كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 2)

(ص) : (مَالِكٌ بَلَغَهُ أَنَّ الْهِلَالَ رُئِيَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِعَشِيٍّ فَلَمْ يُفْطِرْ عُثْمَانُ حَتَّى أَمْسَى وَغَابَتْ الشَّمْسُ) .

(ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الَّذِي يَرَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ: إنَّهُ يَصُومُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْطِرَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ وَمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَّهِمُوهُ عَلَى أَنْ يُفْطِرَ مِنْهُمْ مَنْ لَيْسَ مَأْمُونًا وَيَقُولُ أُولَئِكَ إذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ قَدْ رَأَيْنَا الْهِلَالَ وَمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالَ نَهَارًا فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَيُتِمُّ صِيَامَ يَوْمِهِ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ هِلَالُ اللَّيْلَةِ الَّتِي تَأْتِي) .

(ص) : (قَالَ يَحْيَى سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ إذَا صَامَ النَّاسُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ رَمَضَانُ فَجَاءَهُمْ ثَبْتٌ أَنَّ هِلَالَ رَمَضَانَ قَدْ رُئِيَ قَبْلَ أَنْ يَصُومُوا بِيَوْمٍ وَأَنْ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ أَحَدٌ وَثَلَاثُونَ فَإِنَّهُمْ يُفْطِرُونَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَيْ سَاعَةَ جَاءَهُمْ الْخَبَرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرَدَ هَذَا فِي النَّهْيِ عَنْ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ حَتَّى يُرَى الْهِلَالُ الْمُوجِبُ لِلصَّوْمِ أَوْ يُرَى الْهِلَالُ الْمُوجِبُ لِلْفِطْرِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْنَا أَحَدُهُمَا فَهَذَا حُكْمُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ وَارِدٌ بَعْدَهُمَا فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَيْهِمَا فَيَجِبُ أَنْ يَكْمُلَ الْعَدَدُ ثَلَاثِينَ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ الَّذِي يَكْمُلُ فَمَعْنَاهُ وَأَنْ يُكْمِلَ الشَّهْرَ الَّذِي هُوَ فِيهِ مَنْ غُمَّ عَلَيْهِ الْهِلَالُ ثَلَاثِينَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» .

(ش) : قَوْلُهُ إنَّ الْهِلَالَ رُئِيَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِعَشِيٍّ الْعَشِيُّ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ إلَى آخِرِ النَّهَارِ وَقَوْلُهُ فَلَمْ يُفْطِرْ عُثْمَانُ حَتَّى أَمْسَى دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي رَمَضَانَ وَأَنَّ الْهِلَالَ الَّذِي رُئِيَ هُوَ هِلَالُ شَوَّالٍ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُ إذَا رُئِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ لِلَّيْلَةِ الْقَادِمَةِ وَأَمَّا إذَا رُئِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَأَبَا حَنِيفَةَ وَجُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ يَقُولُونَ إنَّهُ لِلَّيْلَةِ الْقَادِمَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هُوَ لِلَّيْلَةِ الْخَالِيَةِ وَرَوَاهُ ابْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ قَدْ رُوِيَ الْقَوْلَانِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْجَهْمِ وَهَذَا لَا يَثْبُتُ عَنْ عُمَرَ رَوَاهُ شِبَاكٌ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ هَذَا هِلَالٌ رُئِيَ نَهَارًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِلَّيْلَةِ الْقَادِمَةِ أَصْلُهُ إذَا رُئِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ قَالَ وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا رُئِيَ فِي يَوْمِ ثَلَاثِينَ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ ذَلِكَ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ مَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ صَامَ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمِصْرِ أَوْ مُنْفَرِدًا فِي صَحْرَاءَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا يَصُومُ حَتَّى يَحْكُمَ الْإِمَامُ بِأَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا لَزِمَهُ الصَّوْمُ لِرُؤْيَةِ غَيْرِهِ فَبِأَنْ يَلْزَمُهُ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَهِيَ مُتَيَقَّنَةٌ أَوْلَى وَأَحْرَى.
(فَرْعٌ) فَإِنْ أَفْطَرَ عَامِدًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَاللَّيْلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا عَامِدٌ لِلْفِطْرِ مُنْتَهِكٌ لِحُرْمَةِ الشَّهْرِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ أَفْطَرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَهَذَا مِمَّا لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَوَجْهُ مَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّ ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ لِأَهْلِ الْفِسْقِ وَالْبِدَعِ إلَى الْفِطْرِ قَبْلَ النَّاسِ بِيَوْمٍ وَيَدَّعُونَ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ إذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ أَشْهَبُ يُفْطِرُ بِالنِّيَّةِ وَيُمْسِكُ عَنْ الْأَكْلِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ عَنْ الْأَكْلِ يَخْرُجُ عَمَّا خِيفَ عَلَيْهِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا إنْ كَانَ وَحْدَهُ فِي سَفَرٍ فَلْيُفْطِرْ إذْ لَا يَدْرِي لَعَلَّ غَيْرَهُ قَدْ رَآهُ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَرَهُ لَكَانَ حُكْمُهُ الْإِمْسَاكَ كَاَلَّذِي فِي الْحَضَرِ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ نَهَارًا فَلَا يُفْطِرُ وَيُتِمُّ صَوْمَهُ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ هِلَالُ اللَّيْلَةِ الَّتِي تَأْتِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْهِلَالَ إذَا رُئِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ لِلَّيْلَةِ الْقَادِمَةِ فَإِنْ رَآهُ فِي آخِرِ شَعْبَانَ لَمْ يَلْزَمْ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ، وَإِنْ رَآهُ فِي آخِرِ رَمَضَانَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْفِطْرُ.

الصفحة 39