كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 2)

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: الْهَدْيُ مَا قُلِّدَ وَأُشْعِرَ وَوُقِفَ بِهِ بِعَرَفَةَ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُجَلِّلُ بَدَنَهُ الْقَبَاطِيَّ وَالْأَنْمَاطَ وَالْحُلَلَ، ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا إلَى الْكَعْبَةِ فَيَكْسُوهَا إيَّاهَا) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ فِي الضَّحَايَا وَالْبُدْنِ الثَّنِيُّ فَمَا فَوْقَهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَشُقُّ جَلَالَ بَدَنِهِ وَلَا يُجَلِّلُهَا حَتَّى يَغْدُو مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ.

(ش) : قَوْلُهُ الْهَدْيُ مَا قُلِّدَ وَأُشْعِرَ يُرِيدُ أَنَّ مِنْ حُكْمِهِ وَسُنَّتِهِ التَّقْلِيدَ وَالْإِشْعَارَ وَإِنَّ مِنْ حُكْمِ مَا يُنْحَرُ مِنْهُ بِمِنًى أَنْ يُوقَفَ بِعَرَفَةَ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْهَدْيَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يُجْمَعَ فِيهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَلَا يُجْزِئُ مَنْ اشْتَرَاهُ بِالْحَرَمِ أَنْ يَنْحَرَهُ بِالْحَرَمِ دُونَ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى الْحِلِّ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ إنْ اشْتَرَاهُ فِي الْحَرَمِ وَنَحَرَهُ فِيهِ أَجْزَأَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ فِي هَدْيِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ» ؛ لِأَنَّهُ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَسَاقَهُ إلَى الْبَيْتِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا نُسُكٌ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ كَالْعُمْرَةِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مَنْ كَانَ مَعَهُ وَسَاقَهُ مِنْ الْحِلِّ أَنْ يَنْهَضَ بِهِ مَعَهُ وَيَقِفَ بِهِ بِعَرَفَةَ مَعَ النَّاسِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا سَاقَ مَعَهُ مِنْ الْهَدْيِ فِي حَجِّهِ، وَكَذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ ابْنُ عُمَرَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَكَذَلِكَ قَالَ هَاهُنَا الْهَدْيُ مَا قُلِّدَ وَأُشْعِرَ وَوُقِفَ بِهِ بِعَرَفَةَ يُرِيدُ أَنَّ هَذَا الْهَدْيَ الْكَامِلَ الصِّفَاتِ وَالْفَضَائِلِ.

(ش) : قَوْلُهُ كَانَ يُجَلِّلُ بَدَنَهُ الْقَبَاطِيَّ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَكْسُوهَا إيَّاهَا إذَا أَهْدَاهَا وَالْقَبَاطِيُّ ثِيَابٌ بِيضٌ وَالْأَنْمَاطَ ثِيَابُ دِيبَاجٍ وَالْحُلَلَ ثِيَابٌ مُزْدَوِجَةٌ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ تُجَلَّلَ الْأَبْيَضَ وَالْمُلَوَّنَ وَالْخَزَّ وَالْكَتَّانَ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الثِّيَابِ قَالَ مَالِكٌ وَلَا تُجَلَّلُ بِالْمُخَلَّقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْوَانِ خَفِيفٌ وَالْبَيَاضُ أَحَبُّ إلَيْنَا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْخَلُوقَ طِيبٌ فَكَرِهَ الْمُخَلَّقَ لِمَا فِيهِ مِنْ الطِّيبِ وَأَبَاحَ سَائِرَ الْأَلْوَانِ وَإِنْ كَانَ الْبَيَاضُ أَحَبَّ ذَلِكَ إلَيْهِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ: ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا إلَى الْكَعْبَةِ فَيَكْسُوهَا إيَّاهَا يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ هَذَا أَحَقُّ مَا صُرِفَتْ إلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْبُدْنُ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْبَيْتِ وَكَانَتْ تُجَلَّلُ وَكَانَتْ الْكَعْبَةُ مِمَّا يَشْرَعُ كِسْوَتُهَا فَكَانَ مَا يَلِيقُ بِهَا مَصْرُوفًا إلَيْهَا.
(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ دِينَارٍ مَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَصْنَعُ بِجَلَالِ بَدَنِهِ حِينَ كُسِيَتْ الْكَعْبَةُ هَذِهِ الْكِسْوَةُ فَقَالَ كَانَ يَتَصَدَّقُ بِهَا) .
(ش) : وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ جَلَالَ الْبُدْنِ كَانَتْ كِسْوَةُ الْكَعْبَةِ وَكَانَتْ أَوْلَى بِهَا مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَمَّا كُسِيَتْ الْكَعْبَةُ رَأَى أَنَّ الصَّدَقَةَ بِهَا أَوْلَى مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ وَإِنْ كَانَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْبَيْتِ فَإِنَّ مَصْرِفَهُ إلَى الْمَسَاكِينِ وَمُسْتَحِقِّي الصَّدَقَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كَانَ يَكْسُو جَلَالَ بَدَنِهِ الْكَعْبَةَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْسِمُ جَلَالَ بَدَنِهِ فَلَمَّا عَلِمَ بِذَلِكَ رَجَعَ إلَيْهِ وَأَخَذَ بِهِ.

(ش) : وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ جَلَالَ الْبُدْنِ تُشَقُّ عَلَى أَسْنِمَتِهَا لِمَعْنَيَيْنِ:
أَحَدِهِمَا: أَنْ يَبْدُوَ الْإِشْعَارُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ أَثْبَتُ لَهَا عَلَى ظُهُورِ الْبُدْنِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ وَمَا عَلِمْت أَنَّ أَحَدًا تَرَكَ ذَلِكَ إلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يُجَلِّلُ الْحُلَلَ وَالْأَنْمَاطَ الْمُرْتَفِعَةَ فَكَانَ يَتْرُكُ ذَلِكَ اسْتِبْقَاءً لِلثِّيَابِ وَلَمْ يَكُنْ يُجَلِّلُ إلَّا حِينَ يَغْدُو مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ لِتَبْقَى الثِّيَابُ بِحَالِهَا وَلَا تَتَغَيَّرُ بِطُولِ اللُّبْسِ لَهَا.
قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُجَلِّلُهَا بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَإِذَا مَشَى لَيْلَهُ نَزَعَ الْجَلَالَ فَإِذَا قَرُبَ مِنْ الْحَرَمِ جَلَّلَهَا وَإِذَا خَرَجَ إلَى مِنًى جَلَّلَهَا فَإِذَا كَانَ حِينَ النَّحْرِ نَزَعَهَا فَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مُخَالِفَةً رِوَايَةَ مَالِكٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ إنَّمَا قَصَدَ الْإِخْبَارَ عَنْ آخِرِ عَمَلِهِ فِيهَا وَاسْتَوْفَى ابْنُ الْمُبَارَكِ الْإِخْبَارَ عَنْ جَمِيعِ أَحْوَالِهَا.
وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَعْقِدُ أَطْرَافَ الْجَلَالِ عَلَى أَذْنَابِهَا مِنْ الْبَوْلِ، ثُمَّ يَنْزِعُهَا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الدَّمُ فَيَتَصَدَّقُ بِهَا قَالَ

الصفحة 314