كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 2)

وَيَصِيرُ كُلٌّ مِنْهُمَا قَارِنًا وَيُجْزِئُهُ هَذَا الْهَدْيُ الَّذِي قَلَّدَهُ أَوْ أَشْعَرَهُ قَبْلَ الْإِرْدَافِ عَنْ دَمِ الْقِرَانِ، وَهَدْيُ التَّطَوُّعِ هُوَ مَا سِيقَ لِغَيْرِ شَيْءٍ وَجَبَ، أَوْ يَجِبُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَوْ حَذَفَ الْمُؤَلِّفُ: لِخَوْفِ فَوَاتٍ لَكَانَ أَشْمَلَ وَأَخْصَرَ؛ إذْ لَوْ أَرْدَفَ لَا لِخَوْفِ فَوَاتٍ وَلَا لِعُذْرٍ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ يُوهِمُ خِلَافَهُ (ص) كَأَنْ سَاقَهُ فِيهَا، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا بِمَا إذَا سِيقَ لِلتَّمَتُّعِ (ش) ضَمِيرُ فِيهَا عَائِدٌ عَلَى الْعُمْرَةِ وَالتَّشْبِيهُ فِي الْإِجْزَاءِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُعْتَمِرَ إذَا سَاقَ هَدْيَ التَّطَوُّعِ فِي عُمْرَتِهِ فَلَمَّا حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ وَوَجَبَ نَحْرُهُ الْآنَ فَأَخَّرَهُ لِيَوْمِ النَّحْرِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ وَصَارَ مُتَمَتِّعًا فَإِنَّ هَدْيَ التَّطَوُّعِ يُجْزِئُهُ عَنْ تَمَتُّعِهِ كَمَا أَجْزَأَ عَنْ قِرَانِهِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ الْقَاسِمِ: هُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَتَأَوَّلَهَا عَبْدُ الْحَقِّ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى أَنَّ الْهَدْيَ سَاقَهُ بِنِيَّةِ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي مُتْعَتِهِ وَلَكِنْ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ قَبْلَ وُجُوبِهِ الَّذِي هُوَ إحْرَامُ الْحَجِّ وَعَلَيْهِ لَوْ سَاقَهُ لِلتَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَتَأَوَّلَهَا سَنَدٌ بِالْإِجْزَاءِ مُطْلَقًا وَلِذَا قَالَ أَيْضًا وَتَأْوِيلُ سَنَدٍ هُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

(ص) وَالْمَنْدُوبُ بِمَكَّةَ الْمَرْوَةُ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْهَدْيَ الَّذِي يُنْحَرُ، أَوْ يُذْبَحُ بِمَكَّةَ وَالْمُرَادُ بِهَا الْبَلَدُ وَمَا حَوْلَهَا مِنْ مَنَازِلِ النَّاسِ لَا جَمِيعُ الْحَرَمِ يُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْمَرْوَةِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَا يُنْحَرُ بِمِنًى يُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْأُولًى وَهِيَ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ بِالنَّظَرِ لِلْمَكِّيِّ

(ص) وَكُرِهَ نَحْرُ غَيْرِهِ كَالْأُضْحِيَّةِ (ش) لَا إشْكَالَ أَنَّهُ إذَا ذَبَحَ أَوْ نَحَرَ غَيْرُهُ عَنْهُ هَدْيَهُ أَوْ أُضْحِيَّتَهُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ إذَا اسْتَنَابَهُ وَكَانَ النَّائِبُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَبِ، وَكَرِهَ مَالِكٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْحَرَ هَدْيَهُ، أَوْ أُضْحِيَّتَهُ غَيْرُهُ وَإِنْ خَالَفَ مَعَ الْقُدْرَةِ أَجْزَأَهُ وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَكُرِهَ ذَكَاةُ غَيْرِهِ لَكَانَ أَشْمَلَ.

