كتاب الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري (اسم الجزء: 2)
تغرد لفقد إلفها وفرخها، وتكثر النوح عليهما، فكيف يكون ذلك ضحكاً؟
فالجواب عن هذا: أن ذلك التغريد قد يسمع منها وإلفها معها، وتفعله وهي في عشها مع فرخها، والمشاهدة لهذا أكثر وأعم، ويسمى ذلك التغريد نوحاً؛ ألا ترى إلى قول الشاعر:
ألا يا حمام الأيك إلفك حاضر ... وغصنك مياد ففيم تنوح (1)
وناحت وفرخاها بحيث تراهما ... ومن دون أفراخي مهامه فيح
ولهذا قال ورد بن الجعد:
أحقاً يا حمامة بطن واد ... بأنك في بكائك تصدقينا (2)
غلبتك في البكاء بأن ليلي ... أواصله وأنك تهجعينا (3)
وأني إن بكيت بكيت حقاً ... وأنك في بكائك تكذبينا (4)
فمن ههنا قال أبو تمام: «لا تنشجن لها فإن بكاءها ضحك»، أي ليس هناك بكاء على الحقيقة، ولا حزن على الصحة، وإنما يشجوك تغريدها لأن لها تلحيناً وترجيعاً كأنه صوت نائح؛ ومن أجل ذلك ادعت الأعراب أن فرخ حمام كان على عهد نوح يقال له (5) الهديل صاده بعذ جوارح الطير، فيزعمون أنه ما من حمامة إلا وهي تبكي عليه، وهذا من خرافات الأعراب، وإنما قالوا ذلك لما رأو الحمام على كل حال يغرد هذا التغريد
الصفحة 148
375