كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 2)

ص) وَجَازَ مَصِيدُ حِلٍّ لِحِلٍّ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُحْرِمَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ صَادَهُ حَلَالٌ فِي الْحِلِّ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِحَلَالٍ آخَرَ قَالَ الْبَاجِيُّ اتِّفَاقًا وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ (وَإِنْ سَيُحْرِمُ) يَصِحُّ رُجُوعُهُ لِلصَّائِدِ وَلِلْحِلِّ الْمُصَادِ لَهُ، أَوْ لَهُمَا بِتَأْوِيلِ مَنْ ذُكِرَ وَهُوَ مُبَالَغَةٌ فِي جَوَازِ أَكْلِ الْمُحْرِمِ مِنْ لَحْمِ الصَّيْدِ الْمَذْكُورِ أَيْ وَإِنْ كَانَ الصَّائِدُ، أَوْ الْمِصْيَدُ مِنْ أَجْلِهِ سَيُحْرِمُ بَعْدَ أَكْلِهِ، وَهَذَا إذَا تَمَّتْ ذَكَاتُهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَيْتَةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِأَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّ الَّذِي صِيدَ لَهُ مُحْرِمٌ.

(ص) وَذَبْحُهُ بِحَرَمٍ مَا صِيدَ بِحِلٍّ (ش) أَيْ وَيَجُوزُ لِلْحَلَالِ الْمُقِيمِ بِالْحَرَمِ إذَا خَرَجَ لِلْحِلِّ وَأَتَى بِصَيْدٍ مِنْهُ أَنْ يَذْبَحَهُ فِي الْحَرَمِ وَيُبَاحُ أَكْلُهُ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَأَمَّا عَابِرُ السَّبِيلِ فَلَا يَذْبَحُهُ فِيهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ فَإِنْ أَكَلَهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْحَرَمِ وَدَاهُ كَانَ مُحْرِمًا أَوْ حَلَالًا أَمَّا الْمُحْرِمُ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا الْحَلَالُ فَلِأَنَّهُ لَمَّا أَدْخَلَهُ الْحَرَمَ صَارَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ وَبِمَا قَرَّرْنَا يُعْلَمُ مَا فِي حِلِّ الشَّارِحِ مِنْ النَّظَرِ.

(ص) وَلَيْسَ الْإِوَزُّ وَالدَّجَاجُ بِصَيْدٍ بِخِلَافِ الْحَمَامِ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَذْبَحَ الْإِوَزَّ وَالدَّجَاجَ وَيَأْكُلَهُ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ لَا يَطِيرُ وَالدَّجَاجُ جَمْعُ دَجَاجَةٍ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مُثَلَّثُ الْأَوَّلِ وَيَجُوزُ لَهُ أَيْضًا أَنْ يَأْكُلَ بَيْضَ الْإِوَزِّ وَالدَّجَاجِ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَذْبَحَ الْغَنَمَ وَالْبَقَرَ وَالْإِبِلَ لَا الْبَقَرَ الْوَحْشِيَّ؛ لِأَنَّهَا صَيْدٌ، وَأَمَّا الْحَمَامُ جَمْعُ حَمَامَةٍ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فَإِنَّهُ صَيْدٌ فَلَا يُؤْكَلُ وَلَا بَيْضُهُ وَحْشِيًّا أَوْ رُومِيًّا يُتَّخَذُ لِلْفِرَاخِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَصْلِ مَا يَطِيرُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَفِي كِتَابِ الْمُدَوَّنَةِ، وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَذْبَحَ الْمُحْرِمُ الْحَمَامَ الْوَحْشِيَّ وَغَيْرَ الْوَحْشِيِّ وَالْحَمَامَةَ الرُّومِيَّةَ الَّتِي لَا تَطِيرُ وَإِنَّمَا تُتَّخَذُ لِلْفِرَاخِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَصْلِ مَا يَطِيرُ قَالَ فِي تَوْضِيحِهِ: هَذِهِ الْكَرَاهَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَلَى بَابِهَا فَإِنْ فَعَلَ فَلَا جَزَاءَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَيُحْتَمَلُ الْمَنْعَ فَيَجِبُ الْجَزَاءُ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ.

وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ الْمَصِيدَ مِنْ أَجْلِهِ أَمْ لَا وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا، أَوْ كَانَ عَالِمًا وَأَكَلَ مِنْهُ ثَانِيًا فَهَاتَانِ صُورَتَانِ، وَأَمَّا إذَا مَاتَ بِصَيْدِ مُحْرِمٍ وَلَزِمَهُ جَزَاؤُهُ فَلَا جَزَاءَ ثَانِيًا عَلَى آكِلِهِ كَانَ هُوَ الصَّائِدَ أَوْ مُحْرِمٌ آخَرُ فَهِيَ صُوَرٌ أَرْبَعٌ تَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا فِي أَكْلِهَا وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَأَكَلَ مِنْهُ مُحْرِمٌ آخَرُ أَقُولُ وَكَذَا لَوْ أَكَلَ مِنْهُ نَفْسُ الصَّائِدِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْأَكْلِ لِلُزُومِ الْجَزَاءِ لَهُ بِالِاصْطِيَادِ

(قَوْلُهُ وَجَازَ مَصِيدُ حِلٍّ لِحِلٍّ) قَالَ اللَّقَانِيِّ مُتَعَلِّقُ جَازَ مَحْذُوفٌ أَيْ جَازَ لِمُحْرِمٍ أَكْلُ مَصِيدِ حِلٍّ لِحِلٍّ مِنْ حِلٍّ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ سَيُحْرِمُ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ فِي إتْيَانِهِ بِالسِّينِ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ اقْتِضَاؤُهَا التَّوْسِعَةَ فِي الزَّمَنِ وَعِنْدَ إتْسَاعِ الزَّمَنِ بَيْنَ الْإِحْرَامِ وَالْأَكْلِ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْأَكْلِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا ضَاقَ الزَّمَنُ بَيْنَ الصَّيْدِ وَالْإِحْرَامِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَالْعُذْرُ لِلْمُصَنِّفِ فِي الْإِتْيَانِ بِالسِّينِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَأْتِ بِهَا لَصَدَقَ بِالْحَالِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ فَخَفَّ الِاعْتِرَاضُ وَإِنْ لَمْ يَرْتَفِعْ وَالثَّانِي بِأَنَّ إنْ لَا تَقْتَرِنُ بِعِلْمِ اسْتِقْبَالٍ وَأَجَابَ هَذَا الشَّارِحُ عَنْ هَذَا الثَّانِي بِأَنَّ إنْ دَاخِلَةٌ عَلَى كَانَ الْمَحْذُوفَةِ أَيْ وَإِنْ كَانَ الصَّائِدَ.

