كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 2)
(ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ نَسِيَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي عُمْرَةٍ فَلَمْ يَذْكُرْ حَتَّى يَسْتَبْعِدَ مِنْ مَكَّةَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فَيَسْعَى وَإِنْ كَانَ قَدْ أَصَابَ النِّسَاءَ فَلْيَرْجِعْ فَلْيَسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى يُتِمَّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ أُخْرَى وَالْهَدْيُ) .
(ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَلْقَاهُ الرَّجُلُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَيَقِفُ مَعَهُ يُحَدِّثُهُ فَقَالَ لَا أُحِبُّ لَهُ ذَلِكَ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْطَعْهَا كَالْعَمَلِ الْيَسِيرِ فِي الصَّلَاةِ وَإِذَا كَانَ فِي حُكْمِ التَّارِكِ لَهَا لِطُولِ جُلُوسِهِ فَقَدْ عَدِمَ مَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ مِنْ الِاتِّصَالِ فَوَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا.
(فَرْعٌ) فَإِنْ لَمْ يَسْتَأْنِفْ وَأَتَمَّ سَعْيَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ فَقَالَ أَشْهَبُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ،.
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ اتِّصَالَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّتِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ صِفَاتِهِ وَأَحْكَامِهِ وَفَضَائِلِهِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ عُرْوَةَ لَقَدْ خَابَ هَؤُلَاءِ وَخَسِرُوا يُرِيدُ أَنَّهُمْ تَرَكُوا الْمَشْرُوعَ الْمَأْمُورَ بِهِ وَفَعَلُوا الْمَكْرُوهَ مَعَ تَعَبِهِمْ وَتَكَلُّفِهِمْ قَطْعَ الْمَسَافَةِ الطَّوِيلَةِ وَالْمَشَقَّةَ الْبَعِيدَةِ وَتَمَوُّنَ النَّفَقَةِ الْكَثِيرَةِ فَقَدْ خَابُوا مِنْ أَجْرِ مَنْ أَتَى بِالْعِبَادَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَخَسِرُوا مَا غَنِمَ مَنْ أَتَى بِهَا عَلَى وَجْهِهَا.
(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ نَسِيَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ مَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّنَا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ السَّعْيَ بَيْنَهُمَا مِنْ أَرْكَانِ نُسُكِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ فَالْمُكَلَّفُ مَا لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِهِ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ بِتَحَلُّلِهِ كَمَا لَوْ تَرَكَ طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ ذَكَرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ بَعْدُ نُسُكَهُ حِينَ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِهِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا أَنَّ السَّعْيَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ النُّسُكَ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِالتَّحَلُّلِ دُونَ التَّمَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.
فَإِذَا كَانَ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لَمْ يَتِمَّ إلَّا بِهِ وَإِذَا لَمْ يَتِمَّ إلَّا بِهِ فَلَا يَصِحُّ الْخُرُوجُ مِنْهُمَا قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِهِ فَيَرْجِعُ مِنْ حَيْثُ ذَكَرَهُ بَاقِيًا عَلَى إحْرَامِهِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يُدْخِلْ عَلَى إحْرَامِهِ فَسَادًا رَجَعَ فَأَتَمَّ نُسُكَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَدْخَلَ عَلَيْهِ فَسَادًا رَجَعَ فَأَتَمَّ عُمْرَتَهُ الَّتِي أَفْسَدَ، ثُمَّ قَضَاهَا وَأَهْدَى.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَلَمْ يَذْكُرْ حَتَّى يَسْتَبْعِدَ مِنْ مَكَّةَ أَنَّهُ يَرْجِعُ فَيَسْعَى مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَسْعَى بَعْدَ أَنْ يَقْدُمَ مِنْ الطَّوَافِ مَا يَلْزَمُ أَنْ يَتَّصِلَ بِهِ السَّعْيُ.
وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ.
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مِنْ سُنَّةِ السَّعْيِ اتِّصَالَهُ بِالطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْبَيْتِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَقَّبَ مَالَهُ تَعَلُّقٌ بِالْبَيْتِ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَإِذَا كَانَ مِنْ سُنَّتِهِ اتِّصَالُهُ بِالطَّوَافِ لَزِمَ إعَادَةُ الطَّوَافِ لِيَتَعَقَّبَهُ السَّعْيُ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمَنْ أَخَّرَ سَعْيَهُ حَتَّى انْتَقَضَ وُضُوءُهُ ابْتَدَأَ الطَّوَافَ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَإِنْ كَانَ قَدْ تَبَاعَدَ عَنْهَا أَهْدَى.
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَعَقُّبَهُ لِلطَّوَافِ وَاتِّصَالَهُ بِهِ مِنْ سُنَّتِهِ وَوَاجِبَاتِ أَحْكَامِهِ فَيَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى ذَلِكَ مَا لَمْ تَلْحَقْهُ الْمَشَقَّةُ بِالْبُعْدِ عَنْ مَكَّةَ فَيَكُونُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْبُرَ ذَلِكَ بِالدَّمِ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فِي الَّذِي ذَكَرَ السَّعْيَ بَعْدَ أَنْ أَصَابَ النِّسَاءَ يَرْجِعُ فَيَتِمُّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ عُمْرَتِهِ، ثُمَّ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ أُخْرَى وَالْهَدْيُ يَعْنِي أَنَّهُ قَدْ أَفْسَدَ عُمْرَتَهُ إذَا أَصَابَ النِّسَاءَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّهَا عَلَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْفَسَادِ، ثُمَّ يَقْضِيَهَا وَيُهْدِيَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ لِإِفْسَادِهِ الْعُمْرَةَ وَلِلتَّفْرِقَةِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا قَالَ مُحَمَّدٌ ذَلِكَ اسْتِحْسَانٌ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَيْهِ حَمْلَانِ مَا لَا يُطِيقُ حَمْلَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ لِذَلِكَ هَدْيٌ، ثُمَّ يَعْجِزُ فَيَرْكَبُ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ لِلْأَمْرَيْنِ إلَّا هَدْيٌ وَاحِدٌ وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ: نَرَى عَلَيْهِ هَدْيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لِلتَّفْرِقَةِ.
وَالثَّانِي: لِلْإِفْسَادِ وَلَيْسَ هَدْيُ التَّفْرِقَةِ عِنْدَهُ بِوَاجِبٍ.
(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَذَلِكَ إنَّ مِنْ حُكْمِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ اتِّصَالَهَا وَيَلْزَمُ الْإِقْبَالُ عَلَيْهَا وَالِاشْتِغَالُ بِهَا عَنْ غَيْرِهَا مِنْ الْحَدِيثِ وَالْوُقُوفِ فَإِذَا اشْتَغَلَ عَنْهَا بِالْحَدِيثِ وَأَخَذَ فِيمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْقَطْعِ لَهَا مِنْ الْوُقُوفِ فَلَمْ يَأْتِ بِهَا عَلَى الْمَشْرُوعِ مِنْ أَحْكَامِهَا وَالْمُسْتَحَبِّ مِنْ هَيْئَاتِهَا.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالْوُقُوفُ لِلْحَدِيثِ فِي السَّعْيِ أَشَدُّ مِنْهُ بِغَيْرِ وُقُوفٍ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمَنْ بَاعَ وَاشْتَرَى أَوْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ وَهُوَ يَسْعَى فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ
الصفحة 303
319