(ص) وَإِنْ مَاتَ مُتَمَتِّعٌ فَالْهَدْيُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إنْ رَمَى الْعَقَبَةَ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إذَا مَاتَ عَنْ غَيْرِ هَدْيٍ، أَوْ عَنْ هَدْيٍ غَيْرِ مُقَلَّدٍ فَالْهَدْيُ وَاجِبٌ إخْرَاجُهُ عَلَى الْوَرَثَةِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَلَوْ لَمْ يُوصِ، وَهَذَا إنْ رَمَى الْعَقَبَةَ لِحُصُولِ أَكْثَرِ الْأَرْكَانِ وَهُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ مَعَ أَحَدِ التَّحَلُّلَيْنِ وَهُوَ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَى وَرَثَتِهِ شَيْءٌ أَمَّا إنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ تَعَيَّنَ ذَبْحُهُ وَلَوْ مَاتَ صَاحِبُهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى، وَمِثْلُ رَمْيِ الْجَمْرَةِ لَوْ مَاتَ بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِهَا أَوْ بَعْدَ فِعْلِهِ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ فِي ثُلُثٍ وَلَا رَأْسِ مَالٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ قَوْلُهُمْ فِي تَعْلِيلِ وُجُوبِ الْهَدْيِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ مُعْظَمُ الْأَرْكَانِ مَعَ حُصُولِ أَحَدِ التَّحَلُّلَيْنِ فَكَانَ كَمَنْ أَشْرَفَ عَلَى فَرَاغِ الْعِبَادَةِ فَيَلْزَمُهُ الْهَدْيُ؛ لِذَلِكَ.

(ص) وَسِنُّ الْجَمِيعِ وَعَيْبُهُ كَالْأُضْحِيَّةِ وَالْمُعْتَبَرُ حِينَ وُجُوبِهِ وَتَقْلِيدِهِ (ش) وَنُسْخَةُ الْمَوَّاقِ كَالضَّحِيَّةِ وَالْمَعْنَى أَنَّ سِنَّ جَمِيعِ دِمَاءِ الْحَجِّ مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ نُسُكٍ أَوْ جَزَاءٍ، أَوْ هَدْيٍ عَنْ نَقْصٍ أَوْ نَذْرٍ، أَوْ تَطَوُّعٍ وَعَيْبَهُ مِمَّا يُجْزِئُ مَعَهُ وَمَا لَا يُجْزِئُ كَالْأُضْحِيَّةِ الْآتِيَةِ فِي بَابِهَا، وَالْمُعْتَبَرُ فِي مُسَاوَاةِ الدِّمَاءِ بِالضَّحَايَا فِي السِّنِّ وَالْعَيْبِ إنَّمَا هُوَ مِنْ حِينِ وُجُوبِهِ وَتَقْلِيدِهِ لَا يَوْمَ نَحْرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ أَحَدَ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ تَعْيِينُهُ وَتَمْيِيزُهُ مِنْ غَيْرِهِ لِيَكُونَ هَدْيًا وَالْمُرَادُ بِالتَّقْلِيدِ هُنَا أَعَمُّ مِنْهُ فِيمَا يَأْتِي؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا إنَّمَا هُوَ تَهْيِئَتُهُ لِلْهَدْيِ وَإِخْرَاجُهُ سَائِرًا إلَى مَكَّةَ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّعَمَ يَعُمُّهَا هَذَا الْحُكْمُ مَا يُقَلَّدُ وَمَا لَا يُقَلَّدُ فَالْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِيهَا) أَيْ الْعُمْرَةِ لَا بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ فَفِيهِ اسْتِخْدَامٌ وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا بِالْمَعْنَى لِقَوْلِهِ وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا بِمَا إذَا سِيقَ لِلتَّمَتُّعِ) أَيْ سَاقَهُ لِيَجْعَلَهُ عَنْ تَمَتُّعِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ سَمَّاهُ تَطَوُّعًا لِذَلِكَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ حُكْمًا فَإِنَّهُ يُجْزِئُ عَنْ تَمَتُّعِهِ فَإِنْ لَمْ يُسَقْ لَهُ لَمْ يُجْزِهِ فَإِنْ قُلْت لِمَ أَجْزَأَ التَّطَوُّعُ الْمَحْضُ عَنْ الْقِرَانِ وَلَمْ يُجِزْ عَنْ التَّمَتُّعِ عَلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي إذَا لَمْ يُسَقْ لَهُ قُلْت؛ لِأَنَّ الْقِرَانَ لَمَّا كَانَتْ الْعُمْرَةُ فِيهِ تَنْدَرِجُ فِي الْحَجِّ فَتَعَلُّقُهَا بِالْحَجِّ أَقْوَى مِنْ تَعَلُّقِهَا بِهِ فِي التَّمَتُّعِ فَكَأَنَّ الَّذِي سِيقَ فِيهَا فِي الْحَجِّ.

