كتاب مجمع الأمثال (اسم الجزء: 2)

2817- أفْرَسُ مِنْ بِسْطَامٍ
هو بسطام بن قَيْس الشيباني، فارس بكرٍ. قَال حمزة:
وحدثني أبو بكر بن شُقَير قَال: حدثني أبو عبيدة قَال حدثني الأَصمَعي قَال: أخبرني خَلَف الأحمر أن عَوَانَةَ بن الحكم رَوَى أن عبد الملك بن مروان سأل يوماً عن أشجع العرب شعراً، فَقِيل: عمرو بن معد يكرب، فَقَال: كيف وهو الذي يقول:
فَجَاشَتْ إلىَّ النَّفْسُ أوَّلَ مَرَّةٍ ... وَرَدُّتْ على مَكْرُوهها فَاسْتَقَرَّتِ
قَالوا: فعمرو بن الإطْنَابة، فَقَال: كيف وهو الذي يقول:
وَقُولِى كٌلمَّا جَشَأتْ وَجَاشَتْ ... مَكَانَكِ تُحْمِدى أوْ تَسْتَرِيحي
قَالوا: فعامر بن الطفيل، فال: كيف وهو الذي يقول:
أقُولُ لِنَفسِي لاَ يُجَادُ بِمِثْلَهَا ... أقِلِّي مَرَاحاً إنَّنِي غَيرُ مُدْبِرِ
قَالوا: فَمَنْ أشْجَعُهم عند أمير المؤمنين؟ قَال أربعة: عباس بن مرداس السُّلمى، وقيس بن الخَطيم الأوسِيُّ، وعنترة بن شداد العبسي، ورجل من بنى مُزَينة؛ أما عباس فلقوله:
أشُدُّ عَلَى الكَتِيبَةِ لاَ أبالي ... أفيهَا كانَ حَتْفِي أمْ سِوَاهَا
وأما قيس بن الخطيم فلقوله:
وإنِّي لَدَى الحَرْبِ العَوَانِ مُوَكَّلٌ ... بِتَقْدِيمِ نَفْسٍ لاَ أريدُ بَقَاهَا
وأما عنترة بن شداد فلقوله:
إذ تتَّقُونَ بِى الأسنةَ لَمْ أخِمْ (1) ... عَنْهَا ولكِنِّى تَضَايَقَ مَقْدِمى
(1) (خام يخيم خيمومة: جبن)
وأما المزنى فلقوله:
دَعَوْتُ بَنِي قَحَافَةَ فَاسْتَجَابُوا ... فَقُلْتُ رِدُوا فَقَدْ طَابَ الوُرُودُ
وأما قولهم:
2818- أفْتَكُ مِنَ البِرَّاضِ
فهو البَّرَّاضُ بن قيس الكناني
ومن خبر فَتْكه أنَهُ كان وهو في حيَّه عَيَّاراً فاتكاً يجني الجنايات على أهله، فخَلَعه قومُه وتبرؤا من صنيعِه، ففارقهم، وقدم مكة فحالف حَرْب بن أمية، ثم نَبَابه المقام بمكة أيضاً، ففارقَ أرضَ الحجاز إلى أرض العراق، وقدم على النعمان بن المنذر الملك فأقام ببابه، وكان النعمان يبعث إلى عكاظ بلَطِيمة (اللطيمة - بفتح أوله - جماعة الإبل تحمل الطيب والبز وعروض التجار)
كلَّ عامٍ تُباعُ له هناك، -[88]- فَقَال وعنده البراض والرحَّال - وهو عُرْوَة بن عُتْبَة بن جعفر بن كلاب، سمى رَحَّالاً لأنه كان وَفَاداً على الملوك - مَنْ يُجِيز لي لطيمتى هذه حتى يقدمها عكاظ؟ فَقَال البراض: أبَيْتَ اللعنَ أنا أجيزها على كنانة، فَقَال النعمان: ما أريد إلا رجلا يجيزها على الحيين قيس وكنانة، فَقَال عروة الرحَّال: أبَيْتَ اللعن أهذا العَيَّار الخليعُ يكمل لأن يجيز لطيمة الملك؟ أنا المجيزها على أهل الشِّيحِ والقَيصُوم من نَجْد وتهامة، فَقَال: خُذهَا، فرحل عُروة بها، وتبع البراض أثَرَه، حتى إذا صار عُروة بين ظَهْرَاتى قومه بجانب فَدَك نزلت العيرُ فأخرج البَرَّاض قِدَاحا يستقسم بها في قَتْل عُروة، فمر عروة به وقَال: ما الذي تصنع يا بَرَّاض؟ قَال: أستخبر القِدَاح في قتلى إياك فقال اسْتُكَ أضْيَقَ من ذاك، فوَثَبَ البراض بسيفه إليه فضربه ضربةً خَمَدَ منها، واستاقَ العِير، فبسببه هاجت حربُ الفِجَار بين حي خِنْدف وقيس؛ فهذه فَنَكَة البّرَّاض التي بها المثل قد سار، وقَال فيها بعضُ شعراء الإسلام:
والفَتَى من تَعَرَّفَتْهُ الليالي ... وَالفَيَافِى كَالحَيَّةِ النَّضْنَاضِ
كُلَّ يَوْمٍ له يصْرِفِ الليالي ... فَتْكَةٌ مِثْلُ فَتْكَةِ البَّراضِ

الصفحة 87