كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 2)

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ الرَّجُلِ يُدْرِكُ بَعْضَ التَّكْبِيرِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَيَفُوتُهُ بَعْضُهُ فَقَالَ يَقْضِي مَا فَاتَهُ مِنْ ذَلِكَ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُدْفَنَ أَحَدٌ لَيْلًا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ» وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ دُفِنَ بِغَيْرِ صَلَاةٍ وَلَوْ دُفِنَ بَعْدَ أَنْ صُلِّيَ عَلَيْهِ لَمَّا نَهَى أَنْ يُدْفَنَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا أَنَّهُ لَمَّا كُفِّنَ وَغُسِّلَ لَمْ يُؤَخَّرْ عَنْ أَنْ يُدْفَنَ حَتَّى يُكَفَّنَ وَيُغَسَّلَ وَلَكِنَّهُ لَمَّا قَصَدَ فِي كَفَنِهِ قَالَ «مَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ» ، وَإِنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ لَهُمْ الْإِمَامُ إنِّي لَمْ أَدْعُ لِهَذَا الْمَيِّتِ فَذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّهُ تُعَادُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
فَلَوْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ وَنَسِيَ بَعْضَ التَّكْبِيرِ وَذَكَرَهُ قَبْلَ الدَّفْنِ فَإِنْ كَانَ بِقُرْبِ رَفْعِهَا أُعِيدَتْ وَأَتَمَّ بَقِيَّةَ التَّكْبِيرِ فَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ اُسْتُؤْنِفَ فَإِنْ دُفِنَتْ تُرِكَتْ وَلَمْ تُكْشَفْ وَلَمْ تُعَدْ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا، وَذُكِرَ فِي الْعُتْبِيَّةِ نَحْوُهُ فَأَمَّا إتْمَامُ الصَّلَاةِ بِالْقُرْبِ وَابْتِدَاؤُهَا إذَا تَطَاوَلَ فَوَجْهٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْعَمَلِ لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ عَلَى تَقَدُّمٍ مِنْ الصَّلَاةِ وَيَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَثِيرُهُ، وَأَمَّا الْمَنْعُ مِنْ إعَادَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الدَّفْنِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ مَبْنِيًّا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ لَا يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ بِوَجْهٍ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ إذَا لَمْ تَكْمُلْ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرٍ بَعْدَ أَنْ تَفُوتَ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ فَبِأَيِّ شَيْءٍ يَفُوتُ ذَلِكَ قَالَ أَشْهَبُ تَفُوتُ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ خَارِجَ الْقَبْرِ بِأَنْ يُهَالَ عَلَيْهِ التُّرَابُ وَيُخْرَجُ، وَإِنْ وُضِعَ عَلَيْهِ اللَّبِنُ مَا لَمْ يُهَلْ التُّرَابُ عَلَيْهِ، وَقَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا سُوِّيَ التُّرَابُ فَقَدْ فَاتَ إخْرَاجُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَفُوتُ حَتَّى يُخَافَ عَلَيْهِ التَّغْيِيرُ وَأَنْ يُخْرَجَ مَا لَمْ يُخَفْ التَّغْيِيرُ عَلَيْهِ وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ إنَّ وَضْعَ اللَّبِنِ هُوَ مِنْ بُنَيَّانِ دَاخِلِ الْقَبْرِ، وَأَمَّا إهَالَةُ التُّرَابِ فَهُوَ الشُّرُوعُ فِي الدَّفْنِ وَالتَّغْطِيَةِ، وَإِنَّمَا يَفُوتُ بِالدَّفْنِ.
وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ الْفَرَاغَ مِنْ الدَّفْنِ تَسْوِيَةُ التُّرَابِ وَبِهِ يَقَعُ الْفَرَاغُ.
وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلتُّرَابِ وَتَسْوِيَتِهِ إذْ لَا مَضَرَّةَ عَلَى الْمَيِّتِ فِي إزَالَتِهِ وَلَا هَتْكَ فِي ذَلِكَ لِحُرْمَتِهِ مَا لَمْ يُخَفْ التَّغْيِيرُ عَلَيْهِ فَإِنْ خِيفَ التَّغْيِيرُ عَلَيْهِ امْتَنَعَ إخْرَاجُهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ.

