كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 2)

عَرْضًا فَبِالنَّظَرِ إلَى السَّنَامِ وَهُوَ الْحَدَبَةُ وَطُولُهُ مِنْ أَسْفَلِهِ فِي ظَهْرِهَا إلَى أَعْلَاهُ وَقَدْرُهُ قَدْرُ امْتِدَادِ أَعْلَاهُ فَهُمَا رَاجِعَانِ إلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ (ص) مُسَمِّيًا (ش) أَيْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ وَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ قَوْلِهِ وَتَقْلِيدٌ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَقْدِيمُهُ فِي الْفِعْلِ عَلَى الْإِشْعَارِ خَوْفًا مِنْ نُفُورِهَا وَلَوْ أُشْعِرَتْ أَوَّلًا وَكَأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَتَقْلِيدُ هَدْيٍ، ثُمَّ إشْعَارُهُ.

(ص) وَنُدِبَ نَعْلَانِ بِنَبَاتِ الْأَرْضِ (ش) أَيْ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَلَّدَ هَدْيَهُ أَنْ يُعَلِّقَ فِي عُنُقِهِ نَعْلَيْنِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَلَّقَا بِحَبْلٍ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ فَلَا يُجْعَلُ مِنْ الْأَوْتَارِ وَلَا مِنْ نَحْوِ الشَّعْرِ وَنَحْوِهِمَا مَخَافَةَ أَنْ تَحْتَبِسَ فِي غُصْنِ شَجَرَةٍ عِنْدَ رَعْيِهَا فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى اخْتِنَاقِهَا وَمَا كَانَ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ يُمْكِنُهَا قَطْعُهُ وَفَائِدَةُ التَّقْلِيدِ أَنْ يَعْلَمَ بِذَلِكَ الْمَسَاكِينُ فَيَجْتَمِعُونَ لَهُ وَقِيلَ لِئَلَّا تَضِيعَ فَيُعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ الْهَدَايَا فَتُرَدُّ وَلَمْ يَكْتَفِ بِالتَّقْلِيدِ؛ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ الزَّوَالِ فَإِنْ قُلْت قَدْ قَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّ التَّقْلِيدَ مِنْ سُنَنِ الْإِحْرَامِ حَيْثُ قَالَ وَتَقْلِيدُ هَدْيٍ ثُمَّ إشْعَارُهُ، ثُمَّ رَكْعَتَانِ فَمَا فَائِدَةُ إعَادَتِهِ هُنَا وَالْجَوَابُ بِأَنَّ كَلَامَهُ هُنَا مُفَصِّلٌ لِمَا أَجْمَلَهُ هُنَاكَ إذْ تَكَلَّمَ هُنَا عَلَى أَنَّ الْهَدْيَ مِنْهُ مَا يُقَلَّدُ وَيُشْعَرُ وَمِنْهُ مَا يُقَلَّدُ فَقَطْ وَمِنْهُ مَا لَا يُقَلَّدُ وَلَا يُشْعَرُ.

(ص) وَتَجْلِيلُهَا وَشَقُّهَا إنْ لَمْ تَرْتَفِعْ (ش) هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَنْدُوبِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ تُجَلَّلَ الْهَدَايَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْهَى لَهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ كُلُّهُ لِلْمَسَاكِينِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَيْضًا أَنْ يَشُقَّ الْجِلَالَ عَنْ الْأَسْنِمَةِ مَخَافَةَ السُّقُوطِ إنْ لَمْ تَرْتَفِعْ أَثْمَانُهَا بِأَنْ قَلَّ ثَمَنُهَا كَالدِّرْهَمَيْنِ أَمَّا إنْ ارْتَفَعَتْ أَثْمَانُهَا فَإِنَّهُ لَا يَشُقُّهَا لِئَلَّا يُفْسِدَهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ وَلِأَنَّ فِيهِ إضَاعَةً لِمَالِهِمْ وَالتَّجْلِيلُ بِأَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهَا شَيْئًا مِنْ الثِّيَابِ بِقَدْرِ وُسْعِهِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ وَمَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُقَلِّدْهُ، ثُمَّ يُشْعِرْهُ ثُمَّ يُجَلِّلْهُ إنْ شَاءَ وَكُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ وَفِي الْمُوَطَّأِ وَالْبَيَاضُ أَحَبُّ إلَيَّ انْتَهَى، وَالتَّجْلِيلُ خَاصٌّ بِالْبُدُنِ.

