كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 2)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَهْلِهِ فَقَالَ قَدْ قَضَى؟ قَالُوا لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَبَكَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَكَوْا فَقَالَ أَلَا تَسْمَعُونَ إنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا وَأَشَارَ إلَى لِسَانِهِ أَوْ يَرْحَمُ» فَأَمَّا قَوْلُهُ «فَإِذَا وَجَبَ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ» وَفَسَّرَ الْوُجُوبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَوْتِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَعَ مِنْ بُكَاءٍ مَخْصُوصٍ عِنْدَ الْوُجُوبِ وَهُوَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ الصِّيَاحِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي ذَلِكَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ فَتَوَجَّهَ نَهْيُهُ إلَى ذَلِكَ الْبُكَاءِ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَمْرٌ بِتَوْجِيهِهِ إلَى الْقِبْلَةِ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ وُجِّهَ إلَى الْقِبْلَةِ وَلَا أَنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ مَا عَلِمْتُ التَّوْجِيهَ مِنْ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي مَرَضِهِ فَوُجِّهَ فَأَفَاقَ فَأَنْكَرَ فِعْلَهُمْ بِهِ، وَقَالَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَيِيتُ وَعَلَيْهِ أَمُوتُ لِيَكُنْ مَضْجَعِي مَا كُنْتُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَأَرَاهُ إنَّمَا كَرِهَ عَجَلَتَهُمْ بِذَلِكَ قَبْلَ الْحَقِيقَةِ، وَظَاهِرُ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مُخَالِفٌ لِهَذَا التَّأْوِيلِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ يَنْبَغِي أَنْ يُوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْآثَارِ الصِّحَاحِ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا التَّوْجِيهُ بَلْ الظَّاهِرُ مِنْهَا عَدَمُ التَّوْجِيهِ.
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ الْحَالَ وُجِدَتْ فِيهَا أَسْبَابُ الْوَفَاةِ فَشُرِعَ فِيهَا التَّوْجِيهُ كَالْحَمْلِ وَالدَّفْنِ.
(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالتَّوْجِيهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُوَجَّهُ إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَإِنْ لَمْ يُقْدَرْ فَعَلَى ظَهْرِهِ وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ.
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ صِفَاتُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ كَاسْتِقْبَالِهَا فِي الصَّلَاةِ.
(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَكُونُ التَّوْجِيهُ إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ بِإِحْدَادِ نَظَرِهِ وَإِشْخَاصِ بَصَرِهِ وَيُلَقَّنُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ لَا بَأْسَ أَنْ تُغْمِضَهُ الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ، وَقَالَ غَيْرُهُ الْإِغْمَاضُ سُنَّةٌ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَالَ عِنْدَهُ {وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 181] {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 182] {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات: 61] وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ وَيُقَالُ عِنْدَ إغْمَاضِهِ اللَّهُمَّ يَسِّرْ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَسَهِّلْ مَوْتَهُ وَأَسْعِدْهُ بِلِقَائِك وَاجْعَلْ مَا خَرَجَ إلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا خَرَجَ عَنْهُ قَالَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَجْلِسَ عِنْدَهُ إلَّا أَفْضَلُ أَهْلِهِ وَأَحْسَنُهُمْ هَدْيًا وَقَوْلًا وَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ وَلَا قُرْبَهُ ثَوْبٌ غَيْرُ طَاهِرٍ وَلَا يَحْضُرُهُ كَافِرٌ وَلَا حَائِضٌ وَهَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ حَبِيبٍ إنَّمَا أَوْرَدَهَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ فَإِنْ فُعِلَتْ فَحَسَنٌ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ عِنْدَهُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ الْقِرَاءَةُ عِنْدَهُ وَالْإِجْمَارُ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ يس، وَإِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ ذَلِكَ لِئَلَّا يُتَّخَذَ سُنَّةً وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَرَّبَ إلَيْهِ الرَّوَائِحُ الطَّيِّبَةُ مِنْ بَخُورٍ وَغَيْرِهِ، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ عَمَلِ السَّلَفِ وَاتَّصَلَ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ فَالْعَمَلُ بِهِ مُخَالِفٌ لِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ.

(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ «ابْنَتِهِ إنْ كُنْتُ لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ شَهِيدًا فَإِنَّك قَدْ كُنْتَ قَضَيْتَ جِهَازَك» أَخْبَرَتْ عَنْ قُوَّةِ رَجَائِهَا فِي الشَّهَادَةِ لَهُ لِمَا كَانَتْ تَرَى مِنْ حِرْصِهِ عَلَى الْجِهَادِ وَمُبَادَرَتِهِ إلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ قَضَى جِهَازَهُ لِلْغَزْوِ فَأَشْفَقَتْ مِمَّا فَاتَهُ مِنْ ذَلِكَ «فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْقَعَ أَجْرَهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ» وَهَذَا اللَّفْظُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَجْرَهُ قَدْ جَرَى لَهُ بِمِقْدَارِ الْعَمَلِ الَّذِي نَوَاهُ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ يَكُونُ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ أَنْ لَوْ عَمِلَهُ فَتَكُونُ النِّيَّةُ بِمَعْنَى الْمَنْوِيِّ.
وَالْمَعْنَى الثَّانِي: أَنَّهُ أُوقِعَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِقَدْرِ مَا يَجِبُ لِنِيَّتِهِ.
إلَّا أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصْدَ إلَى تَسْلِيَتِهَا وَإِخْبَارِهَا بِأَنَّ مَا نَوَاهُ لَمْ يَفُتْهُ وَأَنَّ أَجْرَهُ قَدْ جَرَى لَهُ بِحَسَبِ نِيَّتِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ إلَّا بِقَدْرِ النِّيَّةِ لَمَا كَانَ لَهَا فِي ذَلِكَ رَاحَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ اسْتَفَادَتْ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ مِنْ

الصفحة 26