كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 2)

ثُمَّ بِجَمِيلِ لِبَاسٍ؛ لِدَلَالَتِهِ عَلَى شَرَفِ النَّفْسِ وَالْبُعْدِ عَنْ الْمُسْتَقْذَرَاتِ ثُمَّ إنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي قَوْلِهِ " وَإِنْ عَبْدًا إلَخْ " فِي مُقَدَّرٍ لَا فِي اسْتِحْبَابِ التَّقْدِيمِ أَيْ: وَمُسْتَحِقُّ أَمْرِ الْإِمَامَةِ رَبُّ الْمَنْزِلِ وَإِنْ عَبْدًا كَامْرَأَةٍ وَأَمْرُ الْإِمَامَةِ يَشْمَلُ مُبَاشَرَتَهَا وَالنِّيَابَةَ فِيهَا وَلَا يَصْلُحُ جَعْلُهُ مُبَالَغَةً فِي اسْتِحْبَابِ التَّقْدِيمِ. وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ رَبَّ الْمَنْزِلِ لَوْ كَانَ كَافِرًا أَوْ بِهِ مَانِعٌ مِنْ الْإِمَامَةِ غَيْرُ مَا ذُكِرَ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا مُبَاشَرَةً وَلَا اسْتِنَابَةً.
(ص) إنْ عُدِمَ نَقْصُ مَنْعٍ أَوْ كُرْهٍ. (ش) قَدْ تَقَدَّمَ مَا يُفِيدُ أَنَّ هَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " ثُمَّ زَائِدُ فِقْهٍ إلَخْ " أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ مَنْ ذُكِرَ بِشَرْطِ أَنْ تَنْتَفِيَ الْأَوْصَافُ الْمَانِعَةُ مِنْ الْإِمَامَةِ وَالْأَوْصَافُ الْمَكْرُوهَةُ فَإِنْ وُجِدَ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ فَلَا يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُ بَلْ الْحَقُّ لَهُ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فَإِنْ قُلْت: كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يُعْطَفَ بِالْوَاوِ لَا بِأَوْ فَإِنَّ الشَّرْطَ انْتِفَاؤُهُمَا فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَحَدُّ الدَّائِرُ وَانْتِفَاؤُهُ بِانْتِفَاءِ الْأَمْرَيْنِ مَعًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] فَإِنْ قُلْت: هَلَّا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ " إنْ عُدِمَ نَقْصٌ مَنْعٍ أَوْ كُرْهٍ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ. (وَاسْتِنَابَةُ النَّاقِصِ) فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ لَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ بِالْكُلِّيَّةِ حَيْثُ قَامَ بِهِ الْمَانِعُ مَعَ أَنَّ الْحَقَّ لَهُ أَيْ: وَنُدِبَ اسْتِنَابَةُ الْمُسْتَحِقِّ لِلْإِمَامَةِ النَّاقِصِ نَقْصًا تَجُوزُ مَعَهُ إمَامَتُهُ كَامِلًا بِأَنْ كَانَ أَعْلَمَ مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ مِنْ رَبِّ الْمَنْزِلِ فَيُنْدَبُ لَهُمَا أَنْ يَأْذَنَا لَهُ، فَاسْتِنَابَةُ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ وَحُذِفَ مَفْعُولُهُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى نَائِبِ فَاعِلِ نُدِبَ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ، وَجَعَلَهُ بَعْضٌ مَعْطُوفًا عَلَى " نَقْصُ مَنْعٍ " نَائِبِ فَاعِلِ عُدِمَ فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ إنْ عُدِمَ نَقْصُ مَنْعٍ أَوْ كُرْهٍ وَعُدِمَ اسْتِنَابَةُ النَّاقِصِ غَيْرَهُ، أَمَّا إذَا اسْتَنَابَ النَّاقِصُ فَنَائِبُهُ أَحَقُّ بِمَرْتَبَتِهِ وَلَوْ كَانَ نَقْصُ الْمُسْتَنِيبِ أَوْجَبَ مَنْعًا أَوْ كُرْهًا وَفِيهِ بَعْدَ التَّكَلُّفِ مَا فِيهِ وَلَكِنْ عَلَى هَذِهِ التَّمْشِيَةِ يَنْبَغِي اخْتِصَاصُهُ بِرَبِّ الْمَنْزِلِ وَالسُّلْطَانِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ " وَلِلسُّلْطَانِ وَصَاحِبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ كَانَ اسْتَظْهَرَ خِلَافَهُ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ بِجَمِيلِ لِبَاسٍ) أَيْ: الْجَمِيلِ شَرْعًا لَا كَحَرِيرٍ وَالْجَمِيلُ شَرْعًا هُوَ الْأَبْيَضُ فَإِذَا اجْتَمَعَ شَخْصَانِ أَحَدُهُمَا لَابِسٌ ثَوْبًا أَبْيَضَ وَالْآخَرُ غَيْرَ أَبْيَضَ وَكِلَاهُمَا نَظِيفٌ فَيُقَدَّمُ الْأَوَّلُ وَمَا قَالَهُ عب مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ الْجَمِيلُ شَرْعًا وَلَوْ غَيْرَ أَبْيَضَ، يَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ) لَا يَخْفَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ " وَغَيْرُهَا مِنْ الذُّكُورِ إلَخْ " قَوْلٌ لِبَعْضِ الشُّرَّاحِ وَذَكَرَ عب خِلَافَهُ وَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ " غَيْرَ أَنَّ الْكَافِرَ مُتَّفَقٌ عَلَى خُرُوجِهِ، فَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ الْكَافِرِ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ مَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الذَّكَرِ الْمَمْنُوعِ الْإِمَامَةِ. (قَوْلُهُ: إنْ عُدِمَ نَقْصُ مَنْعٍ) أَيْ: مِنْ فِسْقٍ وَعَجْزٍ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: أَوْ كُرْهٍ) أَيْ: مِنْ قَطْعٍ وَشَلَلٍ وَغَيْرِهِمَا.
(قَوْلُهُ: قَدْ تَقَدَّمَ مَا يُفِيدُ) أَيْ: وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَحِقُّ مَعَ أَنَّهَا قَامَ بِهَا نَقْصُ الْمَنْعِ أَيْ: وَالسُّلْطَانُ مِثْلُهَا أَوْ أَوْلَى.
(قَوْلُهُ: أَيْ: إنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ مَنْ ذُكِرَ) مِنْ زَائِدِ الْفِقْهِ وَمَا بَعْدَهُ إنْ عُدِمَ نَقْصُ مَنْعٍ أَوْ كُرْهٍ فَإِذَا قَامَ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَا حَقَّ لَهُ مُبَاشَرَةً وَلَا اسْتِنَابَةً، وَحَاصِلُ الْفِقْهِ أَنَّ رَبَّ الْمَنْزِلِ وَالسُّلْطَانُ لَهُمَا حَقٌّ وَلَوْ قَامَ بِهِمَا نَقْصُ الْمَنْعِ وَالْكَرَاهَةِ، وَغَيْرَهُمَا لَا حَقَّ لَهُ أَصْلًا عِنْدَ وُجُودِ نَقْصِ الْمَنْعِ وَالْكُرْهِ. بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: النَّقْصُ الْمَانِعُ مِنْ الْإِمَامَةِ مَانِعٌ مِنْ الْوِلَايَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: شَرْطُ الْإِمَامَةِ الْكُبْرَى قِسْمَانِ قِسْمٌ يُشْتَرَطُ فِي ابْتِدَائِهَا وَدَوَامِهَا وَقِسْمٌ يُشْتَرَطُ فِي ابْتِدَائِهَا وَإِذَا طَرَأَ لَا يُوجِبُ الْعَزْلَ كَأَخْذِ الْأَمْوَالِ.
