كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 2)

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ غَسَّلَتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ حِينَ تُوُفِّيَ، ثُمَّ خَرَجَتْ فَسَأَلَتْ مَنْ حَضَرَهَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَتْ إنِّي صَائِمَةٌ، وَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ شَدِيدُ الْبَرْدِ فَهَلْ عَلِيَّ مِنْ غُسْلٍ فَقَالُوا لَا) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّمَا يُكْرَهُ غُسْلُ الْمَيِّتِ بِمَاءِ الْوَرْدِ وَمَاءِ الْقُرُنْفُلِ لِلسَّرَفِ وَإِلَّا فَهُوَ جَائِزٌ إذْ لَا يُغَسَّلُ لِيَطْهُرَ، وَإِنَّمَا هُوَ إكْرَامٌ لَهُ لِلِقَاءِ الْمَلَكَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ بِغَيْرِهِ مِنْ الْمَاءِ الْقَرَاحِ فَلَيْسَ هَذَا قَوْلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ لَا يُغَسَّلُ بِمَاءِ زَمْزَمَ مَيِّتٌ وَلَا نَجَاسَةٌ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ لَا وَجْهَ لِهَذَا الْقَوْلِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ الْمَذْهَبُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ «بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» عَلَى مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْغُسْلِ وَالتَّنْظِيفِ؛ لِأَنَّ السِّدْرَ غَاسُولٌ وَهَذَا إذَا وُجِدَ فَإِنْ عُدِمَ فَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِمَّا يُعِينُ عَلَى التَّنْظِيفِ وَالْغُسْلِ كَالْأُشْنَانِ وَالنَّطْرُونِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِالْمَاءِ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا.
فَأَمَّا الْأُولَى فَإِنَّمَا تَكُونُ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ فَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ يُغَسَّلُ أَوَّلًا بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ، ثُمَّ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ وَيُحْتَسَبُ بِذَلِكَ غَسْلَةً وَاحِدَةً وَقَوْلُ مَالِكٍ إنَّ الْغُسْلَ أَوَّلًا هُوَ الْفَرْضُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ التَّنْظِيفِ وَالتَّطْيِيبِ فَلَا يَضُرُّهُ مَا خَالَطَهُ مِمَّا يَزِيدُ فِي تَنْظِيفِهِ.
وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ فَرْضَ الْغُسْلِ إنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْمُبَالَغَةِ فِي تَنْظِيفِهِ مِنْ الْأَقْذَارِ وَغَيْرِهَا كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ.

(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ «وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا» يُرِيدُ بِذَلِكَ تَطْيِيبَ الرَّائِحَةِ وَبَقَاءَ الطِّيبِ فِي أَنْ يُجْعَلَ فِي آخَرِ غَسْلَةٍ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْكَافُورَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى الْأَرَائِحِ الطَّيِّبَةِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّجْمِيرِ وَمَنْعِ مَا فِي الْمَيِّتِ مِنْ النَّتْنِ.
وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ إنْ عُدِمَ أَوْ عَظُمَتْ مُؤْنَتُهُ طُيِّبَ الْمَيِّتُ بِغَيْرِهِ أَوْ تُرِكَ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي» يُرِيدُ إذَا فَرَغْنَ مِنْ غُسْلِهَا أَنْ يُعْلِمْنَهُ وَيُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ لِقُرْبِ عَهْدِ الْحِقْوِ بِجِسْمِهِ وَيَكُونُ نَقْلُهُ مِنْهُ إلَى الْمَغْسُولَةِ رَجَاءَ الْخَيْرِ لَهَا فِي ذَلِكَ وَالْبَرَكَةَ بِإِشْعَارِهَا بِثَوْبٍ كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِجِسْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهَا «فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ» وَأَرَادَتْ بِحِقْوِهِ الْإِزَارَ، وَقَالَ أَشْعِرْنَهَا إيَّاهُ يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الثَّوْبُ الَّذِي يَلِي جَسَدَهَا مِنْ الثِّيَابِ وَهُوَ الشِّعَارُ، وَاَلَّذِي فَوْقَهُ الدِّثَارُ.

(ش) : قَوْلُهُ إنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ امْرَأَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقَ غَسَّلَتْهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ غَسْلِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا كَانَ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةِ الصَّحَابَةِ وَمَوْضِعٌ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ فِي الْأَغْلَبِ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا يُجْزِي فِيهِ أَنْ يُتَحَدَّثَ بِهِ وَيَنْتَشِرَ وَلَا سِيَّمَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْصَى بِذَلِكَ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ مُخَالِفٌ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ قَالَ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ هُوَ أُخْتَهَا غَسَّلَهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيُغَسِّلُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ وَالْمَيِّتُ مِنْهُمَا عُرْيَانٌ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا يَطَّلِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى عَوْرَةِ الْآخَرَ بَلْ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ انْقَضَتْ عِدَّةُ الزَّوْجَةِ بِالْوَضْعِ قَبْلَ غُسْلِ زَوْجِهَا لَجَازَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ كَالْمَوَارِيثِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا غُسْلُ الزَّوْجِ زَوْجَهُ فَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ زَوْجِيَّةٌ كَمَّلَتْ الْمَوْتَ فَلَمْ تَمْنَعْ الْغُسْلَ كَمَا لَوْ مَاتَ الزَّوْجُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ رَجْعِيَّةً أَوْ بَائِنًا فَإِنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ لَهُ غُسْلُهَا.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ لَهُ غُسْلُهَا وَرَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحَاوِي وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ هَذِهِ مُطَلَّقَةٌ فَلَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ غُسْلُهَا كَالْبَائِنِ.
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا امْرَأَةٌ يَرِثُهَا الزَّوْجُ فَكَانَ لَهُ غُسْلُهَا كَاَلَّتِي لَمْ تَطْلُقْ، وَإِنْ كَانَتْ مَبْتُوتَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ غُسْلُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ

الصفحة 4