كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 2)

وَهَلْ إلَّا نَذْرُ مَسَاكِينَ عُيِّنَ فَقَدْرُ أَكْلِهِ خِلَافٌ (ش) أَيْ وَهَلْ ضَمَانُ الْبَدَلِ عَامٌّ فِي نَذْرِ الْمَسَاكِينِ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ، أَوْ هُوَ عَامٌّ إلَّا فِي نَذْرِ الْمَسَاكِينِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّمَا يَضْمَنُ مِنْهُ قَدْرَ أَكْلِهِ إذْ هُوَ الْمَمْنُوعُ فَقَطْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ، وَعَلَى الثَّانِي يَضْمَنُ مِثْلَهُ إنْ عَلِمَ وَزْنَهُ، وَإِلَّا فَقِيمَتَهُ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ فَقَدْرُ أَكْلِهِ عَدَمُ جَرَيَانِ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِيمَا إذَا أَمَرَ بِأَخْذِهِ فَلَا يَضْمَنُ هَدْيًا كَامِلًا فِيهَا بِاتِّفَاقٍ.

(ص) وَالْخِطَامُ وَالْجِلَالُ كَاللَّحْمِ (ش) الْخِطَامُ الزِّمَامُ وَفِي الْمِصْبَاحِ وَخِطَامُ الْبَعِيرِ مَعْرُوفٌ وَجَمْعُهُ خُطُمٌ كَكِتَابٍ وَكُتُبٍ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى خَطْمِهِ أَيْ أَنْفِهِ إذْ الْمَخْطِمُ الْأَنْفُ وَالْجَمْعُ مَخَاطِمُ كَمَسْجِدٍ وَمَسَاجِدَ اهـ وَالْجِلَالُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْجُلُّ بِالضَّمِّ وَاحِدُ جِلَالِ الدَّوَابِّ وَجَمْعُ الْجِلَالِ أَجِلَّةٌ وَالْمَعْنَى أَنَّ خِطَامَ الْهَدَايَا وَجِلَالَهَا حُكْمُ ذَلِكَ حُكْمُ لَحْمِهَا فِي الْمَنْعِ وَالْإِبَاحَةِ فَالْهَدْيُ الَّذِي لَا يَجُوزُ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ خِطَامِهِ وَلَا مِنْ جِلَالِهِ فَإِنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، أَوْ أَمَرَ أَنْ يُؤْخَذَ شَيْءٌ مِنْهُ وَأَتْلَفَهُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا لَزِمَهُ قِيمَتُهُ لِلْفُقَرَاءِ وَإِنْ لَمْ يُتْلِفْهُ كُلًّا وَلَا بَعْضًا رَدَّهُ لَهُمْ فَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ التَّشْبِيهَ لَيْسَ تَامًّا؛ لِأَنَّ فِي إعْطَاءِ اللَّحْمِ رَبَّهُ الْمَمْنُوعَ مِنْ أَكْلِهِ وَالْأَمْرِ بِأَخْذِ شَيْءٍ هَدْيًا كَامِلًا بِخِلَافِ الْخِطَامِ وَالْجَلَالِ كَمَا عَرَفْته.

(ص) وَإِنْ سُرِقَ بَعْدَ ذَبْحِهِ أَجْزَأَ لَا قَبْلَهُ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْهَدْيَ الْوَاجِبَ الَّذِي وَجَبَ لِنَقْصٍ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْأَذَى، أَوْ نَذْرٍ مَضْمُونٍ إذَا ذَبَحَهُ صَاحِبُهُ ثُمَّ سَرَقَهُ إنْسَانٌ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ وَلَا بَدَلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَلَيْهِ هَدْيٌ بَالِغُ الْكَعْبَةِ وَقَدْ بَلَغَ وَوَقَعَ التَّعَدِّي فِي خَالِصِ حَقِّ الْمَسَاكِينِ لَا إنْ ضَلَّ قَبْلَ الذَّبْحِ فَلَا يُجْزِئُ وَمِنْ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ: أَجْزَأَ يُفْهَمُ أَنَّ الْهَدْيَ وَاجِبٌ أَمَّا النَّذْرُ الْمُعَيَّنُ وَهَدْيُ التَّطَوُّعِ فَلَا بَدَلَ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَوْ سُرِقَ قَبْلَ الذَّبْحِ، وَمِثْلُ مَا سُرِقَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ مَا ضَلَّ مِنْهُمَا أَوْ مَاتَ فَلَا بَدَلَ عَلَى صَاحِبِهِ فِيهِ، وَأَمَّا الْوَاجِبُ فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ.