(قَوْلُهُ: بَلْ الْحَقُّ لَهُ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا لَا يُنَاسِبُ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي زَائِدِ الْفِقْهِ وَمَا بَعْدَهُ وَهُوَ إذَا قَامَ بِهِ نَقْصُ الْمَنْعِ أَوْ الْكُرْهِ سَقَطَ حَقُّهُ أَصْلًا. (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّ الْحَقَّ لَهُ) مِنْ وَادِي مَا قَبْلَهُ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ: أَيْ: وَنُدِبَ إلَخْ كَلَامٌ ظَاهِرٌ فِي ذَاتِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ مَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ: إنْ عُدِمَ نَقْصُ مَنْعٍ أَوْ كُرْهٍ فِي زَائِدِ الْفِقْهِ وَمَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ أَعْلَمَ مِنْ السُّلْطَانِ) قَدْ أَفَدْنَاك أَنَّ هَذِهِ طَرِيقَةٌ أُخْرَى غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُوَافِقَ لِظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ إنَّمَا هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ قَصَرَ الْكَلَامَ عَلَى نَقْصِ الْمَنْعِ أَوْ الْكُرْهِ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ النَّقْصَ إذَا كَانَ بِمَعْنَى خِلَافِ الْأَوْلَى الْمُشَارِ لَهُ بِقَوْلِهِ: بِأَنْ كَانَ أَعْلَمَ مِنْ السُّلْطَانِ إلَخْ. لَيْسَ حُكْمُهُ حُكْمَ نَقْصِ الْمَنْعِ أَوْ الْكُرْهِ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَفِيهِ بَعْدَ التَّكَلُّفِ مَا فِيهِ) الْحَاصِلُ أَنَّ فِيهِ شَيْئَيْنِ التَّكَلُّفَ وَأَمْرًا آخَرَ أَمَّا التَّكَلُّفُ فَبِأَنْ تُرِيدَ بِالنَّاقِصِ فِي قَوْلِهِ: اسْتِنَابَةُ النَّاقِصِ. شَخْصًا آخَرَ غَيْرَ هَذَا الَّذِي اشْتَرَطْت فِيهِ عَدَمَ النَّقْصِ وَإِلَّا أَشْكَلَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا تَكَلُّفٌ. وَأَمَّا الْآخَرُ الَّذِي أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: فِيهِ مَا فِيهِ. أَنَّهُ يَفُوتُهُ الْإِخْبَارُ بِنَدْبِ الِاسْتِنَابَةِ مِنْ النَّاقِصِ.
(قَوْلُهُ: وَلَكِنْ عَلَى هَذِهِ التَّمْشِيَةِ) وَجْهُ الِاسْتِدْرَاكِ أَنَّهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ تَسَاوِي الْحَالَتَيْنِ فِي الْعُمُومِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ التَّسَاوِي فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا تَسَاوِيَ بَلْ يَنْبَغِي عَلَى هَذِهِ التَّمْشِيَةِ إلَخْ. وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ وَأَمَّا عَلَى غَيْرِ هَذِهِ التَّمْشِيَةِ فَلَا يَنْبَغِي اخْتِصَاصُهُ بِرَبِّ الْمَنْزِلِ وَالسُّلْطَانِ مَعَ أَنَّهُ يَنْبَغِي اخْتِصَاصُهُ بِهِمَا عَلَى هَذِهِ التَّمْشِيَةِ وَعَلَى غَيْرِهَا وَهُوَ جَعْلُهُ مَعْطُوفًا عَلَى الْمَنْدُوبَاتِ.
(أَقُولُ) وَلَعَلَّ الْأَحْسَنَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: إنْ عُدِمَ نَقْصُ مَنْعٍ إلَخْ. شَرْطًا فِي الْكُلِّ مِنْ السُّلْطَانِ وَرَبِّ الْمَنْزِلِ مِنْ حَيْثُ الْمُبَاشَرَةُ أَيْ: إنَّهُ يُنْدَبُ تَقْدِيمُ السُّلْطَانِ وَرَبِّ الْمَنْزِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مُبَاشَرَةً إنْ عُدِمَ نَقْصُ مَنْعٍ أَوْ كُرْهٍ، وَيُخَصَّصُ قَوْلُهُ: وَاسْتِنَابَةُ النَّاقِصِ بِالسُّلْطَانِ وَرَبِّ الْمَنْزِلِ. (قَوْلُهُ: ابْنِ الْحَاجِبِ إلَخْ) لَمْ يَشْرَحْ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ تِلْكَ الْعِبَارَةَ وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلسُّلْطَانِ وَرَبِّ الْمَنْزِلِ بِمَعْنَى الْإِذْنِ الشَّامِلِ لِخِلَافِ الْأَوْلَى وَالْمُسْتَحَبِّ فَهُوَ بِمَعْنَى الْمُسْتَحَبِّ فِي حَالَةِ نَقْصِ الْكُرْهِ، وَالْوُجُوبِ فِيمَا إذَا كَانَ نَقْصُ مَنْعٍ وَبِمَعْنًى خِلَافِ الْأَوْلَى فِيمَا إذَا لَمْ يَقُمْ بِهِمَا نَقْصُ مَنْعٍ أَوْ كُرْهٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْوُجُوبِ فِي عِبَارَةِ مَنْ عَبَّرَ بِالْوُجُوبِ فِي نَقْصِ الْمَنْعِ.

الصفحة 44