(ص) وَقُلِّدَتْ الْبَقَرُ فَقَطْ إلَّا بِأَسْنِمَةٍ لَا الْغَنَمُ (ش) تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِبِلَ تُقَلَّدُ وَتُشْعَرُ وَتُجَلَّلُ وَيَأْتِي أَنَّ الْغَنَمَ لَا تُقَلَّدُ وَلَا تُشْعَرُ وَأَشَارَ هُنَا إلَى أَنَّ الْبَقَرَ تُقَلَّدُ فَقَطْ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا أَسْنِمَةٌ فَإِنَّهَا تُشْعَرُ أَيْضًا لِشَبَهِهَا بِالْإِبِلِ وَانْظُرْ هَلْ تُجَلَّلُ وَحُكْمُ تَقْلِيدِ الْغَنَمِ الْكَرَاهَةُ وَإِشْعَارُهَا التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ فَأَصْلُهُ الْمَنْعُ فِي غَيْرِ مَا وَرَدَ النَّصُّ فِيهِ.

(ص) وَلَمْ يُؤْكَلْ مِنْ نَذْرِ مَسَاكِينَ عُيِّنَ مُطْلَقًا عَكْسَ الْجَمِيعِ فَلَهُ إطْعَامُ الْغَنِيِّ وَالْقَرِيبِ وَكُرِهَ لِذِمِّيٍّ إلَّا نَذْرًا لَمْ يُعَيَّنْ وَالْفِدْيَةُ وَالْجَزَاءُ بَعْدَ الْمَحَلِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنِ عَرَفَةَ وَشَرْحِهَا أَنَّ الطُّولَ فِي الْإِبِلِ وَفِي الْحَيَوَانِ مِنْ ظَهْرِهَا لِأَسْفَلِهَا وَأَنَّ الْعَرْضَ فِيهَا مِنْ رَأْسِهَا لِذَنَبِهَا (قَوْلُهُ مُسَمِّيًا) أَيْ قَائِلًا بِاسْمِ اللَّهِ وَيَزِيدُ: وَاَللَّهُ أَكْبَرُ.

(قَوْلُهُ: وَنُدِبَ نَعْلَانِ) أَيْ وَيُجْزِئُ الْوَاحِدُ فِي تَحْصِيلِ السُّنَّةِ (قَوْلُهُ بِنَبَاتِ الْأَرْضِ) هَذَا مَنْدُوبٌ آخَرُ (قَوْلُهُ فَإِنْ قُلْت قَدْ قَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ) أَقُولُ لَمْ يَكُنْ مُفَادُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ بَلْ إفَادَةُ حُكْمِ التَّرْتِيبِ لَا حُكْمِ ذَاتِ التَّقْلِيدِ (قَوْلُهُ وَالْجَوَابُ بِأَنَّ كَلَامَهُ هُنَا إلَخْ) أَقُولُ لَا تَفْصِيلَ هُنَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَسُنَّ إشْعَارُ سُنُمِهَا وَتَفْصِيلُ التَّقْلِيدِ يَأْتِي بَعْدُ.

(قَوْلُهُ أَنْ تُجَلَّلَ الْهَدَايَا) مُرَادُهُ بِالْهَدَايَا الْإِبِلُ خَاصَّةً وَيُنْدَبُ تَأْخِيرُ تَجْلِيلِهَا إلَى الْوَقْتِ الْغُدُوِّ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالتَّجْلِيلُ أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهَا شَيْئًا مِنْ الثِّيَابِ بِقَدْرِ وُسْعِهِ وَالْبَيَاضُ أَوْلَى (قَوْلُهُ كَالدِّرْهَمَيْنِ) مُفَادُ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْكَافَ اسْتِقْصَائِيَّةٌ لَا تُدْخِلُ شَيْئًا وَفِي كَلَامٍ آخَرَ أَنَّهَا تُدْخِلُ الثَّلَاثَةَ لِأَنَّهُ قَالَ: إنْ لَمْ يَرْتَفِعْ بِأَنْ يَكُونَ الدِّرْهَمَيْنِ وَنَحْوَهُمَا وَهُوَ أَظْهَرُ (قَوْلُهُ لَا يَشُقُّهَا) أَيْ نَدْبًا وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى الْعِلَّةِ التَّحْرِيمَ (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ) عَطْفُ عِلَّةٍ عَلَى مَعْلُولٍ (قَوْلُهُ وَكُلُّ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ وَالتَّجْلِيلِ وَاسِعٌ أَيْ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَا يُنَافِي أَنَّ التَّقْلِيدَ وَالْإِشْعَارَ سُنَّةٌ وَالتَّجْلِيلَ مَنْدُوبٌ.