(ش) : التَّكْبِيرَاتُ الْأَرْبَعُ هِيَ أَرْكَانُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ كَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ وَبِهَا شَبَّهَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ كَأَطْوَلِ صَلَاةِ الْفَرْضِ فَمَنْ جَاءَ فَوَجَدَ الْإِمَامَ قَدْ كَبَّرَ بَعْضَ التَّكْبِيرِ فَلَا يَخْلُوَ أَنْ يَجِدَهُ فِي حَالِ تَكْبِيرٍ أَوْ فِي حَالِ دُعَاءٍ فَإِنْ وَجَدَهُ فِي حَالِ تَكْبِيرٍ كَبَّرَ مَعَهُ مَا أَدْرَكَهُ مِنْ التَّكْبِيرِ، وَإِنْ وَجَدَهُ فِي حَالِ دُعَاءٍ فَهَلْ يُكَبِّرُ وَيَدْعُو رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ يُكَبِّرُ وَيَشْرَعُ فِي الدُّعَاءِ.
وَرُوِيَ عَنْهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَنْتَظِرُ حَتَّى يُكَبِّرَ أُخْرَى فَيُكَبِّرَ مَعَهُ وَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ شُبِّهَتْ بِصَلَاةِ الْفَرْضِ وَمَنْ فَاتَهُ فِي الْفَرْضِ بَعْضُ صَلَاةِ الْإِمَامِ دَخَلَ مَعَهُ عَلَى أَيِّ حَالٍ وَجَدَهُ وَلَمْ يَنْتَظِرْ أَنْ يَشْرَعَ فِي غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ هَذَا.
وَوَجْهُ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ التَّكْبِيرَ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ كَالرُّكُوعِ فِي غَيْرِهَا فَمَنْ فَاتَهُ رَكْعَةٌ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ لَمْ يُقَدِّمْهَا، ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ بَلْ كَانَ يُؤَخِّرُ قَضَاءَهَا حَتَّى يُكَمِّلَ مَا أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَكَذَلِكَ هَذَا يَبْدَأُ بِمَا أَدْرَكَ مِنْ التَّكْبِيرِ مَعَ الْإِمَامِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا بُنِيَ عَلَى فَوَاتِ اتِّبَاعِ الْمَأْمُومِ الْإِمَامَ فِي التَّكْبِيرِ فَعَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَتْبَعَ الْإِمَامَ فِي التَّكْبِيرِ مَا لَمْ تَكْمُلْ التَّكْبِيرَةُ الَّتِي تَلِيهَا وَعَلَى رِوَايَةِ عَلِيٍّ يَفُوتُ اتِّبَاعُهُ بِالشُّرُوعِ فِي الدُّعَاءِ فَإِنْ شَرَعَ فِي الدُّعَاءِ فَقَدْ فَاتَهُ اتِّبَاعُهُ وَلَيْسَ مِنْ حُكْمِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَنْ يَعْمَلَ مِنْهَا مَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَلِذَلِكَ لَزِمَ الْمَأْمُومَ انْتِظَارُ الْإِمَامِ حَتَّى يُكَبِّرَ فَيَتْبَعُهُ فِي تَكْبِيرَتِهِ تِلْكَ إذْ قَدْ فَاتَهُ اتِّبَاعُهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا بِالشُّرُوعِ فِي الدُّعَاءِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
فَإِذَا تَمَّ مَا أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ قَضَى مَا فَاتَهُ مِنْ التَّكْبِيرِ خِلَافًا لِلْحَسَنِ عَلَى مَا يَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ

الصفحة 15