كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 2)

وَلَوْ كَانَ إمَامًا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِخْلَافِ كَمَا عِنْدَ بَعْضِ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ لَبَطَلَتْ عَلَيْهِمْ وَلَوْ لَمْ يَقْتَدُوا بِهِ، وَفَرَّقَ عَبْدُ الْحَقِّ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّنْ يُؤْتَمُّ بِهِ فَلَا يَضُرُّهُمْ اسْتِخْلَافُهُ حَتَّى يَعْمَلَ عَمَلًا يَأْتَمُّونَ بِهِ فِيهِ اهـ.
وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ " وَلَمْ يَقْتَدُوا بِهِ " بُطْلَانُهَا عَلَيْهِمْ بِمُجَرَّدِ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ خِلَافُ مُقْتَضَى قَوْلِ عَبْدِ الْحَقِّ حَتَّى يَعْمَلَ عَمَلًا يَأْتَمُّونَ بِهِ فِيهِ. اهـ. وَمَفْهُومُ " وَلَمْ يَقْتَدُوا بِهِ " الْبُطْلَانُ إنْ اقْتَدَوْا بِهِ وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ عَالِمِينَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ " أَوْ مَجْنُونًا "

. (ص) أَوْ أَتَمُّوا وُحْدَانًا أَوْ بَعْضُهُمْ أَوْ بِإِمَامَيْنِ. (ش) يَعْنِي وَكَذَلِكَ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ إذَا أَتَمُّوا وُحْدَانًا لِأَنْفُسِهِمْ وَتَرَكُوا خَلِيفَةَ الْإِمَامِ وَأَوْلَى لَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ عَلَيْهِمْ أَوْ بَعْضُهُمْ وُحْدَانًا وَتَرَكَ الِاقْتِدَاءَ بِمَنْ أَمَّ الْبَاقِينَ الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ أَوْ أَتَمُّوا بِإِمَامَيْنِ بِأَنْ قَدَّمَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ إمَامًا وَقَدْ أَسَاءَتْ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ بِمَنْزِلَةِ جَمَاعَةٍ وَجَدُوا جَمَاعَةً يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ بِإِمَامٍ فَقَدَّمُوا رَجُلًا مِنْهُمْ وَصَلَّوْا، وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ. (إلَّا الْجُمُعَةَ) فَلَا تَصِحُّ لِلْمُتِمِّينَ وُحْدَانًا لِفَقْدِ شَرْطِهَا مِنْ الْجَمَاعَةِ وَالْإِمَامِ وَلَوْ بَعْدَ رَكْعَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَيْسُوا كَالْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي رَكْعَةً تَقَدَّمَتْ بِشَرْطِهَا بِخِلَافِهِمْ فَإِنَّ الرَّكْعَةَ الْمَأْتِيَّ بِهَا بِنَاءٌ وَلَا يَصِحُّ صَلَاةُ شَيْءٍ مِنْ الْجُمُعَةِ مِمَّا هُوَ بِنَاءٌ فَذًّا وَلَا تَصِحُّ لِلطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ إذْ لَا يُصَلَّى جُمُعَتَانِ فِي مَوْضِعٍ وَتَصِحُّ لِأَسْبَقِهِمَا، ثُمَّ إنَّهُ يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ " وَأَتَمُّوا وُحْدَانًا " بِالْوَاوِ وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لِلْعَطْفِ وَالْحَالِ إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهَا الْحَالُ وَصَاحِبُهَا وَصَاحِبُ الْحَالِ الَّتِي قَبْلَهَا وَهِيَ وَلَمْ يَقْتَدُوا بِهِ مَجْنُونًا وَهِيَ حَالٌ مُتَرَادِفَةٌ أَيْ: مُتَتَابِعَةٌ وَفِي بَعْضِهَا بِأَوْ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى " تَقَدَّمَ غَيْرُهُ " أَوْ عَلَى اسْتَخْلَفَ مَجْنُونًا، وَقَوْلُهُ " إلَّا الْجُمُعَةَ " رَاجِعٌ لِلْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ.
وَتَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ فِي الْفَرْعِ الثَّانِي بِشَرْطِ تَوَفُّرِ الشُّرُوطِ كَكَوْنِ مَنْ مَعَهُ اثْنَيْ عَشَرَ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ، وَأَمَّا الْفَرْعُ الثَّالِثُ: فَتَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ صَلَّى مَعَ مَنْ قَدَّمَهُ الْإِمَامُ حَيْثُ قَدَّمَ أَحَدَهُمَا فَإِنْ لَمْ يُقَدِّمْ أَحَدًا وَقَدَّمُوا اثْنَيْنِ أَوْ قَدَّمَ هُوَ اثْنَيْنِ فَتَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ سَبَقَ بِالسَّلَامِ بِشَرْطِهِ فَإِنْ اسْتَوَيَا بَطَلَتْ عَلَيْهِمَا وَيُعِيدُونَهَا جُمُعَةً مَا دَامَ وَقْتُهَا بَاقِيًا. وَقَوْلُنَا " تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ قَدَّمَهُ الْإِمَامُ أَوْ مَنْ سَبَقَ بِالسَّلَامِ " مَحَلُّهُ حَيْثُ وُجِدَتْ الشُّرُوطُ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ وَحَيْثُ بَطَلَتْ فَهَلْ تَصِحُّ جُمُعَةُ الثَّانِي حَيْثُ وُجِدَ شَرْطُهَا أَمْ تَبْطُلُ؟ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي شَرْحِهِ الْأَوَّلَ