(قَوْلُهُ وَمَا حَوْلَهَا مِنْ مَنَازِلِ النَّاسِ) أَيْ مِمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ بُيُوتِ مَكَّةَ وَلَعَلَّ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ بِذِي طُوًى وَلِذَلِكَ قَالَ عب وَالْمُرَادُ الْقَرْيَةُ نَفْسُهَا فَلَا يَجُوزُ النَّحْرُ بِذِي طُوًى بَلْ حَتَّى يَدْخُلَ مَكَّةَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ (قَوْلُهُ بِالنَّظَرِ لِلْمَكِّيِّ) أَيْ الْأَوْلَى بِالنَّظَرِ لِلْمَكِّيِّ.

(قَوْلُهُ وَكُرِهَ نَحْرُ غَيْرِهِ) تَخْصِيصُ الْكَرَاهَةِ بِالنَّحْرِ يُفْهَمُ مِنْهُ جَوَازُ اسْتِنَابَتِهِ فِي السَّلْخِ وَتَقْطِيعِ اللَّحْمِ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَهُ سَنَدٌ (قَوْلُهُ إذَا اسْتَنَابَهُ وَكَانَ النَّائِبُ مُسْلِمًا) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ الْغَيْرُ بِغَيْرِ اسْتِنَابَةٍ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ مَعَ أَنَّهُ يُجْزِئُ وَلَا كَرَاهَةَ فَلِذَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ فَإِنْ ذَكَّى الْغَيْرُ بِغَيْرِ اسْتِنَابَةٍ لَمْ يُكْرَهْ لِرَبِّهِ وَسَيَأْتِي يَقُولُ الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْبَابِ وَأَجْزَأَ إنْ ذَبَحَ غَيْرُهُ عَنْهُ مُقَلَّدًا وَقَوْلُهُ وَكَرِهَ مَالِكٌ إلَخْ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْهُ أَنْ يَلِيَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ صَاغِرًا مُتَوَاضِعًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلَوْ لَمْ يَهْتَدِ لِلذَّبْحِ إلَّا بِمَوْقِفٍ إلَّا أَنْ لَا يُحْسِنَهُ جُمْلَةً وَيَحْضُرُ ذَلِكَ رَجَاءَ الرَّحْمَةِ.

(قَوْلُهُ فَالْهَدْيُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ) أَيْ وَلَوْ لَمْ يُوصِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْوُقُوفُ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَهُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَالسَّعْيُ وَالْإِحْرَامُ أَوْ يُبْدِلَ أَكْثَرَ بِأَعْظَمَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ أَعْظَمُ الْأَرْكَانِ (قَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ فِعْلِ شَيْءٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ الْمَوَّاقُ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا نَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ الْهَدْيُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إذَا مَاتَ يَوْمَ الرَّمْيِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَوْتَهُ بَعْدَ مُضِيِّ وَقْتِهَا أَوْلَى بِهَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ رَمْيِهَا بِالْفِعْلِ كَمَا صَرَّحُوا فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَدَلَ قَوْلِهِ: إنْ رَمَى الْعَقَبَةَ مَا نَصُّهُ: إنْ مَاتَ يَوْمَ النَّحْرِ لَطَابَقَ مَا لِابْنِ عَرَفَةَ اهـ.
وَأَمَّا إذَا مَاتَ الْقَارِنُ فَالْهَدْيُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ حَيْثُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ عَلَى وَجْهٍ يَرْتَدِفُ عَلَى الْعُمْرَةِ ثُمَّ مَاتَ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَإِخْرَاجُهُ سَائِرًا) أَيْ سَوَاءٌ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ أَوْ لَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقَلِّدْهُ وَلَمْ يُشْعِرْهُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ بَلْ قَصَدَ أَنْ يَكُونَ هَدْيًا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكْفِي

الصفحة 381