(ص) وَحُمِلَ الْوَلَدُ عَلَى غَيْرٍ، ثُمَّ عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَرْكُهُ لِيَشْتَدَّ فَكَالتَّطَوُّعِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا أَهْدَى بَدَنَةً وَقَلَّدَهَا وَأَشْعَرَهَا، ثُمَّ وَلَدَتْ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَحْمِلَ وَلَدَهَا وُجُوبًا مَعَهَا إلَى مَكَّةَ إذْ لَا مَحَلَّ لَهُ دُونَ الْبَيْتِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَحْمِلُهُ عَلَى أُمِّهِ إنْ كَانَ فِيهَا قُوَّةٌ، وَإِنْ نَحَرَهُ دُونَ الْبَيْتِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَبْلِيغِهِ بِوَجْهٍ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ بَدَلَهُ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَيْهَا لِعَجْزِهَا عَنْ ذَلِكَ إمَّا لِضَعْفِهَا أَوْ لِخَوْفِ مَوْتِهَا فَإِنَّهُ يَتْرُكُهُ عِنْدَ مَنْ يَحْفَظُهُ حَتَّى يَشْتَدَّ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَرْكُهُ عِنْدَ مَنْ يَحْفَظُهُ بِأَنْ كَانَ فِي فَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَصِيرُ حُكْمُهُ كَهَدْيِ التَّطَوُّعِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْهَدْيِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ مَحَلِّهِ بِخِلَافِ النَّذْرِ الْمَضْمُونِ وَالْفِدْيَةِ الَّتِي جُعِلَتْ هَدْيًا وَالْجَزَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَطَبَ الْحَاصِلَ فِي جَمِيعِهَا بَعْدَ الْمَحَلِّ وَقَدْ جَرَى خِلَافٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْأَكْلِ أَيْ عِلَّتِهِ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ الَّذِي عَطِبَ قَبْلَ مَحَلِّهِ هَلْ هُوَ تَعَبُّدٌ أَوْ لِلتُّهْمَةِ اهـ.
وَالْخِلَافُ الْمَذْكُورُ كَمَا يَجْرِي فِي الْمَنْعِ مِنْ الْأَكْلِ يَجْرِي فِي أَمْرِ الْمَمْنُوعِ بِأَكْلِ شَيْءٍ مِنْهُ أَوْ بِأَخْذِهِ (قَوْلُهُ هَلْ إلَّا نَذْرُ إلَخْ) شَمَلَ مَا قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ النَّذْرَ الْمُعَيَّنَ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْهُ لِلْمَسَاكِينِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ بَلْ يَلْزَمُ فِي أَكْلِهِ هَدْيٌ وَيُطْلَبُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا جَرَى فِيهِ الْخِلَافُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَإِنَّمَا تَعَرَّضَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ مَا فِيهِ الْخِلَافُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَضْمَنُ قَدْرَ أَكْلِهِ فَقَطْ.
وَبَيَّنَ الْمَضْمُونَ فَقَالَ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ إنْ قِيلَ لِمَ كَانَ عَلَيْهِ فِي النَّذْرِ الْمَضْمُونِ الْبَدَلُ وَفِي الْمُعَيَّنِ قَدْرُ مَا أَكَلَ وَكِلَاهُمَا حَصَلَ فِيهِ تَعَدٍّ عَلَى حَقِّ الْمَسَاكِينِ وَظَاهِرُ الْحَالِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فِيهِمَا مِثْلُ مَا أَكَلَ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ فِي الْمَضْمُونِ إنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يُطْعِمَ الْمَسَاكِينَ لَحْمًا مِنْ هَدْيٍ جَوَّزَهُ لَهُمْ فَإِذَا أَكَلَ مِنْهُ شَيْئًا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِلَحْمٍ مِثْلِهِ مِنْ هَدْيٍ وَجَبَ لَهُمْ وَلَا سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ إلَّا مِنْ هَدْيٍ آخَرَ يَنْحَرُهُ لَهُمْ، وَأَمَّا الْمُعَيَّنُ فَلَمَّا نَذَرَهُ هَدْيًا وَأَوْجَبَهُ لِلْمَسَاكِينِ فَكَأَنَّهُ أَوْجَبَ لَهُمْ أَكْلَ لَحْمٍ بِعَيْنِهِ فَإِذَا أَكَلَ مِنْهُ شَيْئًا كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُهُ لِأَنَّهُ أَرَاقَ الدَّمَ الَّذِي كَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ وَمَا عَدَلَ بِهِ مِنْ لَحْمِهَا عَنْ وَجْهِهِ فَهُوَ قَدْ أَتَى بِهِ وَلِذَلِكَ أَجْزَأَ عَنْهُ.
(تَنْبِيهٌ) لَوْ أَخَذَ أَوْ وَكِيلُهُ قَدْرًا مِمَّا يُمْنَعُ الْأَكْلُ مِنْهُ، أَوْ أَمَرَا غَيْرَهُمَا بِالْأَخْذِ مِنْهُ ثُمَّ رَدَّ كُلٌّ عَيْنَ مَا أَخَذَ وَلَوْ مَطْبُوخًا لَا لَانْبَغَى أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ رَدَّ لَحْمًا مِمَّا ذُبِحَ لَهُمْ قَالَ ذَلِكَ كُلَّهُ عج

