كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 2)

عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّيْدِ وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّابِتِ مُشَارَكَةٌ لِحُرْمَتِهِ بِالْحَرَمِ عَلَى الْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ شَرَعَ فِي ذِكْرِ ذَلِكَ فَقَالَ (ص) وَحَرُمَ بِهِ قَطْعُ مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ إلَّا الْإِذْخِرَ وَالسَّنَى (ش) الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ بِالْبَاءِ عَائِدٌ عَلَى الْحَرَمِ يَعْنِي أَنَّهُ يَحْرُمُ بِالْحَرَمِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَقْطَعَ مَا جِنْسُهُ أَنْ يَنْبُتَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ عِلَاجٍ كَالْبَقْلِ الْبَرِّيِّ وَشَجَرِ الطَّرْفَاءِ وَأُمِّ غَيْلَانَ وَلَوْ اسْتُنِبْتَ نَظَرًا لِجِنْسِهِ كَمَا يَأْتِي فِي عَكْسِهِ وَسَوَاءٌ أَخْضَرُهُ وَيَابِسُهُ إلَّا الْإِذْخِرَ وَالسَّنَى لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي الْأَدْوِيَةِ وَالْإِذْخِرُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ كَالْحَلْفَاءِ طَيِّبُ الرِّيحِ وَاحِدُهُ إذْخِرَةٌ وَجَمْعُ الْإِذْخِرِ أَذَاخِرُ كَأَفَاعِلَ وَالسَّنَى بِالْقَصْرِ الَّذِي يُتَدَاوَى بِهِ وَيُطْلَقُ عَلَى الْبَرْقِ، وَأَمَّا بِالْمَدِّ فَالرِّفْعَةُ قَالَهُ تت وَفِي الْقَامُوسِ السَّنَى ضَوْءُ الْبَرْقِ وَنَبْتٌ مُسَهِّلٌ لِلصَّفْرَاءِ وَالسَّوْدَاءِ وَالْبَلْغَمِ وَيُمَدُّ (ص) كَمَا يُسْتَنْبَتُ (ش) أَيْ كَعَدَمِ حُرْمَةِ قَطْعِ مَا شَأْنُهُ أَنْ يُسْتَنْبَتَ مِنْ كَخَسٍّ وَبَقْلٍ وَحِنْطَةٍ وَبِطِّيخٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ سَوَاءٌ اسْتُنِبْتَ، أَوْ نَبَتَ بِنَفْسِهِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ (وَإِنْ لَمْ يُعَالَجْ) فَيَجُوزُ قَطْعُهُ نَظَرًا إلَى الْجِنْسِ (ص) وَلَا جَزَاءَ (ش) أَيْ لَا جَزَاءَ فِي قَطْعِ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَطْعُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى التَّحْرِيمِ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ بَلْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ (ص) كَصَيْدِ الْمَدِينَةِ (ش) التَّشْبِيهُ فِي تَحْرِيمِ قَطْعِ شَجَرِ حَرَمِ مَكَّةَ وَعَدَمِ الْجَزَاءِ فِيهِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَدِينَةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى يَحْرُمُ الصَّيْدُ فِي حَرَمِهَا وَلَا جَزَاءَ فِيهِ وَلَا يُؤْكَلُ حِينَئِذٍ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَطْعُ شَجَرِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَمَا نَبَتَ فِيهِ بِنَفْسِهِ كَمَا فِي حَرَمِ مَكَّةَ وَمَا اُسْتُثْنِيَ هُنَاكَ يُسْتَثْنَى هُنَا وَهَلْ عَدَمُ جَزَاءِ الصَّيْدِ بِالْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا، أَوْ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَدِينَةِ عِنْدَنَا أَشَدُّ كَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ قَوْلَانِ.

