كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 2)

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي هِلَالِ شَوَّالٍ أَقَلُّ مِنْ شَاهِدَيْنِ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ الْوَاحِدُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ فَلَمْ يُقْبَلْ فِيهَا أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ أَصْلُ ذَلِكَ سَائِرُ الْحُقُوقِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» يُرِيدُ مَنَعَكُمْ مِنْ رُؤْيَتِهِ سَحَابٌ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ قَوْلِهِمْ غَمَمْتُ الشَّيْءَ إذَا سَتَرْتُهُ فَاقْدُرُوا لَهُ يُرِيدُ قَدِّرُوا لِلشَّهْرِ وَتَقْدِيرُهُ إتْمَامُ الشَّهْرِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ ثَلَاثِينَ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ إنَّمَا يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا بِالرُّؤْيَةِ فَأَمَّا بِالتَّقْدِيرِ فَلَا يَكُونُ إلَّا ثَلَاثِينَ.
وَقَدْ فُسِّرَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» وَفِي حَدِيثِ رِبْعِيٍّ بْنِ حِرَاشٍ «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ» وَذَكَرَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّهُ قِيلَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ فَاقْدُرُوا لَهُ أَيْ قَدِّرُوا الْمَنَازِلَ وَهَذَا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ إلَّا بَعْضَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ وَالْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَزنِيَّةِ فِي الْإِمَامِ لَا يَصُومُ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَلَا يُفْطِرُ لِرُؤْيَتِهِ، وَإِنَّمَا يَصُومُ وَيُفْطِرُ عَلَى الْحِسَابِ أَنَّهُ لَا يُقْتَدَى بِهِ وَلَا يُتَّبَعُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدٌ فَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِمَا صَامَ مِنْهُ عَلَى الْحِسَابِ وَيَرْجِعُ إلَى الرُّؤْيَةِ وَاكَمَالِ الْعَدَدِ فَإِنْ اقْتَضَى ذَلِكَ قَضَاءَ شَيْءٍ مِنْ صَوْمِهِ قَضَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
فَإِنْ عُدِمَتْ الرُّؤْيَةُ لَزِمَ إتْمَامُ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ كَانَ صَحْوًا أَوْ غَيْمًا وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إنْ كَانَ غَيْمًا صَامَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ احْتِيَاطًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» ، وَالدَّلِيلُ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا يَوْمُ شَكٍّ فَلَمْ يَجُزْ صَوْمُهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ السَّمَاءُ صَاحِيَةً.

(ش) : قَوْلُهُ «الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ» يَحْتَمِلُ أَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَلَا يَرِيبُكُمْ نَقْصُهُ إنْ نَقَصَ وَلَا تَشْرَعُوا فِي صَوْمِهِ حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فِي أَوَّلِهِ أَوْ رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ ثُمَّ رَأَيْتُمْ هِلَالَ الْفِطْرِ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ فَلَا تَرْتَابُوا بِذَلِكَ فَإِنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ " التَّنْبِيهَ عَلَى تَرَائِي الْهِلَالِ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ وَتِسْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ، ثُمَّ قَالَ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا تَصُومُوا لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ حَتَّى تَرَوْهُ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِذَا اتَّصَلَ غَمُّ الْهِلَالِ أَشْهُرًا فَقَدْ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُزَنِيَّة فِي الْقَوْمِ يَكُونُونَ فِي مَرْكَبٍ فَلَا يَرَوْنَ هِلَالَ رَجَبٍ وَلَا شَعْبَانَ وَلَا رَمَضَانَ فَقَالَ يَنْظُرُونَ أَيَّ هِلَالٍ رَأَوْهُ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ فَيَعُدُّوهُ بِثَلَاثِينَ، ثُمَّ رَجَبٌ بِثَلَاثِينَ، ثُمَّ شَعْبَانُ بِثَلَاثِينَ ثُمَّ رَمَضَانُ بِثَلَاثِينَ فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُمْ هِلَالُ شَوَّالَ قَبْلَ الثَّلَاثِينَ أَفْطَرُوا وَقَضَوْا مَا أَفْطَرُوا وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلَهُ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ قَدْ يَرَوْا الْهِلَالَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ أَوْ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ مِنْ عَدَدِهِمْ فَيُفْطِرُوا وَيَعْلَمُوا أَنَّ الْأَهِلَّةَ قَبْلَ الْهِلَالِ الَّذِي رَأَوْهُ قَدْ كَانَ مِنْهَا تِسْعًا وَعِشْرِينَ مَا اقْتَضَى أَنْ يَرَوْا الْهِلَالَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي رَأَوْهُ فِيهِ وَهَلْ بَنَوْا عَلَى أَنَّ رَمَضَانَ ثَلَاثِينَ فِيمَا نَقَصُوهُ مِنْهُ أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعَدَدَ ثَلَاثِينَ» ) (ش) : قَوْلُهُ «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعَدَدَ ثَلَاثِينَ» ظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَرَادَ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ الشَّهْرِ الَّذِي أَنْتُمْ فِيهِ ثَلَاثِينَ يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْفِطْرِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ أَرَادَ إنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ هِلَالُ شَوَّالٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكْمُلَ عَدَدُ رَمَضَانَ ثَلَاثِينَ، وَإِنَّمَا

الصفحة 38