كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 2)
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا نَزَلَ مِنْ الصَّفَا مَشَى حَتَّى إذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ» ) .
(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ جَهِلَ فَبَدَأَ بِالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ قَالَ لِيَرْجِعْ فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لِيَسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ وَيَسْتَبْعِدَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَإِنْ كَانَ أَصَابَ النِّسَاءَ رَجَعَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى يُتِمَّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ أُخْرَى وَالْهَدْيُ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQإعَادَةٌ وَيُهْدِي وَيُجْزِئُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ حَتَّى انْتَقَضَ وُضُوءُهُ ابْتَدَأَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ فَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ وَتَبَاعَدَ فَلْيُهِلَّ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ اسْتِفْتَاحَ الطَّوَافِ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّتِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ سُنَنِهِ الْوَاجِبَةِ، وَلِذَلِكَ يُجْبَرُ بِالدَّمِ.
(ش) : قَوْلُهُ «أَنَّهُ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا نَزَلَ مِنْ الصَّفَا مَشَى حَتَّى إذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ» هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ التَّخْيِيرُ فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ إنْ مَشَيْتهَا فَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْشِي وَإِنْ سَعَيْت فَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْعَى وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «طُفْت مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَكَانَ فِي النَّاسِ فَلَمْ أَرَهُ فَسَعَوْا فَلَا أَرَاهُمْ سَعَوْا إلَّا بِسَعْيِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مَوَاطِنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ» .
(مَسْأَلَةٌ) :
وَالسَّعْيُ بَيْنَ الْعَلَمَيْنِ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَقَدْ أَعْلَمَتْ الْخَلَفُ ذَيْنَك الْمَوْضِعَيْنِ حَتَّى صَارَ إجْمَاعًا، وَصِفَةُ السَّعْيِ أَنْ يَكُونَ سَعْيُهَا بَيْنَ سَعْيَيْنِ وَهُوَ الْخَبَبُ رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ.
(فَرْعٌ) فَإِنْ تَرَكَ السَّعْيَ بِبَطْنِ الْمَسِيلِ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ قَدْ كَانَ مَرَّةً يَقُولُ: عَلَيْهِ الدَّمُ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ.
(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ جَهِلَ فَبَدَأَ بِالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَسْعَ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ الطَّوَافِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ السَّعْيِ كَالرُّكُوعِ الَّذِي تَقَدَّمَهُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ السُّجُودِ فَمَنْ قَدَّمَ السَّعْيَ عَلَى الطَّوَافِ لَمْ يُجْزِهِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِسَعْيٍ آخَرَ يَصِلَهُ بِطَوَافِهِ قَالَهُ أَبُو الْفَرَجِ فِي حَاوِيهِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ لِيَرْجِعْ فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ فَمَعْنَى قَوْلِهِ لِيَرْجِعْ يُرِيدُ لِيَرْجِعْ مِنْ مَكَانِهِ إلَى الْبَيْتِ فَلْيَطُفْ بِهِ، ثُمَّ لِيَسْعَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ طَوَافِهِ وَبَعْدَ أَنْ طَالَ الْأَمْرُ فِيهِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَّصِلَ سَعْيُهُ بِهِ فَعَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الطَّوَافِ لِيَتَّصِلَ بِهِ السَّعْيُ.
وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ نَحْوَ هَذَا فِي شَرْحِهِ، وَأَمَّا إنْ ذَكَرَ ذَلِكَ بِإِثْرِ طَوَافِهِ فَإِنَّهُ يَجْتَزِئُ بِذَلِكَ الطَّوَافِ وَيُعِيدُ السَّعْيَ فَقَطْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَصَابَ النِّسَاءَ رَجَعَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى إلَى آخِرِ الْفَصْلِ يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ أَفْسَدَ عُمْرَتَهُ لِإِصَابَتِهِ النِّسَاءِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى لَهَا؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ سَعْيِهِ وَطَوَافِهِ غَيْرُ مُجْزِئٍ فَكَانَ كَمَنْ وَطِئَ فِي عُمْرَتِهِ قَبْلَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَكَّةَ مِنْ حَيْثُ كَانَ، وَيَكُونُ رُجُوعُهُ عَلَى إحْرَامِهِ فَيَطُوفُ وَيَسْعَى لِعُمْرَتِهِ الَّتِي أَفْسَدَ ثُمَّ يَحْلِقُ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْإِحْرَامَ لِعُمْرَةٍ ثَانِيَةٍ قَضَاءً لِلْأُولَى الَّتِي أَفْسَدَ فَيَعْتَمِرُ وَيُهْدِي هَدْيًا لِإِفْسَادِ عُمْرَتِهِ الْأُولَى وَلَيْسَ هَاهُنَا تَفْرِيقٌ لِطَوَافٍ وَلَا سَعْيٍ فَيَكُونُ عَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ.
الصفحة 305
319