: وَيَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مَنْ خِيفَ أَيْ مِنْ مُتَعَلِّقِ خِيفَ وَالْمَعْنَى لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ بِأَيِّ وَجْهٍ إلَّا بِقَتْلِهِ

. (قَوْلُهُ وَوَزَغًا لِحِلٍّ إلَخْ) جَمْعُهُ أَوْزَاغٌ وَوَزَغَاتٌ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمُحْرِمُ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ قَتْلُهُ) أَيْ يَحْرُمُ فَالْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ الْحُرْمَةُ وَقَوْلُهُ فَلْيُطْعِمْ شَيْئًا مِنْ الطَّعَامِ الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ فَلْيُطْعِمْ حَفْنَةً كَسَائِرِ الْهَوَامِّ وَهَذَا مَعَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ مَا جَازَ قَتْلُهُ فِي الْحَرَمِ جَازَ قَتْلُهُ لِلْمُحْرِمِ فِي الْحِلِّ إلَّا أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَأَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ لَغَلَبَتْ فِي الْبُيُوتِ وَحَصَلَ مِنْهَا الضَّرَرُ بِإِفْسَادِ مَا تَصِلُ إلَيْهِ وَمُدَّةُ الْإِحْرَامِ قَصِيرَةٌ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ شَبَّهَ فِي عَدَمِ الْجَزَاءِ) إنَّمَا لَمْ يَجْعَلْهُ مُشَبَّهًا فِي الْجَوَازِ كَمَا هُوَ السِّيَاقُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُجْتَهِدِ مِنْ الْقَتْلِ إنَّمَا يَكُونُ خَطَأً وَلَا يَتَّصِفُ مَا كَانَ خَطَأً لَا بِجَوَازٍ وَلَا بِحُرْمَةٍ (قَوْلُهُ وَلَا مَانِعَ مِنْ عَوْدِهِ. . . إلَخْ) أَقُولُ بَلْ فِيهِ مَانِعٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَزَغَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُحْرِمِ إنَّمَا فِيهِ إطْعَامُ حَفْنَةٍ لَا قِيمَةٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا قَتَلَهُ مُحْرِمٌ أَطْعَمَ كَسَائِرِ الْهَوَامِّ (قَوْلُهُ كَدُودٍ) ظَاهِرُهُ أَوْ صَرِيحُهُ أَنَّهُ تَشْبِيهٌ فِي الْحَفْنَةِ كَمَا مَرَّ أَنَّ الَّذِي فِي الْمَوَّازِيَّةِ قَبْضَةٌ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَهِيَ دُونَ الْحَفْنَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمَا مُتَقَارِبَانِ كَمَا أَفَادَهُ مُحَشِّي تت.
(قَوْلُهُ وَذَرٍّ) هُوَ النَّمْلُ الصَّغِيرُ فَعَطْفُ النَّمْلِ عَلَيْهِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ (قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ) فِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُحْذَفُ فِيهَا الْفِعْلُ، ثُمَّ إنَّ تِلْكَ الْجُمْلَةَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَحَرُمَ بِهِ وَبِالْحَرَمِ تَعَرُّضٌ لِبَرِّيٍّ وَكَأَنَّهُ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ فَإِنْ تَعَرَّضَ فَالْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ وَبِعِبَارَةٍ وَالْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مِثْلِهَا مِنْ قَوْلِهِ: وَفِي الْوَاحِدَةِ حَفْنَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ لِمَخْصَمَةٍ) فِي ك وَيَجُوزُ الِاصْطِيَادُ لِلْمَخْصَمَةِ وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَحِينَئِذٍ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْجَوَازِ وَالْجَزَاءِ كَمَا أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحُرْمَةِ وَنَفْيِ الْجَزَاءِ.
(قَوْلُهُ الْمَشْهُورُ) إشَارَةٌ لِلْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فَقَدْ حَكَى اللَّخْمِيُّ فِي اصْطِيَادِهِ وَقَتْلِهِ لِلضَّرُورَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ وَقِيلَ يَجُوزُ وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَقِيلَ لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَحَكَى فِي الْجَوَاهِرِ عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ حَكَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ قَالَ لَا جَزَاءَ فِي غَيْرِ الْعَمْدِ وَلَا فِيمَا تَكَرَّرَ (قَوْلُهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ) إشَارَةٌ لِلْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فَكَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَرَفْته وَمُخَالِفُهُ أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ فَأَشْهَبُ يَقُولُ يُؤْكَلُ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ يُوَافِقُ أَشْهَبَ بِشَرْطِ الْبُعْدِ وَالْمُرَادُ بِالْبُعْدِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرَّمْيِ وَبَيْنَ الْحَرَمِ مَسَافَةٌ لَا يَقْطَعُهَا السَّهْمُ غَالِبًا فَوَافَقَ مِنْ مَقْدُورِ اللَّهِ أَنَّهُ قَطَعَهَا وَمَرَّ بِطَرَفِ الْحَرَمِ لِقُوَّةٍ حَصَلَتْ لِلرَّامِي

(قَوْلُهُ تَعَيَّنَ طَرِيقُهُ) مَفْهُومُهُ لَوْ كَانَ لِلْكَلْبِ طَرِيقٌ غَيْرَ الْحَرَمِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ جَزَاءٌ لِعَدَمِ انْتِهَاكِ حُرْمَةِ الْحَرَمِ وَهُوَ كَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ.

الصفحة 367