. (قَوْلُهُ إذْ الْمَخْطِمُ الْأَنْفُ) عِلَّةٌ لَا تُنَاسِبُ وَحَاصِلُ مَا فِي الْمِصْبَاحِ خِلَافُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِيهِ أَنَّ الْخَطْمَ مُقَدِّمُ الْأَنْفِ وَالْفَمِ، ثُمَّ قَالَ وَالْمَخْطِمُ الْأَنْفِ.

(قَوْلُهُ لَا قَبْلَهُ) الْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْعَيْبَ بَعْدَ التَّقْلِيدِ لَا يَضُرُّ أَنَّ الْعَيْبَ مِنْ اللَّهِ لَا صُنْعَ لِأَحَدٍ مِنْهُ وَأَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَعِيبَ يَنْتَفِعُ بِهِ الْفُقَرَاءُ بِخِلَافِ الْمَسْرُوقِ (قَوْلُهُ وَوَقَعَ التَّعَدِّي فِي خَالِصِ إلَخْ) أَيْ وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِقِيمَتِهِ وَصَرْفُهَا لِلْمَسَاكِينِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ تَحْتَ يَدِهِ (قَوْلُهُ وَمِنْ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ أَجْزَأَ يُفْهَمُ إلَخْ) فِيهِ شَيْءٌ لِقَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَأَجْزَأَ: اُذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ.

(قَوْلُهُ: وَحُمِلَ الْوَلَدُ عَلَى غَيْرٍ) أَيْ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ إنْ لَمْ يُمْكِنْ سَوْقُهُ كَمَا يُحْمَلُ رَحْلُهُ ك (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا) الْحَاصِلُ أَنَّ حَمْلَهُ إلَى مَكَّةَ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَاجِبٌ وَحَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْأُمِّ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ إنْ لَمْ يُمْكِنْ سَوْقُهُ أَفْضَلُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ إلَخْ) فِي كَلَامِهِ إجْحَافٌ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ عج وَتَبِعَهُ عب وشب أَنَّ قَوْلَهُ فَكَالتَّطَوُّعِ أَيْ يَعْطَبُ قَبْلَ مَحَلِّهِ فَإِنْ كَانَ فِي مُسْتَعْتَبٍ أَيْ أَمْنٍ نَحَرَهُ فِي مَحَلِّهِ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ كَانَتْ أُمُّهُ عَنْ تَطَوُّعٍ أَوْ وَاجِبٍ فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ وَكَذَا إنْ أَمَرَ بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ فِي مَحَلٍّ غَيْرِ مُسْتَعْتَبٍ كَطَرِيقٍ فَإِنَّهُ يُبْدِلُهُ بِهَدْيٍ كَبِيرٍ وَلَا يُجْزِئُهُ بَقَرَةٌ يُرِيدُ فِي نِتَاجِ الْبَدَنَةِ كَمَا فِي الْحَطَّابِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ بَدَلُهُ ذَكَّاهُ وَتَرَكَهُ اهـ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ قَوْلِهِ، ثُمَّ عَلَيْهَا وَإِلَّا تَرَكَهُ لِيَشْتَدَّ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَكَالتَّطَوُّعِ لَكَانَ أَظْهَرَ.

الصفحة 386