كتاب مجمع الأمثال (اسم الجزء: 2)

الباب الثالث والعشرون فيما أوله لام
3227- لَوْ ذاتُ سِوَارٍ لَطَمَتْنِي
(يضرب للكريم يظلمه دنئ فلا يقدر على احتمال ظلمه)
أي لو لَطَمَتْنِى ذاتُ سِوَارٍ؛ لأن "لو" طالبة للفعل داخلة عليه، والمعنى لو ظلمني مَنْ كان كفؤا لي، لهان على، ولكن ظلمني مِنْ هو دوني، وقيل أراد لو لَطَمَتْنِى حُرَّة، فجعل السوار علامة للحرية؛ لأن العرب قلما تُلْبِسُ الإماء السِّوَار، فهو يقول: لو كانت اللاطمة حرة لكان أخف على، وهذا كما قَال الشاعر:
فَلَوْ أنِّى بُليِتُ بِهَاشٍمىٍ ... خُؤُلَتُهُ بَنُو عَبدٍ المَدَانِ
لَهَانِ عَلَىَّ ما ألقَى، وَلَكنْ ... تَعَالَوا فَانْظُرُوا بمَنِ ابْتَلاَنِي
3228- لَوْ خُيِّرْتِ لا خْتَرْتِ
قَاله بيهس لأمه لما قَالت له: كيف سَلِمْتَ من بين إخوتك؟ وكانوا أحبًّ إليها منه، وقد ذكرتُ القصة بتمامها في باب الثاء (انظر المثل 771 "ثكل أرأمها ولدا")
3229- لَوْ نَهَيْتُ الأولَى لاَ نْتَهَتِ الثَّانِيَةُ
قَاله أنس بن الحُجَيْر الإيادى لما لَطَمَه الحارث بن أبى شمر لَطْمةً بعد أخرى، والمعنى لو عاقَبْتُكَ بأوَّلِ ما جنيتَ لم تجترئ على.
3230- لَوْ تُرِكَ القَطَا لَيْلاً لَنَامَ
نزل عمرو بن مَامَةَ على قوم من مُرَاد، فطرقوه ليلا، فأثاروا القَطَا من أماكنها، فرأتها امرأته طائرة، فنبهت المرأةُ زوجها، فَقَال: إنما هي القطا، فَقَالت: لو تُرِكَ القطا ليلا لنام.
يضرب لمن حُمِلَ على مكروه من غير إرادته.
وقَال المفضل: أول من قَال "لو ترك القطا ليلا لنام" حَذامِ بنتُ الريان، وذلك أن عاطس بن خلاج سار إلى أبيها في حِمْيَرَ وخَثْعَم وجُعْفَى وهَمْدَان، ولقيهم الريان في أربعة عشرة حَيَّا من أحياء اليمن، فاقتتلوا قتالا شديداً، ثم تحاجَزُوا، وإن الريَّان -[175]- خرج تحت ليلته وأصحابه هرابا فساروا يَوْمَهم وليلتهم، ثم عسكروا، فأصبح عاطس فغدا لقتالهم، فإذا الأرضُ منهم بلاَقع، فجرد خَيْله، وحثَّ في الطلب، فانتهوا إلى عسكر الريان ليلا، فلما كانوا قريبا منه أثاروا القَطَا، فمرت بأصحاب الريان، فخرجت حَذَامِ بنت الريان إلى قومها، فَقَالت:
ألا يا قَوْمَنَا ارتَحْلُوا وَسِيْرُوا ... فَلَو تُرِكَ القَطَا لَنَامَا
أي أن القطا لو ترك ما طار هذه الساعة وقد أتاكم القومُ، فلم يلتفتوا إلى قولها، وأخْلَدُوا إلى المضاجع لما نالهم من التعب، فقام دَيْسَمُ بن طارق وقَال بصوت عالٍ:
إذَا قَالتْ حَذَامِ فَصَدِّقُوهَا ... فَإنَّ القَوْلَ مَا قَالتْ حَذَامِ
وثار القوم فلجؤا إلى وادٍ كان قريباً منهم، فانحازوا به حتى أصبحوا، وامتنعوا منهم.
قلت: وفي رواية أبي عبيد أن البيت لِلُجَيْم بن صَعْب في امرأته حَذَام، وقد ذكرته في باب القاف (انظر المثل 2890 "القول ما قَالت حِذَام")

الصفحة 174