(قَوْلُهُ: أَيْ وَيَجُوزُ لِلْحَلَالِ الْمُقِيمِ بِالْحَرَمِ) يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، أَوْ الْآفَاقِيُّ الْقَائِمُ بِهَا بَعْدَ طَوَافِهِ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَرَمْيِهِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَلِذَا قَالَ شَيْخُنَا عَبْدُ اللَّهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَحَلَّ بِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ مَا بَقِيَ مِنْ صَيْدٍ وَنِسَاءٍ وَطِيبٍ ظَاهِرُهُ جَوَازُ الِاصْطِيَادِ سَوَاءٌ أَقَامَ بِمَكَّةَ إقَامَةً تَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ أَمْ لَا انْتَهَى.
(قَوْلُهُ وَأَتَى بِصَيْدٍ مِنْهُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الصَّيْدُ صَادَهُ حَلَالٌ أَوْ صَادَهُ مُحْرِمٌ فَإِنْ قُلْت مَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ لَا يَمْلِكُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ فَمَا صُورَةُ وُصُولِهِ لِسَاكِنِ الْحَرَمِ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ قُلْت قَدْ يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا أَسْلَمَهُ لَهُ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ وَلَا عَلَى وَجْهِ الْعَطِيَّةِ بَلْ لِيُرْسِلَهُ مَثَلًا فَذَبَحَهُ وَفِيمَا إذَا أَخَذَهُ مِنْ الْمُحْرِمِ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ رَحْلِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَا هُنَا لَا يُعَارِضُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مَا صَادَهُ مُحْرِمٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ إذْ مَا مَرَّ مَاتَ بِصَيْدِ الْمُحْرِمِ وَمَا هُنَا ذَبَحَهُ كَذَا ذَكَرُوا.
(أَقُولُ) بَلْ وَلَوْ كَانَ قَدْ تَعَدَّى الْمُحْرِمُ وَوَهَبَهُ لِحِلٍّ فِي الْحَرَمِ فَأَخَذَهُ الْحِلُّ وَذَبَحَهُ فِي الْحَرَمِ، وَأَمَّا مَا صِيدَ بِالْحَرَمِ فَلَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ لِسَاكِنِ الْحَرَمِ وَلَوْ كَانَ الصَّائِدُ حَلَالًا (قَوْلُهُ وَأَمَّا عَابِرُ السَّبِيلِ) أَرَادَ أَنَّ الْآفَاقِيَّ الدَّاخِلَ فِي الْحَرَمِ بِصَيْدٍ مَعَهُ مِنْ الْحِلِّ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَبْحُهُ وَلَوْ أَقَامَ بِمَكَّةَ إقَامَةً تَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ بِمُجَرَّدِ دُخُولِهِ الْحَرَمِ كَانَ مُحْرِمًا أَوْ حَلَالًا (قَوْلُهُ فَإِنْ أَكَلَهُ) أَيْ فَإِنْ ذَبَحَهُ وَأَكَلَهُ.
(قَوْلُهُ وَبِمَا قَرَّرْنَا يُعْلَمُ مَا فِي حَلِّ الشَّارِحِ) أَيْ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّارِحَ جَعَلَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَذَبْحُهُ بِحَرَمٍ مَا صِيدَ بِحِلٍّ شَامِلًا لِمَا إذَا كَانَ الصَّائِدُ حَرَامًا أَوْ حَلَالًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُقْصَرُ عَلَى الْحَلَالِ هَذَا مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ الْإِوَزُّ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ وَالْوَزُّ لُغَةٌ فِي الْإِوَزِّ وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ الْوَاحِدَةُ إوَزَّةٌ وَقَدْ يَجْمَعُونَهُ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ فَقَالُوا إوَزُّونَ ك (قَوْلُهُ جَمْعُ دَجَاجَةٍ) هَذَا مَذْهَبُ الْفَرَّاءِ وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ (قَوْلُهُ مُثَلَّثُ الْأَوَّلِ) كَذَا قَالَ فِي ك وَالدَّجَاجُ جَمْعُ دَجَاجَةٍ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مُثَلَّثُ الْأَوَّلِ انْتَهَى فَهَلْ قَوْلُهُ مُثَلَّثُ الْأَوَّلِ رَاجِعٌ لِلْجَمْعِ وَالْمُفْرَدِ، أَوْ خَاصٌّ بِالْمُفْرَدِ فَفِي الْقَامُوسِ الدَّجَاجَةُ مَعْرُوفٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَيُثَلَّثُ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ ذَكَرَ فِي ك مَا نَصُّهُ وَالدَّجَاجُ النَّوَوِيُّ بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَالْوَاحِدَةُ دَجَاجَةٌ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الدَّجِّ وَهُوَ الْمَشْيُ الرُّوَيْدُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِإِقْبَالِهَا وَإِدْبَارِهَا (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْحَمَامُ. . . إلَخْ) قَالَ أَشْهَبُ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ مَا ذَبَحُوا مِنْهُ لِأَنْفُسِهِمْ وَهُوَ مُحْرِمٌ اهـ. أَيْ مَا ذَبَحُوهُ مِنْ الْحَمَامِ قَالَ سَنَدٌ وَيُخْتَلَفُ فِي دَجَاجِ الْحَبَشَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي دَجَاجِ الْحَبَشَةِ الْجَزَاءُ لِأَنَّهَا وَحْشِيَّةٌ وَعَنْ أَحْمَدَ لَا جَزَاءَ وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنْ يُنْظَرَ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَطِيرُ كَانَتْ كَحُكْمِ حَمَامِ الدُّورِ انْتَهَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مِمَّا يَطِيرُ فَهِيَ صَيْدٌ (قَوْلُهُ وَحْشِيًّا، أَوْ رُومِيًّا) حَصَرَ الْحَمَامَ فِي اثْنَيْنِ وَحْشِيٍّ وَرُومِيٍّ وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْوَحْشِيِّ وَغَيْرَ الْوَحْشِيِّ وَالْحَمَامَةَ الرُّومِيَّةَ يُفِيدُ عَدَمَ الِانْحِصَارِ فِي الْوَحْشِيِّ وَالرُّومِيِّ فَحَمَامُنَا الَّذِي فِي بُيُوتِنَا عَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ مِنْ أَفْرَادِ الرُّومِيِّ وَحَرَّرَ الْمَقَامَ (قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ فَيَجِبُ الْجَزَاءُ)

الصفحة 372