(ص) بَيْنَ الْحِرَارِ (ش) بَيْنَ هُنَا تَحْدِيدُ حَرَمِ الْمَدِينَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّيْدِ وَبِالنِّسْبَةِ لِقَطْعِ الشَّجَرِ وَبَيَّنَ أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّيْدِ مَا بَيْنَ الْحِرَارِ الْأَرْبَعِ الْمُحِيطَةِ بِهَا جَمْعٌ لِحَرَّةٍ أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ نَخِرَةٍ كَأَنَّهَا أُحْرِقَتْ بِالنَّارِ وَالْمَدِينَةُ دَاخِلَةٌ فِي حَرِيمِ الصَّيْدِ وَبِالنِّسْبَةِ لِقَطْعِ الشَّجَرِ بَرِيدٌ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَشَجَرُهَا بَرِيدٌ فِي بَرِيدٍ) مِنْ طَرَفِ الْمَدِينَةِ وَهِيَ خَارِجَةٌ عَنْ حَرِيمِ الشَّجَرِ فَقَطْعُ الشَّجَرِ الَّذِي بِهَا غَيْرُ حَرَامٍ وَيُعْتَبَرُ طَرَفُ الْبُيُوتِ الَّتِي كَانَتْ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَسُورُهَا الْآنَ هُوَ طَرَفُهَا فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَمَا كَانَ خَارِجًا عَنْهُ مِنْ الْبُيُوتِ يَحْرُمُ قَطْعُ مَا يَنْبُتُ بِهِ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى فِي عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ قَلَقٌ؛ لِأَنَّ الْبَرِيدَ فِي الْبَرِيدِ بِبَرِيدٍ فَيَكُونُ نِصْفَ بَرِيدٍ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ؛ لِأَنَّ الْبَرِيدَيْنِ إذَا تَقَاطَعَا تَقَاطُعًا صَلِيبِيًّا نِصْفِيًّا هَكَذَا يَكُونُ نِصْفَ بَرِيدٍ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ فَفِي بِمَعْنَى مَعَ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} [الأعراف: 38] أَيْ مَعَ أُمَمٍ أَيْ بَرِيدًا مُصَاحِبًا لِبَرِيدٍ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ جِهَاتِهَا.

(ص) وَالْجَزَاءُ بِحُكْمِ عَدْلَيْنِ فَقِيهَيْنِ بِذَلِكَ (ش) يَعْنِي أَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ لَيْسَ كَالْفِدْيَةِ وَالْهَدْيِ بَلْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ حُكْمِ الْحَكَمَيْنِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] وَاشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ يَسْتَلْزِمُ الْحُرِّيَّةَ وَالْبُلُوغَ وَمَعْرِفَةَ مَا يَحْكُمُ بِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ الْحُكْمِ وَالْأَمْرِ بِالْجَزَاءِ وَلَا تَكْفِي الْفَتْوَى وَلَا يَحْتَاجَانِ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَا عَالِمَيْنِ بِجَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ وَلِيَ أَمْرًا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِذَلِكَ الْبَابِ فَقَطْ، وَلَا تَكْفِي الْإِشَارَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ وَالْحُكْمُ إنْشَاءٌ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اللَّفْظِ (ص) مِثْلُهُ مِنْ النَّعَمِ، أَوْ إطْعَامٌ بِقِيمَةِ الصَّيْدِ يَوْمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.

(قَوْلُهُ وَحَرُمَ بِهِ قَطْعُ مَا يَنْبُتُ) وَلَوْ لِاحْتِشَاشِ الْبَهَائِمِ وَالسَّنَى أَحَدُ الْمُلْحَقَاتِ؛ لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ اسْتِثْنَاؤُهُ وَهُوَ الْإِذْخِرُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْخَاءِ فَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى السَّنَى لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَإِلَّا فَالْمُلْحَقَاتُ بِالْإِذْخِرِ سِتَّةٌ السَّنَى وَالْهَشُّ أَيْ قَطْعُ وَرَقِ الشَّجَرِ بِالْمِحْجَنِ وِزَانُ مِقْوَدٍ وَالْعَصَا وَالسِّوَاكُ وَقَطْعُ الشَّجَرِ لِلْبِنَاءِ وَالسُّكْنَى بِمَوْضِعِهِ وَقَطْعُهُ لِإِصْلَاحِ الْحَوَائِطِ وَالْبَسَاتِينِ وَقَوْلُنَا قَطْعُ الْوَرَقِ بِالْمِحْجَنِ وَهُوَ الْعَصَا الْمُعْوَجَّةُ مِنْ الطَّرَفِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَالْجَمْعُ الْمَحَاجِنُ بِأَنْ يَضَعَهُ عَلَى الْغُصْنِ وَيُحَرِّكَهُ لِيَقَعَ الْوَرَقُ، وَأَمَّا خَبْطُ الْعَصَا عَلَى الشَّجَرِ لِيَقَعَ وَرَقُهُ فَهُوَ حَرَامٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ) أَيْ وَالْجَزَاءُ كَفَّارَةٌ فَلَا يُقَاسُ الْجَزَاءُ فِي صَيْدِ الْمَدِينَةِ عَلَى الْجَزَاءِ فِي صَيْدِ مَكَّةَ.

