كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 2)

الْإِسْلَامِ وَلَا الْفَرْضُ الْمُتَعَلِّقُ بِذِمَّتِهِ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ إذْ لَمْ يَأْتِ بِهِ أَوْ نَذْرٍ مَضْمُونٍ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ خِلَافًا لِعَبْدِ الْمَلِكِ وَأَبِي مُصْعَبٍ وَابْنِ سَحْنُونَ قَالُوا؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَقْدُورَهُ وَبَذَلَ وُسْعَهُ وَاعْتُرِضَ بِلُزُومِ الْإِسْقَاطِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ إلَى آخِرِ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ وَقَوْلُهُ: وَاعْتُرِضَ إلَخْ قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَشَقَّةَ الَّتِي تَحْصُلُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ أَعْظَمُ مِنْ الْمَشَقَّةِ الَّتِي تَحْصُلُ قَبْلَهُ أَيْ أَنَّهَا مَظِنَّةُ ذَلِكَ فَيَسْقُطُ بِهَا الْفَرْضُ دُونَهَا.

(ص) وَلَمْ يَفْسُدْ بِوَطْءٍ إنْ لَمْ يَنْوِ الْبَقَاءَ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أُحْصِرَ وَقُلْنَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ فَتَارَةً يَنْوِي الْبَقَاءَ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى الْعَامِ الْقَابِلِ وَتَارَةً لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ فَإِنْ نَوَى الْبَقَاءَ، ثُمَّ إنَّهُ أَصَابَ النِّسَاءَ فَقَدْ أَفْسَدَ حَجَّهُ وَيَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ وَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا مَرَّ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْبَقَاءَ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى الْعَامِ الْقَابِلِ بِأَنْ نَوَى التَّحَلُّلَ مِنْ إحْرَامِهِ، أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ فِي هَاتَيْنِ لَمْ يَتَحَلَّلْ حَتَّى أَصَابَ النِّسَاءَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ هَكَذَا حَمَلَهُ تت وَلَكِنَّ النَّقْلَ أَنَّ مَنْ لَا نِيَّةَ لَهُ كَمَنْ نَوَى الْبَقَاءَ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ وَالْأَصْلُ إبْقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ فَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: إنْ نَوَى عَدَمَ إبْقَاءٍ لَكَانَ مُطَابِقًا لِهَذَا.

وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى مَنْ أُحْصِرَ عَنْ جَمِيعِ أَمَاكِنِ النُّسُكِ مِنْ الْبَيْتِ وَعَرَفَةَ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ الْمُحْصَرُ عَنْ الْبَيْتِ فَقَطْ فَقَالَ (ص) وَإِنْ وَقَفَ وَحُصِرَ عَنْ الْبَيْتِ فَحَجُّهُ تَمَّ وَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالْإِفَاضَةِ وَعَلَيْهِ لِلرَّمْيِ وَمَبِيتِ مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ هَدْيٌ كَنِسْيَانِ الْجَمِيعِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَتَمَكَّنَ مِنْهَا إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَحُصِرَ بِعَدُوٍّ، أَوْ مَرَضٍ عَنْ الْبَيْتِ فَإِنَّ حَجَّهُ تَمَّ أَيْ أَدْرَكَهُ لَكِنْ يَتَوَقَّفُ كَمَالُ حِلِّهِ عَلَى طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَيَبْقَى مُحْرِمًا وَلَوْ أَقَامَ سِنِينَ وَيَلْزَمُهُ هَدْيٌ وَاحِدٌ لِتَرْكِهِ الرَّمْيَ وَمَبِيتَ لَيَالِي مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ كَمَا إذَا نَسِيَ جَمِيعَ ذَلِكَ حَتَّى ذَهَبَتْ أَيَّامُ مِنًى فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ هَدْيٌ وَاحِدٌ وَلَا مَفْهُومَ لِلنِّسْيَانِ بَلْ التَّعَمُّدُ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ الْإِثْمِ وَعِنْدَ أَشْهَبَ يَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ هُنَا وَفِي مَنَاسِكِهِ وَتَوْضِيحُهُ ثَمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْهَدْيَ فِي الْمُزْدَلِفَةِ إنَّمَا يَكُونُ بِتَرْكِ نُزُولِهِ بِهَا قَدْرَ مَا يَحُطُّ الرِّحَالَ لَا بِتَرْكِ مَبِيتِهِ بِهَا فَقَوْلُهُ وَمُزْدَلِفَةَ أَيْ وَنُزُولُ مُزْدَلِفَةَ فَمُزْدَلِفَةُ يُحْتَمَلُ عَطْفُهُ عَلَى مَبِيتٍ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْطُوفُ بِالْوَاوِ عَلَى مَبِيتٍ مُقَدَّرٌ أَيْ وَنُزُولٌ وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَ هَذَا تَأْخِيرَ الْحَلْقِ لِبَلَدِهِ، أَوْ لِلْمُحْرِمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَفْعَلُ ذَلِكَ قَبْلَ مَا ذُكِرَ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ عَنْ الْبَيْتِ أَنَّهُ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ وَعَلَيْهِ لِلرَّمْيِ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ فَلَوْ قَالَ وَحُصِرَ عَمَّا بَعْدَهُ لَأَفَادَ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ فَالْجَوَابُ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ وَحُصِرَ عَنْ الْبَيْتِ سَوَاءٌ حُصِرَ عَمَّا قَبْلَهُ مِمَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ، أَوْ لَا وَقَوْلُهُ وَعَلَيْهِ لِلرَّمْيِ إلَخْ أَيْ حَيْثُ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ.

وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى ثَانِي أَقْسَامِ الْحَصْرِ شَرَعَ فِي الثَّالِثِ وَهُوَ الْحَصْرُ عَنْ عَرَفَةَ فَقَالَ (ص) وَإِنْ حُصِرَ عَنْ الْإِفَاضَةِ، أَوْ فَاتَ الْوُقُوفُ بِغَيْرِ كَمَرَضٍ، أَوْ خَطَأِ عَدَدٍ أَوْ حَبْسٍ بِحَقٍّ لَمْ يَحِلَّ إلَّا بِفِعْلِ عُمْرَةٍ بِلَا إحْرَامٍ وَلَا يَكْفِي قُدُومُهُ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَمَكَّنَ مِنْ الْبَيْتِ، ثُمَّ حُصِرَ بِمَا سَبَقَ مِنْ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ عَنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَهُوَ مُرَادُهُ بِالْإِفَاضَةِ لَمْ يَحِلَّ إلَّا بِفِعْلِ عُمْرَةٍ بِلَا تَجْدِيدِ إحْرَامٍ وَلَوْ أَنْشَأَ الْحَجَّ، أَوْ أَرْدَفَهُ فِي الْحَرَمِ إجْمَاعًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ وَكَذَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِفِعْلِ عُمْرَةٍ مَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ بِمَرَضٍ، أَوْ خَطَأِ عَدَدٍ وَلَوْ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمَوْسِمِ بِعَاشِرٍ، أَوْ خَفَاءِ هِلَالٍ لِغَيْرِ الْجَمِّ بِعَاشِرٍ، أَوْ حَبْسٍ بِحَقٍّ وَلَا يَكْفِي طَوَافُ الْقُدُومِ وَالسَّعْيُ بَعْدَهُ قَبْلَ الْفَوَاتِ عَنْ طَوَافٍ وَسَعْيٍ يَنْوِي بِهِمَا التَّحَلُّلَ بَعْدَ الْفَوَاتِ وَلَعَلَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ إحْرَامَهُ لَا يَنْقَلِبُ عُمْرَةً مِنْ أَصْلِهِ بَلْ مِنْ وَقْتِ يَنْوِي فِعْلَ الْعُمْرَةِ وَقَدْ ذَكَرَ ح الْخِلَافَ فِي هَذَا وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ بِحَقٍّ أَنَّهُ لَوْ حُبِسَ ظُلْمًا أَنَّهُ يَحِلُّ بِالنِّيَّةِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ مِنْ نَذْرٍ مَضْمُونٍ) أَيْ وَأَمَّا التَّطَوُّعُ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَا قَضَاءَ عَلَى مَنْ صُدَّ فِيهِ وَمِثْلُهُ الْمَنْذُورُ الْمُعَيَّنُ مِنْ حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ لِفَوَاتِ وَقْتِهِ (قَوْلُهُ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ) حَكَى الْمَازِرِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الثَّعَالِبِيِّ أَنَّ الْفَرِيضَةَ تَسْقُطُ وَإِنْ صُدَّ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ ابْنِ الْقُرْطِيِّ وَأَبُو بَكْرٍ الثَّعَالِبِيُّ هُوَ تِلْمِيذُ ابْنِ شَعْبَانَ فَقِيهُ مِصْرَ فِي وَقْتِهِ.

(قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ فِي هَاتَيْنِ لَمْ يَتَحَلَّلْ) هَذَا يَظْهَرُ فِي الَّذِي يَتَحَلَّلُ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ وَلَا يَأْتِي فِي الَّذِي يَتَحَلَّلُ بِالنِّيَّةِ.

(قَوْلُهُ فَحَجُّهُ تَمَّ) مَعْنَى تَمَامِهِ أَمْنُهُ مِنْ الْفَوَاتِ؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ لَا يَتَقَيَّدُ بِزَمَنٍ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِ: تَمَّ قَوْلُهُ بَعْدُ: وَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالْإِفَاضَةِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ فِي هَذِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَوَّاقُ.

(قَوْلُهُ: أَوْ حَبْسٍ بِحَقٍّ) أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ك وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَنْقُولَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْحَقِّ وَغَيْرِهِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَهُوَ مَا بَحَثَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ خِلَافًا لِظَاهِرِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي كَوْنِ الْحَبْسِ ظُلْمًا فِي ظَاهِرِ الْحَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظُلْمًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُرَادُهُ بِالْإِفَاضَةِ) أَيْ فَسَمَّاهُ إفَاضَةً لِكَوْنِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ يَأْتِي بَعْدَهُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، أَوْ أَنَّ الْمَعْنَى وَإِنْ حُصِرَ عَنْ مَبْدَأِ الْإِفَاضَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ أَرْدَفَهُ فِي الْحَرَمِ) أَيْ أَرْدَفَهُ عَلَى الْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ) الْقَائِلِ بِأَنَّهُ إذَا أَنْشَأَ الْحَجَّ أَوْ أَرْدَفَ الْحَجَّ لَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِهِ الْإِحْرَامَ (قَوْلُهُ: أَوْ خَطَأِ عَدَدٍ) صُورَتُهَا مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُمْ عَمِلُوا أَوَّلَ الشَّهْرِ، ثُمَّ نَسُوا فَوَقَفُوا الثَّامِنَ (قَوْلُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْحَطَّابُ الْخِلَافَ فِي هَذَا) قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ أَتَى عَرَفَةَ بَعْدَ الْفَجْرِ فَلْيَرْجِعْ إلَى مَكَّةَ وَيَطُوفُ وَيَسْعَى وَيُقَصِّرْ وَيَنْوِي بِهَا عُمْرَةً وَهَلْ يَنْقَلِبُ عُمْرَةً مِنْ أَوَّلِ الْإِحْرَامِ، أَوْ مِنْ وَقْتِ يَنْوِي فِعْلَ الْعُمْرَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ اهـ فَقَدْ ذَكَرَ الْخِلَافَ وَأَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ نَوَى الْعُمْرَةَ وَذَكَرَ الْحَطَّابُ عَنْ سَنَدٍ قَبْلَهُ الْخِلَافَ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ نَوَى الْعُمْرَةَ اهـ.
(قَوْلُهُ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ بِحَقٍّ. . . إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ أَوَّلًا: ثُمَّ حُصِرَ بِمَا سَبَقَ مِنْ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الْحَبْسُ

الصفحة 391