(ص) وَقَرَأَ مِنْ انْتِهَاءِ الْأَوَّلِ. (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ يُكْمِلُ عَلَى صَلَاةِ الْأَوَّلِ فَيَقْرَأُ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى الْأَوَّلُ فِي الْجَهْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَرَأَ شَيْئًا افْتَتَحَ الْقِرَاءَةَ مِنْ أَوَّلِهَا فَإِنْ كَانَتْ سِرِّيَّةً ابْتَدَأَ الْمُسْتَخْلَفُ الْقِرَاءَةَ مِنْ أَوَّلِهَا وَلَوْ مَكَثَ فِي قِيَامِهِ قَدْرَ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ قَدْ نَسِيَهَا أَوْ أَبْطَأَ فِي قِرَاءَتِهَا وَلَمْ يُتِمَّهَا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (وَابْتَدَأَ بِسِرِّيَّةٍ إنْ لَمْ يَعْلَمْ) فَإِنْ عَلِمَ بِأَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْبَرَهُ الْإِمَامُ بِأَنَّهُ انْتَهَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ إمَامًا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِخْلَافِ) حَاصِلُهُ أَنَّ بَعْضَ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ يَقُولُ: إنَّهُ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِخْلَافِ يَصِيرُ خَلِيفَةً مُطْلَقًا أَيْ: فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَأَمَّا عَبْدُ الْحَقِّ فَقَدْ وَافَقَ بَعْضَ شُيُوخِهِ فِيمَا عَدَا الْمَجْنُونَ وَأَمَّا الْمَجْنُونُ قَدْ وَافَقَ سَحْنُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعَمَلِ فَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ طُرُقٌ ثَلَاثَةٌ طَرِيقَةُ سَحْنُونَ وَطَرِيقَةُ بَعْضِ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ وَطَرِيقَةُ عَبْدِ الْحَقِّ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ طَرِيقَةٌ رَابِعَةٌ وَإِلَيْهَا ذَهَبَ عج فَقَالَ فَإِنْ اقْتَدَوْا بِهِ بَطَلَتْ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ عَالِمِينَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ أَوْ مَجْنُونًا. (قَوْلُهُ: لَبَطَلَتْ عَلَيْهِمْ وَلَوْ لَمْ يَقْتَدُوا بِهِ) نَظَرًا لِظَاهِرِ لَفْظِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ نُظِرَ لِحِلِّهِ أَوَّلًا لَقَالَ وَلَوْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِمْ شَيْئًا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَعْنَى وَلَوْ لَمْ يَقْتَدُوا بِهِ أَيْ: فَضْلًا عَنْ الِالْتِفَاتِ لِلْعَمَلِ حَتَّى يَقُولَ وَلَوْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِمْ. (قَوْلُهُ: وَفَرَّقَ عَبْدُ الْحَقِّ) أَيْ: بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْمَجْنُونِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا كَمَا بَيَّنَّا. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ) رُجُوعٌ لِكَلَامِ عج وَرُجُوعٌ عَمَّا حَلَّ بِهِ أَوَّلًا. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَعْمَلَ عَمَلًا) أَيْ: فَمُجَرَّدُ الِاقْتِدَاءِ لَا يَكْفِي. (قَوْلُهُ: الْبُطْلَانُ إنْ اقْتَدَوْا بِهِ) بِمَعْنَى مَا قَبْلَهُ الَّذِي قُلْنَا إنَّهُ كَلَامُ عج أَتَى بِهِ لِلْمُبَالَغَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ اللَّقَانِيِّ يَقُولُ: لَا تَبْطُلُ إلَّا إذَا عَمِلَ بِهِمْ عَمَلًا وعج يَقُولُ بِمُجَرَّدِ الِاقْتِدَاءِ تَبْطُلُ وَهُوَ الظَّاهِرُ.