(قَوْلُهُ بَيْنَ الْحِرَارِ الْأَرْبَعِ) فِيهِ شَيْءٌ إنَّمَا ذَلِكَ حَرَّتَانِ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِكُلِّ حَرَّةٍ طَرَفَانِ اُعْتُبِرَ كُلُّ طَرَفٍ حَرَّةً وَقَوْلُهُ الْمُحِيطَةُ بِهَا أَيْ تَقْدِيرًا لِأَنَّهُمَا لَيْسَتَا مُحِيطَتَيْنِ بِهَا لِأَنَّهُمَا فِي صَوْبٍ وَاحِدٍ وَحِينَئِذٍ فَالْمَعْنَى بِقَوْلِهِ بَيْنَ الْحِرَارِ أَيْ بَيْنَ وَسَطِ الْبَلَدِ وَالْحِرَارُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ نِصْفَ بَرِيدٍ) قَضِيَّةُ التَّفْرِيعِ أَنْ يَكُونَ رُبْعَ بَرِيدٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ.

(قَوْلُهُ وَالْجَزَاءُ) مُبْتَدَأٌ وَمِثْلُهُ خَبَرٌ وَقَوْلُهُ بِحُكْمٍ إمَّا حَالٌ مِنْ الْمُبْتَدَأِ أَوْ مِنْ الْخَبَرِ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْجَزَاءُ مُبْتَدَأً وَخَبَرُهُ بِحُكْمٍ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ اسْمٌ أَيْ الْمُجَازِي أَوْ الْمُكَافِئُ مِثْلُهُ وَعَلَى الْإِعْرَابِ الثَّانِي يَكُونُ مِثْلُ بَدَلًا وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ الْحُكْمِ فِي الْكُلِّ مِنْ الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِابْنِ عَرَفَةَ مِنْ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ حُكْمٌ وَانْظُرْ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْعَدْلَيْنِ أَنْ لَا يَكُونَا مُتَأَكِّدِي الْقَرَابَةِ (قَوْلُهُ وَمَعْرِفَةٌ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ حُكْمٌ إلَّا أَنَّ بَعْضَ الشُّيُوخِ قَالَ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: وَاشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ يَسْتَلْزِمُ الْحُرِّيَّةَ وَالْبُلُوغَ وَمَعْرِفَةَ مَا يُحْكَمُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِغَيْرِ عِلْمٍ مُنَافٍ لِلْعَدَالَةِ (قَوْلُهُ وَالْأَمْرُ بِالْجَزَاءِ) أَيْ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ يَأْمُرُهُمَا بِالْجَزَاءِ أَيْ بِالْحُكْمِ عَلَيْهِ لَا بِخُصُوصِيَّةِ لَفْظِ الْجَزَاءِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ أَمَرَهُمَا بِالْحُكْمِ وَالْجَزَاءِ مِنْ النَّعَمِ فَحَكَمَا وَأَصَابَا. . . إلَخْ وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ قَالَ عُمَرُ لِعُثْمَانَ وَنَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ اُحْكُمَا فَحَكَمَا عَلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ مِثْلُهُ) أَيْ فِي غَيْرِ مَا وَرَدَ فِيهِ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ مِمَّا سَيَذْكُرُهُ فَلَا يَكُونُ فِيمَا ذُكِرَ هُنَا بَلْ مَا سَيَذْكُرُهُ قَرِيبًا إمَّا بِحُكْمٍ أَوْ بِلَا حُكْمٍ كَحَمَامِ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ وَيَمَامِهِ فَقَوْلُهُ وَالْجَزَاءُ قَضِيَّةٌ مُهْمَلَةٌ لَا كُلِّيَّةٌ فَالْحُكْمُ فِيهَا عَلَى بَعْضِ الْأَفْرَادِ لَا كُلِّهَا.
(قَوْلُهُ إطْعَامٌ بِقِيمَةِ الصَّيْدِ) مَفْهُومُهُ لَوْ دَفَعَ قِيمَتَهُ دَرَاهِمَ أَوْ عَرْضًا لَمْ يَجْزِهِ وَيَرْجِعُ بِهِ إنْ كَانَ

الصفحة 373