كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 2)

) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQإحْرَامَهُ إلَى الْجُحْفَةِ وَفِي الْمُزَنِيَّة مِنْ رِوَايَةِ دَاوُد بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَفِعْلُ ذَلِكَ فِي مَكَان وَاحِدٍ أَحَبُّ إلَيَّ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يُقَلِّدُ هَدْيَهُ ثُمَّ يُشْعِرُهُ، ثُمَّ يُجَلِّلُهُ إنْ شَاءَ ثُمَّ يَرْكَعُ، ثُمَّ يُحْرِمُ فَالسُّنَّةُ اتِّصَالُ ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْهَدْيِ مِنْ أَحْكَامِ النُّسُكِ فَمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَكُونَ إيجَابُهُ نُسُكَهُ فِي الْهَدْيِ عِنْدَ الْتِزَامِ نُسُكِهِ بِالْإِحْرَامِ، وَلِذَلِكَ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَرَجَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى إذَا كَانُوا بِ ذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ» .
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ يَقْتَضِي مُبَاشَرَةَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَهُوَ الْأَفْضَلُ مِنْ الِاسْتِنَابَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُبَاشَرَةٌ لِتَقْرِيبِ الْهَدْيِ كَذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ وَهَذَا فِي الرَّجُلِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُقَلِّدَ الْمَرْأَةُ بَدَنَتَهَا وَلَا تُشْعِرَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَلِّدُ وَلَا يُشْعِرُ إلَّا مَنْ يَنْحَرُ إلَّا أَنْ لَا تَجِدَ مَنْ يَلِي ذَلِكَ لَهَا كَالذَّبْحِ وَإِنْ لَمْ تَجِدْ مَنْ يَلِي ذَلِكَ إلَّا جَارِيَتُهَا فَلْتَفْعَلْ وَهَذَا الْقَوْلُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِنَقْصِ الْأُنُوثَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جُوِّزَ لَهَا أَنْ تَسْتَنِيبَ مَنْ هِيَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَتِهَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ ابْتِذَالِهَا وَإِظْهَارِ مَا يَلْزَمُهَا سَتْرَهُ مِنْ جَسَدِهَا.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ يُقَلِّدُهُ قَبْلَ أَنْ يُشْعِرَهُ، وَذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَبْدَأَ بِالتَّقْلِيدِ، ثُمَّ يَلِيَهُ الْإِشْعَارُ بِغَيْرِ فَصْلٍ وَاخْتَارَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ أَخَفُّ وَفِيهِ بَعْضُ التَّدْلِيلِ وَلِذَلِكَ بَدَأَ بِهِ، وَالتَّقْلِيدُ وَالْإِشْعَارُ إيجَابٌ وَاحِدٌ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ يُرِيدُ أَنَّ التَّرْتِيبَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ: وَهُوَ مُوَجَّهٌ إلَى الْقِبْلَةِ يُرِيدُ أَنَّ التَّقْلِيدَ وَالْإِشْعَارَ مِنْ سُنَّتِهِ أَنْ يَكُونَ وَالْهَدْيُ مُوَجَّهٌ إلَى الْقِبْلَةِ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَا مِنْ سُنَّةِ الْمُبَاشِرِ لِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُتَوَجِّهًا إلَى الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا مَعَانٍ مِنْ النُّسُكِ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْبَيْتِ فَشُرِعَ فِيهَا اسْتِقْبَالُهُ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ يُقَلِّدُهُ بِنَعْلَيْنِ هَذَا هُوَ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَلِّدَهُ بِنَعْلَيْنِ فِي رَقَبَتِهِ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ وَإِنْ قَلَّدَهَا نَعْلًا وَاحِدَةً فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ تُجْزِئُهُ النَّعْلُ الْوَاحِدَةُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَاجْعَلْ حَبْلَ الْقَلَائِدِ مِمَّا شِئْت وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْعِهْنِ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُقَلِّدُهُ بِالْأَوْتَارِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَكُونَ الْأَوْتَارُ مِمَّا أَنْبَتَتْ الْأَرْضُ وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّهَا أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ الْأَوْتَارِ الَّتِي هِيَ مِنْ الْقَعْبِ أَوْ الْجِلْدِ وَإِنْ كَانَ الْعِهْنُ أَحَبَّ إلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ نَبَاتَ الْأَرْضِ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَحَمَلَ حَدِيثَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْجَوَازِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
قَالَ مَالِكٌ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَفْتِلَ فَتْلًا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «فَتَلْت قَلَائِدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدَيَّ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ أَبْقَى لَهَا عَلَى طُولِ السَّفَرِ وَالْمُدَّةِ مَعَ تَصَرُّفِ الْهَدَايَا فِي الرَّعْيِ وَغَيْرِهِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَتُقَلَّدُ الْإِبِلُ كَانَتْ لَهَا أَسْنِمَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ قَالَهُ مَالِكٌ، وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ.
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ التَّقْلِيدَ شِعَارُ الْهَدْيِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَأَمَّا الْغَنَمُ فَقَالَ مَالِكٌ لَا تُقَلَّدُ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ تُقَلَّدُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْغَنَمَ تَضْعُفُ عَنْ التَّقْلِيدِ وَيَشُقُّ عَلَيْهَا الْمَشْيُ إذَا كَانَتْ مُقَلَّدَةً.
وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْدَى غَنَمًا مُقَلَّدَةً» .
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَيُشْعِرُهُ مِنْ الشِّقِّ الْأَيْسَرِ، الْإِشْعَارُ مِنْ سُنَّةِ الْهَدْيِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنَعَ مِنْهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَلَّدَ هَدْيَهُ

الصفحة 312