(قَوْلُهُ فَقَطْ) الْأَوْلَى أَنَّ قَوْلَهُ فَقَطْ رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ قُلِّدَتْ وَقَوْلُهُ الْبَقَرُ وَقَوْلُهُ إلَّا بِأَسْنِمَةٍ رَاجِعٌ لِلْأَوَّلِ أَيْ قُلِّدَتْ لَا أُشْعِرَتْ إلَّا بِأَسْنِمَةٍ وَقَوْلُهُ لَا الْغَنَمُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ فَقَطْ بِاعْتِبَارِ الْبَقَرِ أَيْ الْبَقَرُ فَقَطْ لَا الْغَنَمُ (قَوْلُهُ وَانْظُرْ هَلْ تُجَلَّلُ) النَّصُّ لَا تُجَلَّلُ.

(قَوْلُهُ وَلَمْ يُؤْكَلْ إلَخْ) وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الْهَدْيِ لِلْمَسَاكِينِ حَيًّا فَإِنْ دَفَعَهُ لَهُمْ وَذَبَحُوهُ أَجْزَأَ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ وَاجِبًا كَانَ أَوْ تَطَوُّعًا، أَمَّا الْوَاجِبُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَهُوَ كَمَنْ أَفْسَدَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ فَيَجِبُ قَضَاؤُهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ نَذْرَ الْمَسَاكِينِ الْمُعَيَّنَ إذَا مَاتَ أَوْ سُرِقَ أَوْ ضَلَّ قَبْلَ مَحَلِّهِ فَإِنَّهُ لَا بَدَلَ فِيهِ عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ هَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا مَاتَ أَوْ سُرِقَ أَوْ ضَلَّ قَبْلَ مَحَلِّهِ فَإِنَّهُ لَا بَدَلَ عَلَى صَاحِبِهِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ قَبْلَ الْمَحَلِّ وَبَعْدَهُ أَمَّا عَدَمُ أَكْلِهِ مِنْهُ قَبْلَ الْمَحَلِّ فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَأَمَّا بَعْدَ الْمَحَلِّ فَلِأَنَّهُ قَدْ عَيَّنَ آكِلَهُ وَهُمْ الْمَسَاكِينُ وَمِثْلُهُ هَدْيُ التَّطَوُّعِ إذَا جُعِلَ لِلْمَسَاكِينِ بِالنِّيَّةِ أَوْ بِاللَّفْظِ عُيِّنَ أَوْ لَا وَالْفِدْيَةُ إنْ لَمْ تُجْعَلْ هَدْيًا كَذَا فِي شَرْحِ عب أَقُولُ:
أَمَّا هَدْيُ التَّطَوُّعِ إذَا جُعِلَ لِلْمَسَاكِينِ فَعَدَمُ الْأَكْلِ مِنْهُ مُطْلَقًا ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ قُيِّدَ بِالْمَسَاكِينِ وَأَنَّ الْفِدْيَةَ إذَا لَمْ تُجْعَلْ هَدْيًا فَلِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ التَّرَفُّهِ فَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَكْلِ مِنْهَا وَالتَّرَفُّهِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ (قَوْلُهُ عَكْسُ الْجَمِيعِ) إمَّا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَذَلِكَ عَكْسُ الْجَمِيعِ أَيْ فَالْجَمِيعُ يَجُوزُ مِنْهُ الْأَكْلُ قَبْلُ وَبَعْدُ فَقَوْلُهُ بَعْدُ إلَّا نَذْرًا إلَخْ مُسْتَثْنًى مِنْ ذَلِكَ الْمَحْذُوفِ الَّذِي قَدَّرْنَاهُ لَا أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ نَفْسِ قَوْلِهِ عَكْسُ الْجَمِيعِ (قَوْلُهُ بَعْدَ الْمَحَلِّ) أَيْ فَلَا يَأْكُلُ بَعْدَ الْمَحَلِّ وَالْمُرَادُ إذَا عَطِبَتْ بَعْدَ الْمَحَلِّ فَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا لَا بَعْدَ الْمَحَلِّ وَلَا قَبْلَهُ أَمَّا بَعْدُ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ وَأَمَّا قَبْلُ فَبِأَنْ يَرْجِعَ بِهِ مُسَافِرًا أَمَّا عَدَمُ الْأَكْلِ فِي الْعَطَبِ بَعْدَ الْمَحَلِّ فَفِي الْفِدْيَةِ أَيْ الَّتِي جُعِلَتْ هَدْيًا فَلِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ التَّرَفُّهِ كَمَا قُلْنَا.
وَأَمَّا النَّذْرُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا فَإِنَّهُ لِلْمَسَاكِينِ، وَأَمَّا جَزَاءُ الصَّيْدِ فَلِأَنَّهُ قِيمَةُ مُتْلَفٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَا اسْتِحْقَاقَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ يَكُونُ لِغَيْرِهِ

الصفحة 383