كتاب الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري (اسم الجزء: 2)

وقد بالغ أيضاً الذي يقول:
أحبك ما لو كان بين قبائل ... من الناس أعداء لجر التصافيا (1)
وأبلغ من هذا كله وأجود قول الأعشى:
كفى بالذي تولينه لو تجنبا ... شفاء لسقم بعد ما كان أشيبا (2)
ولكنما كانت توابع حبها ... توالى ربعي السقاب فأصبحا
فتم على معشوقه لا يزيدها ... إليه بلاء السوء إلا تحببا
وكان حماد الراوية يتعجب من قوله: «فتم على معشوقه»، ويقول: هذا (3) -والله- غاية العشق، ونهاية الإحسان في النسيب.
يقول: كفى بالذي توليه من البعد والقطيعة شفاء له من سقم الحب لو تجنب، ولكنه لا يقدر على ذلك.
وقوله: «توابع حبها» أي ما تتابع وتوالي من حبها كتوالي الربعي، وهو: السقب الذي نتج في أول الربيع، ينتقل من سن إلى سن حتى قوي ومرن، وانقاد (4)، جعل هذا مثلاً لزيادة حبه شيئاً فشيئاً حتى تمكن، فذلك معنى قوله قوله: «توالي».
وقد روى «تأول ربعي» من حال إلى حال، من آل يئول.
وقال أبو حية النميري في هذا المعنى، وجاء به أكشف وأبين وأحسن مما جاء به الأعشى فقال:
لا منكر لقبيح منك أعرفه ... إني أراه -إذا أرضاك- إحسانا
أحدث النفس مسرورا بذكركم ... حتى كأن الذي قد كان ما كانا

الصفحة 125