(قَوْلُهُ: أَوْ أَتَمُّوا وُحْدَانًا) وَلَوْ اسْتَخْلَفَ الْأَصْلِيُّ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْأَصْلِ إلَّا إذَا اُتُّبِعَ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ بَشِيرٍ كَذَا فِي شَرْحِ عب وَظَاهِرُهُ عَدَمُ إثْمِهِمْ. (قَوْلُهُ: أَوْ بَعْضُهُمْ وُحْدَانًا) لَكِنْ يَأْثَمُ كَمَا أَفَادَهُ شب. (قَوْلُهُ: وَقَدْ أَسَاءَتْ) أَيْ: أَثِمَتْ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ.
(تَنْبِيهٌ) : إذَا صَلَّوْا وُحْدَانًا مَعَ كَوْنِهِ اسْتَخْلَفَ عَلَيْهِمْ وَصَلَّى الْمُسْتَخْلِفُ وَحْدَهُ وَلَمْ يُدْرِكُوا مَعَ الْأَصْلِيِّ رَكْعَةً فَلِكُلٍّ أَنْ يُعِيدَ فِي جَمَاعَةٍ وَيُلْغَزَ بِذَلِكَ فَيُقَالَ: شَخْصٌ صَلَّى بِنِيَّةِ الْإِمَامَةِ وَيُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ وَمَأْمُومٌ صَلَّى بِنِيَّةِ الْمَأْمُومِيَّةِ وَيُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَعْدَ رَكْعَةٍ) وَمُقَابِلُهُ أَنَّهَا تَصِحُّ بَعْدَ رَكْعَةٍ؛ لِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ. (قَوْلُهُ: مُحْتَمِلَةٌ لِلْعَطْفِ) أَيْ: عَلَى قَوْلِهِ اسْتَخْلَفَ مَجْنُونًا. (قَوْلُهُ: وَالْحَالِ) فَإِنْ قُلْت: الْحَالُ وَصْفٌ لِصَاحِبِهَا وَالْإِتْمَامُ وُحْدَانًا لَيْسَ وَصْفًا لِلْمَجْنُونِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْحَقِيقَةِ الْمُقَارَنَةُ لِذَلِكَ. (قَوْلُهُ: مَجْنُونًا) خَبَرٌ صَاحَبَهَا قَصْدُ الْحِكَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَفِي بَعْضِهَا بِأَوْ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ نُسْخَةَ أَوْ أَوْلَى مِنْ نُسْخَةِ الْوَاوِ لِقُصُورِهَا عَلَى الْمَجْنُونِ أَيْ: لِقُصُورِ نُسْخَةِ الْوَاوِ بِخِلَافِ نُسْخَةِ أَوْ لِعُمُومِهَا. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى " تَقَدَّمَ غَيْرُهُ إلَخْ ") لَا يَخْفَى أَنَّ عَطْفَهُ عَلَى تَقَدَّمَ غَيْرُهُ يُوجِبُ أَنَّ فِي الْعِبَارَةَ حَذْفًا وَالتَّقْدِيرُ وَإِنْ أَتَمُّوا وُحْدَانًا إلَخْ صَحَّتْ أَوْ إنْ صَحَّتْ الْمُتَقَدِّمُ جَوَابٌ عَنْهُمَا وَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَى الْمَعْطُوفِ. (قَوْلُهُ: قَدَّمَهُ الْإِمَامُ) أَيْ: إمَامُ الْمَسْجِدِ الْمُقَامِ مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ مِنْ الْوَاقِفِ. (قَوْلُهُ: بِشَرْطِهِ إلَخْ) وَهُوَ كَوْنُ مَنْ مَعَهُ اثْنَيْ عَشَرَ وَالْأَوْلَى حَذْفُ بِشَرْطِهِ لِقَوْلِهِ بَعْدُ وَمَحَلُّ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: أَوْ أَبْطَأَ فِي قِرَاءَتِهَا) فِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يَقْتَضِي الْبَدْءَ وَمَا قَالَهُ شَارِحُنَا فِي بَهْرَامَ بِعَيْنِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا أَبْطَأَ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَقْرَأُ، يَقْرَأُ مِنْ بَعْدِ الْمُحَقَّقِ لَهُ آيَةً أَوْ أَكْثَرَ. (قَوْلُهُ: وَابْتَدَأَ بِسِرِّيَّةٍ) خَصَّ السِّرِّيَّةَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الْجَهْرِيَّةَ شَأْنُهَا الْعِلْمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ.

الصفحة 52